طفولة الحرب … وعدوان البراءة
بعيدا عن إحصائيات الموت المرعبة ونسب الفقر وما تحت خط الفقر المقلقة التي تصنف أطفالنا الفقراء والأكثر فقرا إلى أن تصل إلى قاع بطون الجياع والأكثر جوعاً.
سبأ / استطلاع/ سوسن الجوفي
وبعيدا عن تقارير المنظمات الدولية وتنبؤاتها المفجعة بعمق جراح أطفال اليمن الغائرة والمهددة بالرحيل والتشرد والمرض وخطوات أكثر بعدا عن أرقام الجائحات والأوبئة والأمراض التي حصدت أرواح الطفولة نقترب بخطوه تفاؤلية من اليوم العالمي للطفولة دون خوض غمار الحرب وعبثيتها في هذه السطور التي لن نجزم حرفيا بتجاهل أثارها وعواقبها وانتهاكها لبراءة 15 مليون طفل أستوطنهم الألم.
سطور(سبأ) ارتحلت بين مجموعة من الأطفال والمهتمين بمجال الطفولة وأستطلعت أراء طفولية كثير منها لا يعي بمعنى الحق والحقوق بعد أكثر من أربع سنوات لعدوان دمر كل شيء جميل حتى الحلم البسيط وإمكانية تحقيقه لطالب الصف الإعدادي عبدالرحمن يتنازل عنه بقوله (نشتي نعيش بس).
وحق الحياة كما وصفه عبدالرحمن أنه حق عام لكل أطفال اليمن كما توارد على مسامعه على حد قوله بالإذاعة المدرسية التي خصصت يوما بالمناسبة.
نضج مبكر
عندما علمت مريم طفلة الثامنة أن هناك يوم للطفولة ظلت مبتسمة طويلا وتساءلت عن وضع الكبار في هذا اليوم ؟!
وبما أنه خاص للأطفال تقول مريم الكبار يخرجوا لا تعرف إلى أين ولكنها حسمت أمر الخروج والبقاء فقط للصغار .. عمار الأخ الذي يكبر مريم بسنة واحدة لازمت نظرات السخرية لوجه أخته أثناء حديثها وكأنه يكبرها بأعوام وليس عام فقط ليقطع حديثها وهذيانها على حد تعبيره “هي تحلم بس”.
ليس لدى مريم الكثير من الأمنيات سوى البيت الجميل والحلوى والبالونات الملونة على عكس أخيها عمار الذي يبدوا واقعيا وحاسما في كلامه بأن الدراجة النارية سيسترزق منها لو حصل عليها ويستطيع “التفحيط”.
طالبتا الصف التاسع بمدرسة أروى للبنات أحلام ونهى اعترضتا على كلمة حقوق ويوم عالمي للطفولة وسألتا بسخرية هل توجد طفولة في بلاد الحرب.
أحلام تقول على استحياء خلاص كبرنا والعمر مضى سريعا ولا نريد سوا حياة هادئة للكبار والصغار .
أثار ما بعد الصدمة
تعمل الأستاذة هدى إخصائية نفسية في أحد مدارس العاصمة صنعاء وترى أن ما تعرض له أطفال اليمن خلال السنوات الأربع الماضية ليس بالقليل وان لديها الكثير من الطالبات اللائي تأثر مستواهن الدراسي بسبب العدوان الذي أمطر وابل صواريخه ليل نهار على البلاد ولم يستثن حارة أو مدرسة أو بيت أو مؤسسة حكومية إلا وعبث بقدسيتها ومن منطلق تخصصها ودراستها فإن جميع أثار الحروب والصدمات ستتضح على المدى البعيد وليس خلال فترات قريبة وهذا ما يعرف في الطب النفسي بمصطلح ما بعد الصدمة.
وتؤكد الإخصائية النفسية هدى أن على أولياء الأمور إستشعار المسؤولية في هذا الجانب ولابد من متابعة اختصاصيين نفسيين خاصة لعدد من الأطفال ممن لديهم بعض المشاكل النفسية السابقة وأن هذه الصدمات النفسية التي تخلفها الحرب تعزز الصدوع النفسي والاجتماعي لدى الطفل وهذا ما لمسته الإستاذة هدى عند بعض الطالبات وخاصة الصغار في تراجع كثير منهن بالمستوى الدراسي وحب الدراسة والأهتمام والتفوق وأحيانا قد يصل للرفض بالذهاب إلى المدرسة .
