صنعاء تحسم موقفها ومقترح موسكو يصطدم بجدار رباعية الحرب
مؤخراً، قدَّمت موسكو مقترحاً جديداً يقضي بإلغاء القرار الدولي 2216، والبحث عن أسس جديدة للتسوية السياسية، بعيداً عن منطق فرض العقوبات.
حسمت صنعاء موقفها من كلِّ الطروحات والمقاربات السياسية بالرفض المطلق لأيِّ صفقات ومساومات يبقى فيها الحصار الخانق، واستباحة السيادة، ومصادرة الكرامة، والتدخّل في شؤون البلد والشعب، وباتت مجريات اليوم ترجّح كفّتها، مع استحالة تحقيق أهداف العدوان.
وحين تضع صنعاء هذا السّقف، فهي تضعه من موقع قوة شعبية وسياسية وعسكرية لا ينكرها الأميركيّون أنفسهم، بحسب شهادة المبعوث الأميركيّ لليمن، تيم ليندر كينغ، الذي قال لإحدى الإذاعات الأميركية إنَّ “أنصار الله قوة عسكرية قوية لا يمكن تجاهلها”.
يأتي هذا الموقف الحازم والحاسم بعد أيام من جلسة لمجلس الأمن، وانعقاد القمة الخليجية، وصدور بيان مشترك عن رباعية العدوان، وتصريحات وتحركات دبلوماسية كثيرة، هيمن الملف اليمني على أجندتها.
المتغيّر الدولي في كلّ ما طرح خلال الأسبوع الماضي هو مقاربة موسكو لحل الأزمة في اليمن، والتي قد تكون مؤشراً على تشكّل قناعة دولية جديدة لحلِّها، في ظل جمود المقاربات الأميركية السعودية والبريطانية والأممية.
مؤخراً، قدَّمت موسكو مقترحاً جديداً يقضي بإلغاء القرار الدولي 2216، والبحث عن أسس جديدة للتسوية السياسية، بعيداً عن منطق فرض العقوبات وزيادة الضغط على طرف معين من أطراف النزاع، مع الحفاظ على الدور المركزي للأمم المتحدة، بعيداً عن المصالح الضيقة لدول الغرب، والمساهمة البناءة من قبل دول المنطقة.
هذا المقترح أو المقاربة الروسية هي خلاصة ما طرحه النائب الأول لمندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي، الَّذي قال بصريح العبارة: “الواقع الجديد هو أنَّ المشهد السياسي وميزان القوى في الجمهورية شهدا تغيرات ملموسة، ولم يعد قرار مجلس الأمن رقم 2216 متوافقاً معها… وعلى مجلس الأمن إعادة النظر في أسس التسوية السياسية مع الحفاظ على الدور المركزي للأمم المتحدة”، واتّهم الدول الغربية بإعلاء مصالحها الضيقة على حساب الحلول للأزمة اليمنية.
هذا الموقف الروسي لاقى ارتياحاً في الأوساط السياسية في صنعاء، إذ أشاد عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي بالموقف الروسي، واعتبره “موقفاً مسؤولاً ينبئ عن تشخيص حقيقي للواقع الذي تواجهه الجمهورية اليمنية من الغطرسة الأميركية الفرنسية البريطانية”.
في المقابل، تبدو مقاربات رباعية العدوان (أميركا وبريطانيا والسعودية والإمارات) مختلفة، إذ لا تزال تراهن على ثنائية “التصعيد والضغط” التصعيد العسكري والضغط بالعقوبات والحصار، رغم أنَّ سنوات العدوان أثبتت فشل هذه الآليات والأدوات، وها نحن على مشارف نهاية العام السابع من دون نتائج تذكر، سوى المزيد من الخسارة السعودية والمزيد من التراجع، حتى بات مخزون الذخائر من منظومات الدفاع الجوي في السعودية يوشك اليوم على النفاد، وفق صحيفة “وول ستريت جورنال”، وتراجع إنفاقها العسكري هذا العام مقارنة بالأعوام الماضية، وفق ما أشارت إليه صحيفة “بلومبيرغ”، ولم تعد تملك المزيد من الخيارات للمناورة، وباتت تفتش عن مخارج مرضية من الورطة اليمنية، إنما على طريقتها، وبما يحقق لها ما لم تحقّقه بالحرب.
