عبقرية النبي محمد العسكرية وأثرها في تطوير فنون القتال الحديثة
عبقرية النبي محمد العسكرية وأثرها في تطوير فنون القتال الحديثة
صحيفة الحقيقة/ خاص
رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله هو قائدًا وقدوة، كما وصفه الله سبحانه وتعالى في قوله: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21]. وكما بلغ درجات الكمال في الجانب الأخلاقي والديني والروحي برز أيضًا كقائد عسكري محنك قاد معارك عديدة بحكمة وتخطيط مدروس وبنى دولة إسلامية في غضون سنوات قليلة استطاعت إسقاط امبراطوريات بأكملها.
لقد أظهر النبي محمد صلوات الله عليه وعلى آله مهارات عسكرية استثنائية من خلال تنظيمه الدقيق للمعارك وتخطيطه المتقن، و بفضل قدرته على إدارة وبناء الجيش الإسلامي وتوجيهه بحنكة، استطاع تحقيق انتصارات باهرة رغم التحديات الكبيرة؛ وما زالت العديد من المبادئ التي طبقها النبي الكريم تُستخدم كأساس لتكتيكات عسكرية حديثة.
في هذا التقرير سنحاول تسليط الضوء على جزء من حركة الرسول الجهادية والترتيبات العسكرية التي وضعها ، والربط بينها وبين أساليب الجيوش الحديثة من خلال: التنظيم، المبادرات الاستراتيجية، والتحفيز المعنوي، وكيف استطاع تحقيق إنجازات عسكرية كبيرة، في مرحلة صعبة وفي وقت قياسي كوّن دولة إسلامية كبرى امتدت فيما بعد إلى حدود الصين شرقا و أطراف أوربا غربا..
غزوات الرسول وسراياه:
قاد النبي محمد صلوات الله عليه وعلى آله ما يقارب 29 غزوة خلال فترة قصيرة لا تتجاوز ٨ سنوات، منها غزوات شهيرة مثل بدر، أحد، والخندق، وتبوك وخيبر … إلخ كما أرسل ما يزيد عن 60 سرية لتأمين المناطق المحيطة وتنفيذ عمليات عسكرية معينة. هذه الغزوات والسرايا لم تكن مجرد حروب تقليدية، بل مثلت تطبيقًا عمليًا لتكتيكات متقدمة، أبرزها الاستعداد، المبادرة، والتنظيم المحكم، وجمع المعلومات.
التنظيم والانضباط العسكري:
كان النبي محمد صلوات الله عليه وعلى آله دائم الحرص على تنظيم الجيش وترتيب صفوفه بدقة، في سورة الصف (آية 4)، يقول الله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ.”
هذه الآية توضح أن الترتيب والانضباط كان من أولويات النبي في إعداد الجيش الإسلامي حيث اهتم بتوزيع الجنود بشكل متناسق لضمان تحقيق أقصى فعالية في المعركة، في غزوة بدر، قام بتقسيم الجيش إلى ميمنة، ميسرة، وقلب، لضمان توزيع القوة بشكل متوازن.
في الجيوش الحديثة، يعتبر هذا المفهوم جزءًا من التشكيلات العسكرية أو Military Formations، حيث يتم توزيع الجنود ووحدات النيران وفق خطط محكمة تضمن تحقيق الأهداف التكتيكية.
التشكيلات القتالية مثل الخط الأمامي أو الهجوم الجبهي تعتمد على نفس مبدأ الترتيب والانضباط الذي طبقه النبي صلوات الله عليه وعلى آله.
الثبات والاستبسال في ميدان المعركة:
كانت إحدى القيم التي ركز عليها النبي في تربية جنوده هي الثبات في ميدان المعركة وعدم التراجع؛ في سورة الأنفال يقول الله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحۡفٗا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ*وَمَن يُوَلِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ دُبُرَهُۥٓ إِلَّا مُتَحَرِّفٗا لِّقِتَالٍ أَوۡ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٖ فَقَدۡ بَآءَ بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (الأنفال:١٥-١٦)
وهي دعوة واضحة للجنود للثبات وعدم الفرار، كان رسول الله يعلم أن الفرار من المعركة ليس مجرد فعل جبان، بل هو خيانة توعد الله بعقاب شديد لمن يهرب لأن له تبعات خطيرة على معنويات الجيش.
