باشرت القوات المسلحة التابعة لحكومة صنعاء عمليات ردع استراتيجي للعدوّ الإسرائيلي، مستهدفة للمرة الأولى قلب تل أبيب، في هجوم تجاوز الخطوط الحمر للعدوّ، على حدّ تعبير بعض مسؤولي الكيان، ولا سيما وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير.
وتعدّ العملية التي استُخدمت فيها طائرة مُسيّرة بعيدة المدى محلية الصنع، حملت اسم «يافا»، باكورة لنشاطات عسكرية واسعة ضمن بنك الأهداف اليمني، البعض منها سيجري تنفيذه بصورة مشتركة مع المقاومة العراقية.وبعدما كشف المتحدث باسم قوات صنعاء، العميد يحيى سريع، فجر أمس، عن العملية في بيان صدر بعد تنفيذها، عاد سريع وتلا بياناً ثانياً أمام مسيرة مليونية في ميدان السبعين في العاصمة، أكّد فيه نجاح قواته في ضرب أحد الأهداف المهمة في منطقة تل أبيب، مشيراً إلى أن المُسيّرة التي استُخدمت في العملية، محلية الصنع، وتمتلك أنظمة قادرة على تجاوز المنظومات الاعتراضية للعدوّ الإسرائيلي، وتتّسم بميزة التخفّي عن الرادارات. كما أعلن أن تل أبيب، منطقة «غير آمنة»، وأنها ستكون هدفاً أساسياً في خلال الفترة المقبلة، مضيفاً أن «أنصار الله» ستركز عملياتها على استهداف جبهة العدوّ الصهيوني الداخلية، والوصول إلى العمق.
وأثارت العملية الجديدة موجة هلع في داخل الكيان، فيما عكست تنامي القدرات العسكرية اليمنية، وتمكّن صنعاء من امتلاك سلاح ردع جديد فاق كل حسابات العدوّ، الذي انكشف، في المقابل، ضعف دفاعاته الجوية. وقالت مصادر عسكرية في صنعاء، لـ»الأخبار»، إن «السلاح المستخدم في العملية أحد أسلحة المرحلة الخامسة». وأشارت إلى أن القوات المسلحة اليمنية لديها الكثير من المفاجآت العسكرية، مؤكدة أن هجوم «يافا»، على رغم ما حمله من دلالات، إلا أنه مجرّد بداية لسلسلة هجمات تتجاوز المزيد من الخطوط الحمر للعدو.
وكما كانت للعملية أصداء واسعة داخل الكيان، كان لها صدى كبير في الشارع اليمني، إذ قوبلت بارتياح شعبي واسع، وتأييد من قبل كل القوى السياسية في صنعاء. وفي مسيرة «ثابتون مع غزة»، التي انطلقت في ميدان السبعين والعشرات من الميادين والساحات في المحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة الإنقاذ، أيّد بيان صادر عن المتظاهرين عمليات القوات المسلحة، وبارك نجاح هجوم «يافا»، مؤكداً تمسك الشعب اليمني بالقضية الفلسطينية حتى النصر.
وبهذه العملية، تفرض قوات صنعاء معادلة عسكرية جديدة، في أعقاب إعلانها عرض «الغذاء مقابل الغذاء» لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني في غزة، والذي يتضمن سماحها بدخول سفن تابعة للكيان من البحر الأحمر إلى ميناء إيلات، مقابل سماح العدوّ الإسرائيلي بإدخال مساعدات إنسانية وإغاثية بكميات مماثلة إلى القطاع. والعرض الذي جاء الحديث عنه على لسان عضو «المجلس السياسي الأعلى»، محمد علي الحوثي، تزامن أيضاً مع تأكيد حركة «أنصار الله»، أول من أمس، تمكّن قواتها من فرض سيطرة كاملة على البحر الأحمر ووقف الحركة الملاحية إلى الكيان في أهمّ الممرات المائية بنسبة 100%، خلال الأشهر التسعة الماضية.
وتزامن الهجوم على تل أبيب مع اعتراف هو الأول من نوعه لقائد «القيادة المركزية الأميركية»، الجنرال مايكل كوريلا، بفشل المهمة الأميركية في البحر الأحمر، قائلاً «إننا إذا واصلنا العمل بنفس الطريقة فسنصل إلى مرحلة يُقتل فيها جنودنا»، ومشيراً إلى مخاوف لدى الاستخبارات الأميركية من أن روسيا تستعد لتسليح الحوثيين بصواريخ مضادة للسفن، رداً على تسليح الولايات المتحدة لأوكرانيا.
وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن كوريلا حذّر وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، في رسالة سرية من أن العمليات الأميركية الحالية في البحر الأحمر «تفشل» في ردع هجمات الحوثيين على السفن، موصياً بأن تعتمد الولايات المتحدة «توجّهاً أوسع»، من خلال زيادة الجهد ضدهم اقتصادياً ودبلوماسياً وعسكرياً عبر استهداف مستودعات أسلحة أكبر لهم وقادتهم أو إيقاع خسائر بشرية أكبر بهم. وبحسب ما نقلت الصحيفة عن مصدر في الإدارة، فإنه طُلب بالفعل من «القيادة المركزية» إعداد قائمة واسعة بأهداف محتملة.
في المقابل، أفاد سريع بأن قوات صنعاء استهدفت السفينة «لوبيفيا» بعدد من الصواريخ الباليستية والطائرات المُسيّرة، مؤكداً «إصابتها بشكل مباشر بعملية مشتركة للقوات البحرية والقوة الصاروخية وسلاح الجو المُسيّر»، موضحاً أن استهداف السفينة جاء لانتهاك الشركة المالكة لها قرار حظر الدخول إلى موانئ فلسطين المحتلة. وفي الوقت نفسه، اعترفت البحرية الأميركية بتنفيذها عمليات إصلاح للمدمرة «غريفلي» بعد تعرّضها لهجوم في البحر الأحمر. وقالت «القيادة المركزية الأميركية»، في بيان، إن «فريقاً فنياً أجرى الشهر الماضي صيانة لهيكل المدمّرة»، مضيفة أنه «تم نشر المدمّرة بشكل خطير في منطقة عمليات الأسطول الخامس الأميركي لدعم الأمن البحري والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط».
وفي ظل تراجع الوجود العسكري الأميركي في البحر الأحمر إلى بارجتين اثنتين فقط، وفق مصادر ملاحية يمنية، واقتصاره على «الدفاع عن النفس»، تسعى واشنطن لنشر قوات خفر سواحل تابعة لـ»المجلس الرئاسي» والفصائل الموالية له، لسد فراغ انسحاب عدد من الفرقاطات التابعة لمهمة الاتحاد الأوروبي «أسبيدس»، من المشاركة في العمليات في البحر الأحمر وخليج عدن. وفي هذا الإطار، واصل السفير الأميركي لدى اليمن، ستيفن فاجن، لقاءاته مع تلك الفصائل، بهدف بحث خطة انتشار على طول السواحل اليمنية الممتدة من المهرة في الساحل الشرقي لليمن وحتى المخا غرب البلاد، مروراً بعدن وأبين.