في جولة الرويشان وسط العاصمة صنعاء يعلق خالد الحمزي (12 عاما) بسطته المتواضعة على عنقه وتتنوع بضاعته البسيطة بين اللبان وورق المناديل وحلوى رخيصة الثمن مثلما يعلق كثيرا على المستقبل القريب بأنه سيتغير وإن هناك ما يخبئه القدر له ولكثير ممن هم في سنه ولا يرى خالد بضرورة القلق حول هذا المستقبل الذي هو أصلا بيد الله كما ورد في تعليقه.
طاعة مبكرة
كل ما تريده طفلة الخامسة وسن التي تقبع ساعات طويلة بين جهازي أيباد والتلفون المحمول تتصفح مسلسلات ومقاطع طفولية وألعاب إلكترونية تعترف جزما بأنها “سخيفة” ولكنها فقط لإضاعة الوقت، أنها تريد في يوم الأطفال بيت خشبي يتنقل من مكان إلى أخر بالبالونات الكبيرة وتسافر في بيتها الخشبي بعيدا وتعود فقط عندما تكون والدتها في حاجة لها “طاعة مبكرة”.
النازحة فرح ومحمد أخيها القادمان من المطار بالحديدة كما أفصحا بعد صمت طويل وعدم الإجابة وكأنه تعبير عن الرفض بالكلام والمشاركة صاحت فرح باللهجة العامية “نشا بيت ما نشاش حرب”.
فرص الرعاية
تحدثت كريستين مستشارة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مجال حماية الطفل في إحدى مقابلاتها وما تقوم به اللجنة لحماية الأطفال، وأن من العوامل التي تجعل من شريحة الأطفال شديدة الاستضعاف هي حالة الحروب وإن كان الأطفال يبدون قوة وقدرة على التكيف تفوقان الوصف فإنهم يظلون لصغر أعمارهم أكثر ضعفا.
وأشارت إلى أن الحرب تعرض الأطفال لجملة واسعة من المخاطر بعضها يصعب تصوره ومن أبرزها اليتم والموت والإصابة بالجروح والنزوح والانفصال عن الأسر كما أن فقدان الحصول على الرعاية الصحية عامل أخر من شأنه أن يعرض الأطفال لأعظم المخاطر لكونه قد يؤدي إلى الموت أو يترك أثارا طويلة .
يظل جبريل طفل الرابعة منتظرا لأخيه الشهيد الذي سيأتي محملا بالحلوى كما أقنعته والدته ورغم أنه يحصل على الكثير منها كما أفادت إلا أن انتظار حلوى الشهيد مذاقها سيختلف بالنسبة لجبريل الذي ليس لديه أخ غير جلال الذي غيبه الدفاع عن الوطن .
تقاسم الوجع
إقتربت سطور (سبأ) ممن حالفهم الحظ والقدر ولم تخطف الحرب لهم صديقا أو قريبا ولم تتجدد مآسيهم بذكرى أليمة يجددها تاريخ أو يوم أو حدث .. لتعلن طالبة الثانوية حنان أن هذه المناسبات لا نعيرها في بلادنا أي أهتمام لأن ما يحدث على أرض الواقع أكبر بكثير من الإنتهاك والتعدي للحقوق والحريات وأن العدوان إعتدى على كل شيء جميل سواء كان يتعلق بالطفولة أو النضج على حد تعبيرها الذي أتضح فيما بعد أن حنان مشاركة وبقوة في الأنشطة والفعاليات الحقوقية بمدرستها وهي تمثل طالبات صفها في كل المناسبات.
وتضيف حنان لم تفقد عائلتي ضحايا في هذا العدوان ولكن الجميع لديه قاسم مشترك بالألم وموحدون ومتقاسمون الوجع.
وتختتم (سبأ) سطورها في اليوم العالمي للطفولة بعزف سيمفونية الأرقام والإحصائيات التي ترددت مراراً وتكراراً من قبل المنظمات الدولية وآخرها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) التي أفصحت عن أن أكثر من 12 مليون طفل تقريباً كل طفل في اليمن هم بحاجة للحصول على مساعدة إنسانية عاجلة.