في الجيوش الحديثة، الهروب من ساحة المعركة يعد جريمة عسكرية خطيرة، وقد تصل عقوبتها في بعض الدول إلى الإعدام. فكرة الثبات في مواجهة العدو وعدم التراجع تعتبر عنصرًا أساسيًا في الحفاظ على قوة الجيوش وتماسكها، و تحقيق النصر وهكذا، يتضح أن مبدأ الثبات والاستبسال الذي رسخه النبي ما زال حاضرًا في العقوبات والقوانين العسكرية اليوم.
التحفيز والتوجيه المعنوي:
أحد أبرز جوانب القيادة العسكرية للنبي محمد صلوات الله عليه وعلى آله كان قدرته الفائقة على تحفيز الجنود ورفع معنوياتهم. في سورة الأنفال (آية 65)، يقول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ…”، وهو أمر مباشر للنبي بضرورة حث الجنود على القتال وتشجيعهم على الثبات.
و هناك آيات قرآنية أخرى تحفز المسلمين وترفع معنوياتهم للتضحية والاستبسال يقول الله سبحانه وتعالى {۞ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقۡتُلُونَ وَيُقۡتَلُونَۖ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ وَٱلۡقُرۡءَانِۚ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِۚ فَٱسۡتَبۡشِرُواْ بِبَيۡعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعۡتُم بِهِۦۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (التوبة:١١١)
في معركة بدر، نرى كيف ألقى النبي خطابًا حماسيًا للجنود قبل المعركة، حيث قال: “قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض.”، هذا النوع من التحفيز كان له أثر كبير في دفع الجنود للقتال بشجاعة.
في الجيوش الحديثة، يعرف هذا الأسلوب بـ التوجيه المعنوي أو Psychological Operations، حيث يتم تحفيز الجنود نفسيًا ومعنويًا لضمان استعدادهم الكامل للقتال؛ التوجيه المعنوي يلعب دورًا حاسمًا في رفع الروح القتالية للجنود، سواء عبر الخطب الحماسية أو الأنشطة التي تهدف لتعزيز الثقة والشجاعة.
الترتيبات التكتيكية في ميدان المعركة:
كانت للرسول صلوات الله عليه وعلى آله نظرة ثاقبة في ترتيب القوات وتوزيعها بشكل يضمن تحقيق النصر؛ في سورة آل عمران (آية 121) يقول الله تعالى: “وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ.”
هذا يشير إلى اهتمام النبي بتوزيع القوات بشكل مدروس قبل بدء المعركة؛ في معركة الخندق، على سبيل المثال، قام النبي بتوزيع القوات في مواقع استراتيجية حول المدينة، واستفاد من التضاريس الطبيعية لحماية المدينة من هجمات الأعداء.
في الجيوش الحديثة، يعرف هذا النوع من التخطيط بـ التكتيكات الحربية أو Military Tactics، حيث يتم توزيع القوات على الميدان بشكل يضمن أفضل استغلال للموارد والقوى المتاحة، يتم تحديد مواقع الجنود وتوزيع النيران وفق خطط دقيقة تراعي التضاريس وظروف المعركة.
استراتيجية الهجوم والدفاع:
من الأمور البارزة في قيادة الرسول صلوات الله عليه وعلى آله هو قدرته على التوازن بين الهجوم والدفاع، في معركة بدر، كانت استراتيجيته هجومية بامتياز، حيث أمر جنوده بالتقدم نحو العدو في اللحظة المناسبة، بينما في معركة الخندق، اتخذ النبي موقفًا دفاعيًا باستخدام استراتيجية غير تقليدية تتمثل في حفر الخندق، مما أربك العدو وجعل الهجوم مستحيلاً.
في الجيوش الحديثة، يتم اتباع نفس المبدأ من خلال التخطيط الاستراتيجي الذي يحدد متى يجب الهجوم ومتى يجب الدفاع؛ هناك مفهوم الهجوم المفاجئ (Surprise Attack) الذي يعتمد على مهاجمة العدو بشكل غير متوقع لتحقيق التفوق، وهو ما يتشابه مع أسلوب النبي في وتكتيكاته العسكرية.
المبادرة وضربة تبوك الاستباقية:
واحدة من أبرز المبادرات التي قادها النبي كانت غزوة تبوك، في هذه الغزوة، انطلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجيش قوامه ثلاثون ألف مقاتل لمواجهة امبراطورية الروم في شمال الجزيرة العربية، رغم قلة الإمكانيات وصعوبة الطريق، كان القرار بمثابة ضربة استباقية لتحييد خطر العدو قبل أن يصل إلى ديار المسلمين.
