من الأحمر إلى المحيط الهندي.. و”للقدس مسرانا”

يتوقف المراقبون للأحداث عند ما يجري على جبهة المؤازرة لفلسطين التي أعلنها اليمنيون في البحرين الأحمر والعربي، وامتدادًا إلى المحيط الهندي، في ضوء ما كشف عنه وأكده قائد حركة أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي حول توسيع دائرة استهداف السفن الإسرائيلية أو تلك التي تقصد الكيان، مهما كانت ملكيتها، عبر المحيط الهندي فرأس الرجاء الصالح، وبالتالي فإن العمليات العسكرية لن تقتصر على البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب.

بلا شك أن نقل المعركة البحرية للمحيط الهندي يعد تطورًا كبيرًا وهامًا، ويدل على أن القوات المسلحة اليمنية الوفية بوعدها لأهل فلسطين تمتلك قدرات عسكرية غير مسبوقة في المنطقة العربية خصوصًا مع الاعلان صراحة عن امتلاك صواريخ فرط صوتية أخضعت للتجربة، كما على إرادة وقوة قادرتين على حفر بصمات في المواجهة مع الحلف الامبريالي وعلى رأسه الولايات المتحدة.

لم يكن هذا “البلاغ” العسكري منفصلًا عن مؤشرات عدة:

1- مناورة “للقدس مسرانا” التي نفّذتها وحدات نوعية من احتياط المنطقة العسكرية السادسة في الجيش اليمني في سياق الاستعداد العسكري والجهوزية لخوض “معركة الفتح الموعود والجهاد المقدّس”. ولم تكن الرسالة هذه عمومية، بل دخلت في تفاصيل الهدف بحيث نفذت المناورة محاكاة اقتحام مواقع العدوّ الصهيوني في صحراء النقب والسيطرة على مستوطنات “ديمونا” ومعسكرات ومراكز قيادات العدوّ الإسرائيلي الافتراضية. وأيضًا أظهرت المناورة محاكاة الإمداد الأميركي والبريطاني للعدو الصهيوني، ونصب المجاهدين كمائن مختلفة لاستهداف التعزيزات الأميركية والبريطانية للعدو الصهيوني في صحراء النقب. وهذا يعني بالمفهوم السياسي إعلان مواجهة غير محددة مع الأميركيين والبريطانيين في ضوء التسريبات الأميركية باحتمالات قيام القوات الأميركية بعمليات انزال بري لقوات مظلية على الأرض اليمنية، في إطار الوعيد الأميركي، وبالتالي “مرحبًا بالمواجهة التي نطلبها”.

2 – إن مشاركة صنوف الأسلحة المتعددة في المناورة الناجحة معطوفة على نجاح العمليات المستمرة في البحر الأحمر وخليج عدن بحد ذاته رسالة، بما تمتلكه صنعاء من قوة خلفها الملايين الذين تغص بهم الساحات تلبية لنداء “الموت لاميركا” و”الموت لاسرائيل” مع اعلان الجهوزية في سبيل الدفاع عن فلسطين وشعبها.

3 – الإعلان الارتيابي من أن الأميركيين والبريطانيين يفتقرون إلى المعلومات الاستخبارية في حملتهم ضد القوات اليمنية في البحر الأحمر. وعلى وجه الخصوص، انه ليس لدى الخبراء العسكريين الأميركيين معلومات حول القدرات التي كان يتمتع بها أنصار الله قبل بدء استهدافهم، وبالتالي لا يمكنهم تقويم الأضرار التي لحقت بهم بشكل كامل. هذا رغم 7 سنوات من الحرب على اليمن والتي قادتها فعليًا الولايات المتحدة وبريطانيا وواجهها التحالف العدواني بقيادة السعودية، مع ذهول في مجمع الاستخبارات الواسع والأقمار الصناعية لكيفية تمكن اليمنيين من حماية أسلحتهم واخفائها بعناية. وعليه فالأميركيون وحلفاؤهم ليسوا قادرين على اكتشاف أسرار القدرة اليمينة على التصنيع والتطوير العسكري في بلد محاصر برًا وبحرًا وجوًا، ورفع القوات اليمنية مستوى الاستهدافات في البحر الأحمر وصولًا الى تصفير السفن الذاهبة الى موانئ فلسطين المحتلة.
وفي هذا الإطار، تقول مديرة معهد “روسترات” للاستراتيجيات السياسية والاقتصادية الدولية، إيلينا بانينا، إن الهجمات بدأت مؤخرًا تصبح منهجية، وبدأت تصيب معظم الأهداف، وطبعًا هذا خلافًا لما تعلنه البيانات العسكرية الأميركية التي لن تكون لاحقًا لديها قدرة على اخفاء مشاهد غرق السفن الحربية البريطانية والأميركية.

4 – اتهام الكيان الصهيوني لحكومة صنعاء بالوقوف وراء انقطاع اتصالات الانترنت، بعد الاعلان عن أن 3 كابلات دولية تمر عبر البحر الأحمر التي توفر الانترنت والاتصالات حول العالم انقطعت دون الإشارة إلى الجهة المسؤولة عن ذلك. علمًا أنه يمر عبر البحر الأحمر 16 كابلًا رئيسيًا للاتصالات منها 4 كابلات تمر من المياه اليمنية الإقليمية في الأجزاء الواقعة ضمن السيادة اليمنية لحكومة صنعاء، وقد نفت صنعاء رسميًا أي ضلوع لها في الأمر وسخرت من ادعاءات وردت في الإعلام الإسرائيلي بأنهم استهدفوا كابلات بحرية، مع التأكيد على رفض الإضرار بأي كابلات في البحر الأحمر.

هذا النفي لفت الانتباه إلى احتمال أن تكون إحدى القوى المشاركة في العدوان تقف وراء ذلك سيما أن شركة “إتش جي سي غلوبال كوميونيكيشن” ومقرها هونغ كونغ، قالت  إن الكابلات المقطوعة تشمل كابل”آسيا-أفريقيا-أوروبا1″ وكابل “أوروبا-الهند” وكابل “سيكوم تي جي غولف”. وذكرت الشركة أن انقطاع الكابلات أثر على 25% من تدفق البيانات عبر كابل البحر الأحمر الذي قالت إنه “هام” لتدفق البيانات من آسيا إلى أوروبا دون الإشارة إلى الجهة المسؤولة عن الانقطاع.

هذه التفجيرات تذكر بالتفجير المتعمد لخط السيل الشمالي (1و2) لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا في العام 2022 واتهام الاطلسيين حينها روسيا، ولكن تبين لاحقًا أن المخابرات الغربية تقف وراء الاعتداء، والهدف تأليب الدول على موسكو.

في الخلاصة، عدم وجود خطوط حمر أمام الدعم الغربي بقيادة الولايات المتحدة للكيان الصهيوني في جرائمه من القتل الى التجويع والتعطيش للشعب الفلسطيني، يعني أنه لا خطوط حمرًا في استهداف أي سفينة تتجه الى مرافئ الكيان دون الالتفات الى النفاق والعظات الغربية في شؤون انسانية هم أكثر من يعتدي عليها.. و”للقدس مسرانا”.

موقع العهد :يونس عودة