صنعاء للرياض: كفى مكابرة…مبادرة «الفرصة الأخيرة».
أطلقت صنعاء، عشية انعقاد مشاورات «الرياض الثانية»، مبادرةً جديدة تقضي بالوقف الأحادي للتصعيد العسكري، ممهلةً المملكة ثلاثة أيام للردّ عليها. مبادرةٌ يُتوقَّع أن يكون مصيرها كسابقاتها، خصوصاً في ظلّ اشتغال السعودية على عرقلة أيّ مسعى لا يرمّم إخفاقاتها في اليمن، على رغم ما يمكن أن تتكبّده في ما لو نفّذت حركة «أنصار الله» تهديدها بضربات ستكون «أقوى من سابقاتها». مع هذا، تركن الرياض إلى الورقة النفطية في ظلّ انشغال حلفائها بالحرب الدائرة في أوكرانيا، محذّرةً، مَن يعنيهم الأمر، من الأضرار التي يمكن أن تصيب سوق الطاقة العالمية، إذا واصلت صنعاء استهداف صناعتها
قبل ساعات من انطلاق مشاورات «الرياض الثانية»، برعاية «مجلس التعاون الخليجي»، دعت صنعاء، التحالف السعودي – الإماراتي، إلى التعاطي بجدّية مع ملف السلام في اليمن، والتوقُّف عن كل الممارسات التي تعيق التوصّل إلى اتفاق. وعرض رئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء، مهدي المشاط، مبادرة جديدة لوقف التصعيد العسكري، معلناً التعليق الأحادي للضربات الصاروخية والطيران المسيّر وكلّ الأعمال العسكرية في اتجاه الأراضي السعودية براً وبحراً وجواً لمدّة ثلاثة أيام، ومبدياً استعداد «أنصار الله» لتحويل هذا المبادرة – التي شملت جبهة مأرب أيضاً – إلى «التزام نهائي وثابت ودائم في حال التزمت السعودية بإنهاء الحصار ووقف غاراتها الجوية على اليمن بشكل نهائي وثابت ودائم».
المبادرة التي أعادت عرض صنعاء السابق في ما يتعلّق بالإفراج الكامل عن أسرى الحرب من الطرفَين وفق قاعدة «الكل بالكلّ»، لا تزال تنتظر ردّ الجانب السعودي. ودخلت المبادرة حيز التنفيذ ابتداءً من الساعة السادسة من مساء أمس، على أن تتواصل لمدّة ثلاثة أيام. من جهته، أكد الناطق باسم «أنصار الله»، رئيس وفد صنعاء المفاوض محمد عبد السلام ، أن «التعاطي الإيجابي مع المبادرة التي أعلنها الرئيس المشاط، والاستجابة لوقف إطلاق النار وفكّ الحصار وإخراج القوات الأجنبية من اليمن، مدخل أساسي للسلام»، لافتاً إلى أن «الحديث عن الحلول السياسية سيتمّ في أجواء هادئة، بعيداً عن أيّ ضغط عسكري أو إنساني».
وتعيد هذه المبادرة التي أُعلنت في أعقاب تنفيذ الجيش اليمني و«اللجان الشعبية»، «عملية كسر الحصار الثالثة» – واحدة من أكبر العمليات التي نفّذتها صنعاء -، إلى الأذهان أخرى كان المشاط قد أطلقها في عام 2019، عشية الذكرى الخامسة لـ«ثورة 21 أيلول»، وأعلن فيها استعداد «أنصار الله» لوقف الهجمات الجوية على السعودية من طرف واحد، مع الاحتفاظ بحق الردّ في حال عدم الردّ بالمثل (جاءت هذه المبادرة بعد أيام من تنفيذ قوات صنعاء «عملية الردع الثانية»، التي استهدفت منشأتَي بقيق وخريص التابعتين لشركة «آرامكو» في المنطقة الشرقية، وكبّدت السعودية خسائر فادحة). ويرى مراقبون يمنيون أن المبادرة المعلَنة تمثّل «اختباراً لمدى جدّية الرياض في التوجّه نحو سلام حقيقي، وتسقط ورقة المزايدة بالسلام من أيدي دول العدوان». من جهتها، قالت مصادر مقرّبة من «أنصار الله»، لـ«الأخبار»، إن المبادرة «تقيم الحجة على المملكة في حال تجاهلها»، خصوصاً أن قائد الحركة، عبد الملك الحوثي، توعّد، في خطابه الأخير، تحالف العدوان بـ«ضربات مؤلمة… ستكون أقوى من سابقاتها»، إضافة إلى التهديدات التي أطلقها وزير الدفاع في «حكومة الإنقاذ»، اللواء محمد ناصر العاطفي، والتي تدلّ أيضاً على أن صنعاء مقبلة على تنفيذ عمليات كبرى في العمقَين السعودي والإماراتي.
تمثّل المبادرة اليمنية اختباراً لمدى جدّية الرياض في التوجّه نحو سلام حقيقي
لكنّ مصادر سياسية في صنعاء، استبعدت التقاط الرياض فرصة المبادرة الجديدة والتعاطي الإيجابي معها، مشيرةً إلى أن السعودية تحاول الخروج من المأزق اليمني دون تبعات لاحقة. وعلى رغم تكثيف تواصلها مع عدد من الدول، كسلطنة عُمان وإيران، التي أكد وزير خارجيتها، حسين أمير عبد اللهيان، تلقّي بلاده طلباً من المملكة لتوظيف علاقتها في اليمن لإنهاء الحرب، إلّا أن السعودية تكابر في ما له علاقة بالتفاوض الندّي مع صنعاء، وتسعى إلى عقد مشاورات مع أطراف موالية لها، كما يجري التحضير له حالياً في الرياض بإشراف السفير السعودي، محمد آل جابر، الذي اعتمد قوائم التكتلات المشاركة في مشاورات دعا إليها «مجلس التعاون الخليجي» في 29 الشهر الجاري. وأثارت هذه الدعوة جدلاً واسعاً في أوساط اليمنيين، خصوصاً أن الرياض قدّمت إغراءات مالية كبيرة للوفود المشاركة، وجمعت كتّاباً وصحافيين موالين لها، وناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، وقادة تكتلات لا ثقل لها، لإجراء مشاورات من دون أجندة واضحة، لا تشارك فيها أيّ من الأطراف اليمنية الفاعلة على الأرض.
وفي الوقت الذي لا تزال صنعاء تنتظر فيه ردّ الرياض على مبادرتها، تواصل هذه الأخيرة هجماتها على المدن اليمنية، إذ هدّدت قيادة «التحالف»، خلال الساعات الماضية، بتدمير ميناءَي الحديدة والصليف (غرب). تهديد تزامن مع ارتكاب طيران العدوان، فجر السبت، مجزرة راح ضحيتها أسرة مكوّنة من ثمانية أشخاص في منطقة حدّة، وسط العاصمة صنعاء، فيما تواصلت الغارات على عدد من المناطق المأهولة بالسكان في كل من صنعاء والحديدة وصعدة. وكانت شركة النفط في صنعاء قد أكدت تعرّض خزانات النفط التابعة لها في ميناء الحديدة، فجر السبت، للاستهداف والتدمير من قِبَل طيران «التحالف»، وقالت إن الخزانات المستهدَفة كانت فارغة من أيّ مواد بترولية في ظلّ منع العدوان دخول السفن إلى الميناء، مشيرة إلى أن ما تم استهدافه، كميات من مادة السولار «الديزل»، تخصّ الأمم المتحدة وكانت في خزانات الشركة في الحديدة.
الأخبار اللبنانية