النبي أراد أن يعلم أمته أن الانتظار وعدم التحرك أمام التهديدات يعرضهم للخطر. يقول الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثُباتٍ أو انفروا جميعًا.” (النساء: 71). من خلال هذه المبادرة، علم النبي المسلمين درسًا هامًا: الهجوم خير وسيلة للدفاع، وأن من ينتظرون حتى يأتي العدو إليهم سيصبحون عرضة للاحتلال والإذلال، في عالم اليوم، يعرف هذا المبدأ بـ”الضربة الاستباقية” أو Preemptive Strike، وهو مفهوم حديث يعتمد على مهاجمة العدو قبل أن يبدأ بالهجوم، لضمان حماية الأمن القومي وتقليل الخسائر؛ نرى أن هذا المبدأ قد ظهر بوضوح في العديد من العمليات العسكرية الحديثة التي تعتمد على التحرك الاستباقي لتحييد التهديدات.
إدارة الموارد والإمدادات “كل مسلم جندي”:
يقول السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله : نجح رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” في مهمته الرسالية أعظم نجاح بأقل التكاليف، يعني لاحظوا مثلاً: لو رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” عندما قال له جبريل مثلاً: [مهمتك عالمية، أنت رسول للعالمين، قدّم هذا الدين إلى كل البشر، أوصل رسالة الله إلى العباد، أقم للإسلام كياناً…الخ.]، يقول: [بس هذا مشروع كبير، ويحتاج ميزانية ضخمة، ويحتاج إمكانات هائلة، ويحتاج أعداداً كبيرة من البشر….] لا، ما عنده ولا شرط ولا قيد، بدأ يتحرك بمفرده، ثم بالقلة القليلة من المؤمنين معه، ثم اتسعت هذه الدائرة شيئاً فشيئاً بإمكانات بسيطة ومتواضعة، لم يحتج إلى دعم أجنبي من قوى ومكونات ليست ضمن الكيان الإسلامي، أطراف أخرى غير مسلمة، مثلًا: يستمد من الفرس، أو من الروم، أو من بعض الوثنيين العرب، أو يستفيد من صراعات هنا أو هناك ليعتمد عليها وهي من خارج دائرة الإسلام. أبدًا، يعتمد على التمويل الإسلامي، في مَن قد أسلم، مِن إمكاناتهم المتواضعة جدًّا، لم يحتج مثلًا يقول لله “جلَّ شأنه”: [أنا أشتي منك خمسة جبال تحولها لي ذهب تكون ميزانية لي حتى أني اشتغل وأستطيع أعمل]. |لا|، تحرك بالمتاح، بالممكن، وعلَّم المسلمين وربّاهم على هذا الأساس أن يتحركوا بأنفسهم وأموالهم وقدراتهم وطاقاتهم، وأن يثقوا بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أنه سيبارك فيهم، وفي قدرتهم، وفي طاقتهم، وسينميهم وينمي ما معهم، ويزيدهم خيرًا، ويبارك لهم، ويحثهم بالإعداد لما استطاعوا من قوة.
ومن أعظم الأمثلة على في غزوة تبوك، كان الجيش يواجه صعوبة في الحصول على الإمدادات وبسبب ذلك سمي ( جيش العسرة)، لم ينتظر رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله حتى تتيسر الأمور للمسلمين كون الإسلام بكله يتعرض لخطر داهم من قبل دولة كبرى وعندما يكون الخطر كبير يجب أن يكون هناك تحرك أكبر لقد شجع الرسول صلى الله عليه وآله المسلمين على الإنفاق وتجهيز الجيش الإسلامي، والتحرك بشكل جامعي فكل فرد جندي وهنا يكون الطاعة والتسليم والتحرك واجبا مهما كانت الإمكانيات والظروف وتحرك المسلمين كلهم رغم الضائقة الاقتصادية ورغم سوء المناخ ولم يتخلف إلا ثلاثة أشخاص ونتيجة تخلفهم نزلت فيهم عقوبة كبيرة.