على الأقلّ، هذا ما بدا واضحاً من خلال تصريحات محمد بن سلمان أثناء انعقاد “قمة الدرعية” (القمة الخليجية في الرياض)، الثلاثاء الماضي، عن “استمرار دعم جهود المبعوث الأممي في الوصول إلى حلّ سياسي للأزمة اليمنية وفق المرجعيات الثلاث ومبادرة المملكة”.
هذه المقاربة البالية والبعيدة عن الواقعية السياسية لن تحرك الجمود السياسي، ولن تدفع باتجاه حلول سياسية جادة لرفع الحصار وإنهاء العدوان على اليمن، لعدة أسباب نجملها على النحو الآتي:
أولاً: هذه “المرجعيات”، كما يصفونها، باتت من الماضي، وهي بمثابة صنميات سياسيّة هشّمتها متغيرات سياسية وعسكرية كثيرة، وأفرزت واقعاً جديداً يتجاوزها جملةً وتفصيلاً، ويتطلّب مرجعيات جديدة أكثر واقعية وأكثر استيعاباً للمتغيرات في موازين القوى.
ثانياً: ما عجزت عنه الرياض وحلفاؤها بالآلة العسكرية لن تقطفه بالحلول السياسية المعلبة والجاهزة. وقد حسم السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في الذكرى السنوية للشهيد بشكل حازم الموقف السياسي من كلّ المقاربات والطروحات السياسية، بأنَّ “الحالة التي نفرّط فيها بكرامتنا، ونقبل فيها بالسحق ومصادرة الحرية، ليست قبولاً بالسلام، بل هي استسلام… ولا نقبل الاستسلام، والذي يريد السلام طريقه واضحة بوقف العدوان، ورفع الحصار، وإنهاء الاحتلال”، وبالتالي لا قبول بأيّ “صفقات ومساومات يبقى فيها الحصار الخانق على شعبنا، ويبقى فيها بلدنا مستباحاً، ويستمرّ تدخّلهم في شؤون شعبنا”.
ثالثاً: اليمنيون بعد 7 سنوات من التّضحية، وهم يواجهون العدوان والحصار وما ترتب عليهما من كارثة إنسانية، ليسوا مستعدين للعودة إلى “بيت الطاعة السعودي” وتكريس الهيمنة والوصاية السعودية، لا بمبادرة خليجية ولا بغيرها.
رابعاً وهو الأهم: إنَّ القناعة الدولية تبدّلت حيال هذه “المرجعيات”، وأبرزها القرار الدولي 2216. يعزز ذلك الموقف الروسي الأخير، إلى جانب معلومات دبلوماسية تؤكّد أن الكثير من الدبلوماسيين الغربيين الذي لديهم تواصل مع صنعاء باتت لديهم هذه القناعة، وهم يعبّرون عنها في الاتصالات واللقاءات المغلقة.
خامساً: إنَّ حديث السّعودية عن دعم جهود الأمم المتّحدة مجرد شعار لا أساس له في الواقع، لكون الطرف الذي يعوق جهود المبعوث الأممي الجديد هو السعودية، ومن ورائها أميركا وبريطانيا. وفي هذا السياق، تكشف مصادر دبلوماسية أنَّ “المبعوث غراندبرغ طرح (قبيل إحاطته الأخيرة) على الجانب السعودي المبادرة بفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة كخطوة أولى تمهّد لبقية الخطوات، وفق ما تطالب صنعاء، إلا أنَّه فشل في إقناع الرياض بفتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء”.
ومع التمسك بسياسات التجويع والتركيع والحصار التي لم يسلم منها من صفّقوا لهم في المحافظات الجنوبية، خرج سفراء رباعية العدوان وممثلوهم ببيان مشترك يتباكون فيه على الوضع الاقتصادي وما آلت إليه العملة في عدن وغيرها من المحافظات المحتلّة، وزعموا حرصهم على “الحلّ السياسي الشامل”، وهم أساس البلاء وسبب كلّ المشاكل، ومع ذلك يتقمّصون دور حمائم السّلام، ويذرفون دموع التماسيح في بيان هزيل “لا يساوي قيمة الحبر الذي كُتب به”، على حد توصيف وزير الخارجية هشام شرف، وبيانهم هذا يدلّ على فشلهم وسقوط كلّ رهاناتهم.