في ردٍّ أوّلي على العدوان الإسرائيلي الذي استهدف ميناء الحديدة، غرب اليمن، مساء السبت، أطلقت صنعاء عدة صواريخ باليستية على مدينة إيلات بعد ساعات قليلة من الهجوم المعادي، فيما تتجه الأنظار إلى الخطوة التالية التي ستقوم بها قوات صنعاء، التي وسّعت بنك أهدافها داخل الكيان الإسرائيلي ووضعت كلّ منشآت النفط التابعة للكيان في البحر الأبيض المتوسط ومنصّاته، وخطوط الإمداد الرئيسة التي تمرّ عبر هذا البحر، في مهدافها. وليس ذلك فحسب، بل أكدت حركة «أنصار الله»، على لسان عدد من القيادات العليا، استعدادها لخوض معركة مفتوحة مع العدو، متوعّدة بعمليات واسعة النطاق وعالية الأثر عليه خلال الفترة المقبلة.وفي إطار الرد الأولي، أعلن الناطق باسم القوات المسلّحة اليمنية، العميد يحيى سريع، إطلاق عدد من الصواريخ الباليستية في اتجاه مدينة إيلات.
وزعم “جيش” الاحتلال أن نظام الدفاع الصاروخي «آرو 3» أسقط صاروخاً أُطلق من اليمن قبل عبوره إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبرّر إطلاق صفارات الإنذار في المدينة، والذي دفع السكان إلى المسارعة إلى المخابئ، بالخشية من سقوط شظايا من عملية الاعتراض. وتعهّد سريع بـ«رد هائل» على العدوان الإسرائيلي، وأعاد تأكيد ما ورد في بيان سابق بشأن اعتبار تل أبيب بثقلها التجاري والمالي، «منطقة غير آمنة»، واستعداد القوات اليمنية لحرب مفتوحة مع الكيان حتى وقف العدوان الإسرائيلي والحصار على قطاع غزة.
وفي الوقت الذي ذهب فيه ناشطون موالون لدول «التحالف» نحو تضخيم الهجوم، واحتفى إعلام الكيان بما سمّاها عملية «اليد الطويلة»، أكدت مصادر عسكرية مطّلعة في صنعاء أن «الهجوم الإسرائيلي على الحديدة ليس نوعياً، بل محاولة لامتصاص غصب الشارع الإسرائيلي، والناتج من عملية يافا اليمنية». وفي هذا الشأن، أكد رئيس تحرير صحيفة «الوسط» اليمنية، جمال عامر، لـ«الأخبار»، أن «الهجوم الإسرائيلي على منشآت حيوية محميّة بالقانون الدولي في مدينة الحديدة، كشف تخبّط حكومة بنيامين نتنياهو وبحثها عن مبرّرات، من مثل أن الميناء يمثّل مصدر دخل للحوثيين، وبنية تحتية لهم». واعتبر عامر تلك المبررّات قفزاً على وجود بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة، تم تجديد مهمتها من قبل مجلس الأمن الشهر الجاري. وأشار إلى أن «الهدف من العدوان الإسرائيلي على مخازن نفطية في ميناء مدني هو الاستعراض بإظهار أكبر كمية من النيران والأدخنة لإقناع الشارع الإسرائيلي الغاصب».
اتخذت صنعاء إجراءات سريعة لإفشال أيّ أثر للعدوان
وفي مؤشر إلى الخشية من توسّع النزاع، أعلنت وزارة الخارجية السعودية، في بيان، أنها «تتابع بقلق بالغ تطورات التصعيد العسكري في اليمن، بعد الهجمات الإسرائيلية التي شهدتها محافظة الحديدة السبت». وأكّدت أن الغارات الإسرائيلية «تضاعف من حدّة التوتر الحالي في المنطقة، وتضرّ بالجهود المستمرة لإنهاء الحرب على غزة»، داعية «كلّ الأطراف إلى التحلّي بأقصى درجات ضبط النفس والنأي بالمنطقة وشعوبها عن مخاطر الحروب». وجاء بيان الخارجية بعد ساعات من بيان لوزارة الدفاع نأت فيه بنفسها عن العدوان. وأفاد الناطق باسم الوزارة، العميد تركي المالكي، بأن «المملكة العربية السعودية ليس لها أيّ علاقة أو مشاركة في استهداف الحديدة، والمملكة لن تسمح باختراق أجوائها من أيّ جهة كانت».
