عاشوراء في اليمن: ديمومة صراع الحق مع الباطل
سراء جمال الشهاري
“إن من يهيئ الساحة لتحكمها أمريكا، من يهيئ الساحة لتحكمها “إسرائيل”.. هم أسوأ ممن شهروا سيوفهم في وجه الحسين(ع)”.
هكذا وصف السيد حسين بن بدر الدين الحوثي واقع المتخاذلين عن نصرة الحق في هذا العصر في محاضرته ” دروس من وحي عاشوراء” التي ألقاها في مناسبة عاشورائية أقامها أنصار الله في يوم العاشر من محرم لعام 1423 هـ، الموافق 23 من مارس 2002م بمنطقة مران بمحافظة صعدة.
لقد شخّص السيد حسين الحوثي حيثيات فاجعة كربلاء موضحًا أهمية العودة للوراء، لمعرفة الأسباب التي آلت في نتائجها أن يستشهد الامام الحسين عليه السلام بسيفٍ محسوبٍ على الاسلام، مؤكدًا أننا إذا لم نعد لأسباب الانحراف الأول فستظل الأمة الاسلامية تعيش مأساة كربلاء في كل عصر.
اليوم في عام 1442هـ، أحيا اليمنيون ذكرى عاشوراء بزخم جماهيري كبير. الاحياء هذا العام اتصف بطابع ثوري تواليًا على غرار خروجهم سنوات ستًا سابقة تحت الحرب التحالفية الظالمة والحصار الأممي الخانق. في هذا الاطار، يرى مدير مكتب الاشراف لأنصار الله بأمانة العاصمة الأستاذ عبد القادر المهدي في تصريحه لـ”العهد” أن “الشعب اليمني يستوعب مبادئ ومقاصد خروج الامام الحسين(ع) وأهداف ثورته، لذلك فهو يحيي ذكرى فاجعة كربلاء بطابع ثوري”.
ثورة 21 من سبتمبر اليمنية امتدادٌ للثورة الحسينية
لقد أحيا اليمنيون مأساة كربلاء وهم يعيشونها واقعًا في أكبر مظلومية يشهدها العالم.
فاليمن اليوم هي كربلاء الأمس إذ اجتمع عليها الطواغيت، ليقتلوا فيها مبادئ الامام الحسين عليه السلام ومنهجه الثائر في وجه الظالمين.
اليمن اليوم هو كربلاء الأمس في ظمأها وفي الحصار الأمريكي – السعودي الذي تطال آلة قتله كل من لم تطله نيران الترسانة العسكرية والغارات الجوية.
اليمن اليوم هو كربلاء الأمس في عدالة قضيتها وأحقية موقفها، فبأي ذنبٍ يقتل اليمنيون إلا لأنهم قالوا: “الله أكبر، الموت لأمريكا الموت لاسرائيل اللعنة على اليهود النصر للاسلام”.
اليمن اليوم هو كربلاء الأمس، وقد خيّرها أعداؤها بين السلة والذلة، فصرخ أبطالها بشعار ذبيح كربلاء، وقدموا قوافل الشهداء ملتحقين بركب قافلة الحسين عليه السلام السماوية.
بحسب عبد القادر المهدي فإن “من أهم الشواهد التاريخية لعمق ارتباط اليمنيين بالإمام الحسين(ع) وثورته وحركته، أن اليمن احتضن دولة أهل البيت بقيادة أعلام الهداية عليهم السلام، التي استمرت حتى اليوم لأكثر من عشرة قرون من الزمن الأمر الذي لم يحدث في أي بلد من البلدان الإسلامية”.
ويضيف المهدي: “يحاول الطغاة دائمًا تشويه هوية الشعب اليمني لما له من عمق الارتباط الأصيل بآل البيت وثقافة القرآن، حتى يكونوا ضحية التضليل والاغواء والاختراق”.
لقد جددت ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر هوية اليمانيين الايمانية، وأعادتهم لأصالتهم المحمدية في نصرتهم لرسالة الاسلام ولرسول الله وآل بيته، فعلى الرغم من حملات التضليل الثقافية للعدو، ومحاولات حرف المسار، إلا أن اليمنيين لم يتركوا احياء هذه المناسبات الكبرى كذكرى عاشوراء وعيد الغدير والمولد النبوي الشريف، ثم أتت ثورة التحرر لتعيد لهذه المحطات الثقافية والعقائدية زخمها وتعيد لليمن هويته التي أراد أعداؤه تضييعها. وفي حديثه لـ”العهد”، يعتبر مدير عام مكتب الاشراف لأنصار الله بأمانة العاصمة أن “ثورة 21 من سبتمبر نقطة تحول تاريخي لعودة واتصال الهوية اليمنية بامتدادها الأصيل منذ فجر الإسلام لعدة اعتبارات منها عودة ارتباط اليمنيين بقيادة من آل البيت عليهم السلام، وأن هذه الثورة أبرزت قيم وأصالة الشعب اليمني وشهامته وكرامته وعزته التي أهدرتها الأنظمة السابقة، وكذلك بروز جانب الاحسان والتكاتف الاجتماعي والأخوة بين فئات المجتمع التي كان يتصف بها الأنصار (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) حيث لوحظ جانب الاحسان في هذه الثورة وما تلاها، وباتت صفة ملازمة للشعب اليمني، يُضاف إلى ذلك ترسيخ مبدأ الموالاة والمعاداة وفق مضامين التوجيهات القرآنية، واستيعاب طبيعة الصراع مع أهل الكتاب والمنافقين، والعمل على تجاوز مؤامراتهم السياسية والعسكرية والاقتصادية، وكل هذه الاعتبارات تنبئ عن وعي مجتمعي تنامى في هذه الثورة المباركة رغم كل الحملات التشويهية والتضليلية”.
اليمن حسينيةٌ في ديمومة صراع الحق مع الباطل
لأن في كل زمان حسين(ع)، وفي كل زمان يزيد، ولأن الحق والباطل طريقان لا يجتمعان ولكلٍ منهما أنصاره، تظل ثورة الامام الحسين(ع) نبراسًا وهاجًا يؤكد لكل ذي بصيرة أن حزب الله هم الغالبون، وحزب الشيطان هم الخاسرون. ومن تلك المدرسة العظيمة، ومن دروس “فخض غمرات الحق حيث كان” يواجه اليمنيون اليوم تحالفًا عالميًا يسعى لقتل نهج الامام الحسين(ع) فيهم.
لقد صارت ألقاب أم الشهيدين والثلاثة والأربعة، ألقاب مفخرة تعتز بها النساء في اليمن. وصار ذوو الشهداء وأهلوهم يُلحِقون دماء أبنائهم بقوافل الكرم، مما جادت به أنفسهم من الكعك والمواد الغذائية والمال، بل صاروا يتقاسمون لقمتهم مع أبطال الجيش واللجان الشعبية، حتى أصبحت عادةً مجتمعية أن يُخرِج أسر الشهداء قوافل الرفد والاسناد للمجاهدين في ساحات القتال، في الذكرى السنوية لاستشهاد فلذات أكبادهم. يُشير الأستاذ عبد القادر المهدي الى أن “كربلاء وثورة الحسين(ع) بكل مظلوميتها ومبادئها ومقاصدها باتت شاهدًا على مظلومية الشعب اليمني، إلا أنه بالاستفادة من الرصيد التاريخي الكبير، يتحرك الشعب اليمني اليوم بوعي كامل بخطورة التفريط ونتائجه المأساوية، فالشعب اليمني اليوم يخوض كربلاء النصر والعزة وتتلاشى أمامه كل المؤامرات بعون الله وتأييده”.
في الكلمة عينها، من محاضرة “دروسٌ من وحي عاشوراء”، يقول السيد حسين بن بدر الدين الحوثي: “إذا لم ننطلق في مواجهة الباطل في هذا الزمن، فإننا من سنرى أنفسنا نساق جنوداً لأمريكا في ميادين الباطل في مواجهة الحق”.
لقد شرَّف الله اليمنين بمعركتهم هذه أنْ كانت أمريكا هي عدوتهم و”اسرائيل” من خلفها.