صنعاء تغلق بابَ المراوغة أمام العدو: لا جدوى من تكرار تجربة الهُدنة الحالية
وضعت القيادةُ السياسيةُ والعسكريةُ الوطنيةُ النقاطَ على الحروف فيما يَخُصُّ الموقفَ من تمديد الهُدنة، إذ أكّـدت أنه لا قُبولَ بتكرار تجربة الاتّفاق الحالي، وأن العبور إلى تهدئة جديدة يحتاج إلى تحسين وتوسيع الحلول الإنسانية والاقتصادية والتوقف عن المراوغة، وفي المقابل، أكّـدت جهوزيتها لاستكمال معركة التحرّر واستئناف القتال إذَا أصر تحالف العدوان على التمسك بتصوراته الخاطئة، وهو ما يعيد الأخير مجدّدًا إلى المأزق الذي حاول التخلص منه خلال محاولة استغلال الهُدنة كمخرج للالتفاف على موقف صنعاء الثابت.
على مسافة أسبوع من نهاية الهُدنة، أصبح واضحًا أن تحالف العدوان لا ينوي الوفاء بتعهداته وتعويض الاستحقاقات الإنسانية المتأخرة التي ضمنها الاتّفاق، وبالتالي بات التقييم النهائي المرجح للهُدنة هو الفشل؛ بسَببِ التعنت السعوديّ الأمريكي، وهو ما ألمح إليه بوضوح رئيس المجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط، في خطابه الأخير الذي جاء فيه أنه “لم يكن هناك فرق حقيقي بالنسبة للشعب اليمني بين وجود الهُدنة وغيابها” واصفا إياها بـ”غير المشجعة”.
هذه النتيجة تشكل عائقا كَبيراً أمام فرص “التمديد” لكن صنعاء لا زالت حريصة على إبقاء الباب مفتوحاً، وبحسب الرئيس المشاط أَيْـضاً فَـإنَّه قد يكون من الممكن التقدم نحو مرحلة جديدة من التهدئة إذَا تدارك تحالف العدوان والأمم المتحدة الموقفَ “بتحسين وتوسيع الحلول الإنسانية والاقتصادية” لرفع معاناة اليمنيين، وهو الأمر الذي يغطي مساحة واسعة من الاستحقاقات المشروعة أبرزها المرتبات، وذلك يتطلب بالطبع جدية حقيقية لم تتوفر في الهُدنة الحالية.
بعبارة أُخرى: لن يكون من المقبول النظر إلى أية تهدئة جديدة كامتداد للاتّفاق الحالي؛ لأَنَّ ذلك يعني تكرار تجربة “مخيبة للآمال” بحسب تعبير الرئيس الذي أوضح أَيْـضاً أنه لا مجال لهُدنة تستمر فيها معاناة اليمنيين.
ووفقاً لذلك، فَـإنَّ تحالُفَ العدوان ورعاته اليوم أمامَ خياراتٍ محدودةٍ وواضحة بشكل لا يقبَلُ التفسيراتِ المراوغة: إما البدء بخطوات جادة نحو معالجة شاملة للملف الإنساني؛ مِن أجلِ تثبيت أرضية لتهدئة حقيقية قد تفضي إلى السلام، أَو استكمال المعركة.
هي تقريبًا نفسُ الخيارات التي كانت مطروحةً أمام تحالف العدوان قبل إعلان الهُدنة؛ لأَنَّها ببساطة تمثل الطريق الوحيد للسلام الفعلي، وإن كانت دول العدوان قد حاولت استغلال الهُدنة كطريق التفافي للتحايل على ضرورة معالجة الملف الإنساني وعدم تسييسه، فَـإنَّها فشلت بوضوح في هذا المسعى، وعادت اليوم مرة أُخرى إلى مواجهة الخيارات نفسها التي لا فرار منها.
من هنا يبدو بجلاء أن تحالف العدوان لا زال يعتمد على “التصورات الخاطئة” التي يؤكّـد الرئيس المشاط أنها السبب الرئيسي في إطالة أمد الحرب، الأمر الذي تحرص صنعاء على توضيح الصورة بشأنه أكثر، من باب إقامة الحجّـة ووضع النقاط على الحروف، إذ تؤكّـد للعدو بشكل صريح أنها على معرفة كاملة بتحَرّكاته العسكرية التي يسعى من خلالها لـ”ترتيب أوراقه في الداخل” بحسب وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان اللذين حذّرا من عواقب هذا “التفكير العقيم”.
رسالة تحذير تضمنت تأكيدات إضافية على أن “أي تصعيد مُعادٍ سيلاقي نهاية مخزية ومهينة” وأن “القوات المسلحة في أتم الجاهزية القتالية والفنية والاستعداد، وعلى العدوّ أن ينتبه لخطواته وأن يفهم جيِّدًا أن مكره لم يعد ينطلي على اليمنيين”.
وما تشير إليه وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان هنا هو أَيْـضاً ما أشار إليه الرئيس المشاط أَيْـضاً حول مساعي العدوّ لإعادة تشكيل أدواته المحلية ولملمة صفوفها، تحت راية ما يسمى “المجلس الرئاسي”، لإطالة الحرب داخل البلد، في الوقت الذي تحاول فيه دول العدوان تجنيب نفسها العواقب من خلال المراوغة.
وإذا كانت فترة الهُدنة قد منحت العدوّ انطباعًا بأنه يستطيع تحقيق هذه المهمة (التي جرّبها سابقًا وفشل) فَـإنَّ رسائل قيادة صنعاء العسكرية والسياسية توضحُ جيِّدًا أن هذا الانطباع ليس سوى وَهْمٍ إضافي سَرعانَ ما سيزول عندما تجد دول العدوان نفسها -كالعادة- أمامَ تداعياتٍ ثقيلة لن يساعدَها أحدٌ في تحملها، غير أن هذه التداعيات ستكون الآنَ أشدَّ قسوةً؛ نظرًا للمسار التصاعدي الذي يحكم عمليات الردع، وهو ما حرصت صنعاء على تأكيده بشكل صريح خلال الفترة الماضية