في الجيوش الحديثة: تستخدم الجيوش الحديثة نظمًا متقدمة لإدارة الموارد تشمل اللوجستيات، والتوريد، وإدارة المخازن. تُستخدم التكنولوجيا لتتبع وتنسيق الإمدادات لضمان وصولها إلى الجبهات الأمامية بشكل فعّال، ويتم التخطيط المسبق لتفادي أي نقص في الموارد، وتخصص الدول موازنات دفاعية كبيرة لضمان جهوزية للتحرك عند أي طارئ كما تسن الدول قوانين التجنيد الإجباري على كل مواطن بالغ عندما يتعرض الجيش لإنهاك أو الشعور بخطر وجودي يهدد سيادة واستقلال الدولة و هذا ما نراه اليوم ماثلا في سلوك العدو الصهيوني.
الاهتمام بالسرية و المعلومات الاستخباراتية:
لطالما كان الاهتمام بالمعلومات الاستخباراتية والسرية جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية العسكرية الناجحة، ويُعد النبي محمد صلوات الله عليه وعلى آله أحد أعظم القادة العسكريين الذين اهتموا بهذا الجانب بشكل بارز، من خلال الاستفادة من المعلومات الاستخباراتية، تمكن النبي صلوات الله عليه وعلى آله من تحقيق انتصارات استراتيجية، بدءًا من غزوة بدر إلى فتح مكة، وصولًا إلى غزوة تبوك.
-
غزوة بدر: جمع المعلومات الاستخباراتية ومعرفة قافلة قريش:
غزوة بدر، التي وقعت في 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة، تُعد واحدة من أبرز المعارك في تاريخ الإسلام، كان لنبي صلوات الله عليه وعلى آله فهم عميق لأهمية المعلومات الاستخباراتية في هذه المعركة.
قبل المعركة، تمكن النبي صلوات الله عليه وعلى آله من الحصول على معلومات دقيقة حول تحركات قافلة قريش التجارية التي كان يقودها أبو سفيان بن حرب، كانت هذه القافلة تمثل هدفًا استراتيجيًا مهمًا لأن قريش كانت تعتمد على تجارتها كمصدر رئيسي للثروة، وقد أرسل النبي صلوات الله عليه وعلى آله سرية بقيادة عبد الله بن جحش لاستطلاع الأخبار حول القافلة وتقييم الوضع العسكري لقريش، وبفضل المعلومات التي حصلوا عليها، بأن قريش قد خصصت القافلة لتمويل الحرب على رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وقد تمكن النبي صلوات الله عليه وعلى آله من اتخاذ القرار الصائب بالتقدم لملاقاة قريش.
و قد تحدث القرآن الكريم عن هذه الخطوة يقول الله “جَلَّ شَأنُهُ”: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ}[الأنفال: من الآية7]، و كانت نية المسلمين في البداية هي الاستيلاء على القافلة للاستفادة منها و لكن جيش قريش كان قد خرج لقتال المسلمين والتقى الطرفين في بدر يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ}[الأنفال: الآية42].
-
فتح مكة: كشف إفشاء حاطب بن أبي بلتعة:
في عام 8 هـ، قبيل فتح مكة، كان النبي صلوات الله عليه وعلى آله يجري بسرية تامة الاستعدادات لفتح مكة، في هذا السياق، قام حاطب بن أبي بلتعة بإفشاء سر تحرك المسلمين إلى قريش، حيث أرسل رسالة إلى قريش يطلعهم على نية المسلمين بفتح مكة. كان هدف حاطب من هذا التصرف هو حماية أسرته ومصالحه الشخصية، لكنه لم يكن يدرك عواقب عمله.
عندما علم النبي صلوات الله عليه وعلى آله بإفشاء السر من خلال معلومات استخباراتية حصل عليها من خلال وكيله، أرسل علي بن أبي طالب لتعقب الرسالة، تم اكتشاف الرسالة والقبض على حاطب، حيث تم إحضاره إلى النبي صلوات الله عليه وعلى آله .
في تصرف حكيم، لم يعاقب النبي صلوات الله عليه وعلى آله حاطب فورًا، بل قام بالتحقيق معه لفهم دوافعه، أظهر النبي صلوات الله عليه وعلى آله قدرة عظيمة على إدارة الأزمات والتعامل مع الخونة بحكمة، رغم أن حاطب كان قد أخطأ، إلا أن النبي صلوات الله عليه وعلى آله لم يتخذ موقفًا قاسيًا ضده، بل منح حاطب فرصة لتبرير أفعاله، وأكد في الوقت نفسه على أهمية الحفاظ على السرية والمعلومات الاستخباراتية.
