إما أن عادل الشجاع فقد عقله وإما أن علي عبد الله صالح فقد ما تبقى لديه من حصافة.
يقول الشجاع إن الحوثيين قبل العدوان “كانت لديهم غرفة عمليات مشتركة مع الأمريكان”!
هذه وحدها كافية لكشف حالة الإسفاف التي بلغها “الشجاع”، لكنها لا تكفي لتفسير إصرار “صالح” على بلوغ هذه الدرجة من التناقض والصراع مع نفسه، وليس الصراع مع أنصار الله.
كتاب مؤتمريون كالشجاع والصوفي خصوصا لا يكتبون كلمة واحدة خارج رغبة صالح، لذلك ليس مهما نقاشهم ولا الوقوف أمام الكم الهائل من الترهات التي يرددونها طوال الوقت، فما كتبوه منذ بداية العدوان إلى ما قبل أشهر قليلة دفاعا عن أنصار الله يكفي للرد على ما يكتبونه الآن من ترهات ضد أنصار الله أنفسهم وهي ترهات أصبحت تتجاوز مايقوله حتى تحالف العدوان نفسه.
الأهم هو محاولة فهم انتقال صالح بآلته الإعلامية إلى هذا المستوى من العدوانية تجاه شريكٍ هو حصنه وحصن اليمنيين الأخير في وجه عدوان إجرامي متعطش للدماء اليمنية دون تفريق بين دم ودم.
يبدو أننا لسنا أمام تجنحات داخل المؤتمر الشعبي العام، بل تجنحات داخل “صالح” نفسه.
صالح المستهدف في الواقع من العدوان، وصالح الرافض في أمانيه لفكرة أن يكون هدفاً للعدوان.
يعبر الشجاع عن هذا الجزء من صالح، الجزء الذي يعرف أن موقعه الطبيعي هو مع السعودية، وليس مع بلده، وأن مكانه المنسجم مع تاريخه والأضمن لمستقبله، هو “تحالف السعودية” وليس في التحالف مع أنصار الله.
هو لا يجد أي تفسير لتخلي السعودية عنه ورميها له إلى هذه المنطقة الاضطرارية، أي منطقة الخصم، فعمره ما كان خصما لها، ولابد أن ما حدث هو سوء فهم تاريخي يجب أن يُصحح، ويجب أن تعود كل الأمور إلى نصابها.
الشجاع وفريقه الإعلامي ينفذون عملية التصحيح هذه ومهمتهم تقوم على تأكيد الصورة “الضعيفة” لصالح داخل التحالف مع أنصار الله، وتأكيد أنه في هذا التحالف مجرد مغلوب على أمره وهي الصورة التي بات تحالف العدوان نفسه يروجها منذ فترة.
نتذكر هنا مقابلة محمد بن سلمان مع قناة العربية والتي قال فيها إن صالح لو لم يكن في صنعاء لما تحالف مع الحوثيين.
ستيفن سيش السفير الأمريكي الأسبق في اليمن، عاد من الرياض قبل أيام وكتب رؤية نشرها معهد واشنطن، وكرر في رؤيته، نقلا عن مسؤولين سعوديين نفس التقييم، مشيرا أن صالح ضعيف داخل هذا التحالف.
يجد صالح هذا التقييم مفيدا له، فهو يبقي على خط عودة بينه وبين السعودية، ولذلك يسعى لتكريس الفكرة، عبر تكريس خطاب إعلامي مؤتمري ينال ليل نهار من أنصار الله، ويبديهم المسؤولين والمتحكمين بكل شيء ومن بيدهم السلطة والحكم والقرار، بينما صالح والمؤتمر مجرد معارضة، كما قال هو في أحد خطاباته.
يقول الشجاع في مقاله المسف نفسه إن “الحوثيين” هم من جلبوا العدوان، وحين يقول كبير إعلاميي صالح مثل هذا الكلام فإن المعنى هو أن صالح “ضحية”، وأن السعودية فاهمة غلط، فأنت ياسعودية غريمك “الحوثيون” فقط!
يحتاج صالح إلى من يقنعه بأن العدوان يبحث عن رأسه كما يبحث عن أنصار الله وعن اليمن بشكل عام، وأن مقاومة العدوان لا تكتمل ولا تتحقق نتائجها مع حالة عدم التصديق هذه التي يعيشها. وبالأحرى، لا تتحقق بواسطة الدس للشريك في هذه المقاومة والتربص به وشن معارك شرسة ضده لإسقاط سمعته وتشويهه، مستغلاً وطنيته وتسامحه وإعطائه الأولوية لمواجهة العدوان.
لماذا يحاول صالح تقمص دور الضحية لأنصار الله؟ ألا يكفيه أنه ضحية حقيقية للعدوان السعودي الذي يستهدف كامل اليمن وكل اليمنيين؟
كلام بن سلمان في العربية، صنع تحولا لدى الرجل، فقد وجد ذلك الكلام بما تضمنه من إمكانية “الغفران” السعودي له، فرصة لا تعوض، ومن حينها لم يتوقف عن إرسال الرسائل المتتالية التي تهدف لتأكيد أنه ضعيف ومغلوب على أمره وأنه ضحية لــ”الحوثيين” مثله مثل السعودية و”الشرعية”!
ولكنه لا يدري أن بن سلمان مد إليه جزرة كاذبة، وبهدف خلخلة الجبهة الداخلية، وتحويله (أي صالح) إلى “دبوس” في ظهر مقاومة العدوان، وإلا فإن السعودية لا تخلع يدها من يد عميل لها كي تمدها إليه مرة ثانية أبدا.
بإمكان صالح مواصلة السعي خلف الجزرة، عبر تنكيله الإعلامي بأنصار الله، لكنه سيكون مخطئاً إذا اعتقد ان الناس من حوله لا يفهمون.