وبالتوازي مع ذلك، وفي إطار جهود صنعاء لإفشال أيّ أثر للهجوم الإسرائيلي، أكد مصدر محلي في الحديدة، لـ«الأخبار»، تمكّن فرق الدفاع المدني في المدينة من احتواء الحريق، فجر أمس، بعد نحو عشر ساعات من الهجوم، فيما وجّهت وزارة الكهرباء السلطات في الحديدة التي تشهد موجة حرّ كبيرة، بتشغيل محطتَي الكري والحالي البديلتين لمحطة الكثيب، لإعادة الكهرباء إلى المدينة. أيضاً، وضمن معالجة آثار العدوان على الحديدة، كشف مصدر ملاحي في المدينة، لـ«الأخبار»، عن معاودة العمل في الميناء الذي يستقبل نحو 75% من احتياجات اليمنيين من الغذاء والدواء والوقود، بعد ساعات قليلة من العدوان. وأوضح المصدر أن الميناء ومحطة الكهرباء في المدينة تعرّضا للاستهداف الإسرائيلي بست غارات جوية بطائرات من طراز «أف 35»، نفذت الهجوم بشكل خاطف من علوٍّ مرتفع ومن مسافة بعيدة في البحر الأحمر، مؤكداً خروج المحطة المركزية لكهرباء مدينة الحديدة في منطقة الكثيب في مديرية الصليف عن الخدمة واحتراق خزانات مازوت تابعة لها، ما أدى إلى اندلاع حرائق واسعة في محيط المحطة نتجت منها أضرار في الممتلكات العامة والخاصة. ولفت المصدر إلى أنه جرى استهداف المنشآت النفطية التخزينية، بالإضافة إلى إحدى منشآت التفريغ الخاصة بميناء الحديدة، مشيراً إلى أن الرافعات الرئيسة الخاصة بالمناولة في الميناء، والتي استهدفها طيران الكيان بغارة واحدة، إحداها خارجة عن الخدمة منذ أن تم قصف الميناء من قبل العدوان السعودي أواخر عام 2015.
بدورها، قالت «مؤسسة موانئ البحر الأحمر» اليمنية، التي تدير ميناء الحديدة، في بيان، إن العدوان الإسرائيلي على ميناء الحديدة أدى إلى تدمير عدد من الرافعات الجسرية المهمة. واعتبرت استهداف منشأة مدنية انتهاكاً للقانون الدولي ومواثيقه التي تجرّم مثل هذه العمليات، مشيرة إلى أن تلك الجريمة ستضاعف من التداعيات الإنسانية التي يعيشها الشعب اليمني. وبالفعل، أثار استهداف منشأة النفط في الحديدة مخاوف المواطنين من اندلاع أزمة وقود، ما دفع بالآلاف منهم إلى التزاحم للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات، في محطات الوقود لتموين سياراتهم، إلا أن وزارة النفط في صنعاء تدخّلت لوقف الازدحام، وأعلنت، في بيان، امتلاكها كميات كبيرة من الوقود تكفي لأشهر، مستبعدة حدوث أزمة في المشتقات النفطية.
وعلى مستوى الخسائر البشرية، ذكرت وزارة الصحة في صنعاء أن ضحايا الهجوم ستة شهداء و83 مصاباً، إضافة إلى ثلاثة مفقودين، فيما أفادت «منظمة مواطنة لحقوق الإنسان» في العاصمة بأن الجرحى نُقلوا إلى مستشفيات «الثورة العام» و«العسكري» و«الأمل» وتنوّعت إصاباتهم بين حروق شديدة وكسور وإصابات بشظايا.