-
غزوة تبوك: الحشد والاستخبارات:
غزوة تبوك، التي وقعت في العام التاسع للهجرة، كانت واحدة من أكبر الحملات العسكرية التي قادها النبي صلوات الله عليه وعلى آله ؛ في هذه الحملة، كان جمع المعلومات الاستخباراتية أمرًا حيويًا، حيث كان النبي صلوات الله عليه وعلى آله يتعامل مع تهديد من الدولة البيزنطية.
قبل الحملة، تم جمع معلومات استخباراتية حول تحركات قوات الروم للقضاء على المسلمين استخدم النبي صلوات الله عليه وعلى آله المعلومات التي حصل عليها لتجهيز جيش ضخم، حيث حشد ثلاثين ألف مقاتل في ظروف صعبة، مما يعكس استعداده العالي واهتمامه بالاستعداد الكامل.
لم يقتصر اهتمام النبي صلوات الله عليه وعلى آله بالجمع المعلومات فقط، بل كان أيضًا يحرص على ضمان تنفيذ خطط محكمة بناءً على المعلومات المتوفرة، بفضل المعلومات الدقيقة التي حصل عليها، تمكن النبي صلوات الله عليه وعلى آله من اتخاذ عنصر المبادرة والتحرك الاستباقي وحقق نتائج استراتيجية هامة، مثل تعزيز قوة المسلمين وتوسيع نفوذهم، واظهارهم قوة لا ترهب مما دفع إمبراطورية الروم إلى التراجع عن مواجهة المسلمين
قالوا عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم
على مر العصور، كان النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم محور اهتمام العديد من المفكرين الغربيين سواء في العصور القديمة أو الحديثة، اعترف كثيرون منهم بحكمته وقيادته وتأثيره الهائل على تاريخ الإنسانية. نورد هنا بعضًا مما قاله بعض هؤلاء المفكرين والشخصيات البارزة:
-
المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون (Gustave Le Bon):
في كتابه *”حضارة العرب” (La Civilisation des Arabes)*، قال لوبون:
*”محمد كان أعظم رجال التاريخ، وأنه أسس دينًا كان له تأثير كبير على العالم، وأنه من قلة القادة العسكريين الذين جمعوا بين الحكمة والشجاعة.”*
-
الكاتب البريطاني جورج برنارد شو (George Bernard Shaw):
في كتابه *”محمد”*، قال برنارد شو:
*”لو كان محمد بيننا اليوم، لنجح في حل مشاكل العالم الحديث، ولأتى بالسعادة والسلام إليه.”*
كما أضاف: *”أؤمن أن رجلاً مثله يجب أن يُسمى منقذ البشرية.”*
-
المؤرخ الأمريكي مايكل هارت (Michael H. Hart):
في كتابه الشهير *”الخالدون المئة”*، صنف مايكل هارت النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في المرتبة الأولى كأعظم شخصية أثرت في التاريخ، حيث قال:
*”لقد كان محمد الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحًا مطلقًا على المستويين الديني والدنيوي.”*
-
المفكر الفرنسي ألفونس دو لامارتين (Alphonse de Lamartine):
في كتابه *”تاريخ تركيا” (Histoire de la Turquie)*، كتب:
*”إذا كانت عظمة الهدف، وضآلة الوسائل، والنتائج المدهشة هي المقاييس الثلاثة لعبقرية الإنسان، فمن يجرؤ على مقارنة أي رجل عظيم في التاريخ الحديث بمحمد؟”*
وأضاف: *”فلسفة ودعوة محمد، التي أنجزت بدون وسائل مادية أو نفوذ سياسي، لا يمكن إلا أن تكون أعظم معجزة في تاريخ الإنسانية.”*
-
الباحث الألماني يوهان وولفغانغ فون غوته (Johann Wolfgang von Goethe):
عُرف غوته بإعجابه الشديد بالإسلام، وقد قال عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم:
*”بحثت في التاريخ عن نموذج للكمال البشري فوجدته في النبي محمد.”*
-
الفيلسوف الإنجليزي توماس كارلايل (Thomas Carlyle):
في كتابه *”الأبطال”*، وصف كارلايل النبي محمد بأنه *”بطل”*:
*”إن النبي محمد كان بطلًا حقيقيًا في كل ما تحمله الكلمة من معنى. لم يكن رجلاً عاديًا، بل كان رجلاً ذا رؤية ورسالة.”*
-
المؤرخ الإيطالي لويجي رينالدو (Luigi Renaldo): قال: