صنعاء تتلألأ من فيض نور رسول الله
ليس بالزائر الغريب، بل الحبيب المرتقب، الذي لم يغادر بلادنا ليأتي ولم يذهب ليعود، لكن قلوب اليمنين في ربيع كل عام تجلوا عن ذاتها الكدر وتعانق رحمة الله في ميلاد رسوله، وتختال فرحاً وسروراً وحمدا للرحمن على نعمته.
تتزين صنعاءً طرباً وسروراً للاحتفال بيوم مولد النور سيدنا محمد عليه وآله وصحبه السلام. لا تبتدع صنعاء ولا اليمن شيئاً جديداً وغريباً عن تاريخها، بل تعود لهويتها المحمدية بعد غربة الوهابية التي طمرت بالوحل الحياة الروحية للمجتمع اليمني، فحرمت المزارعين بركات المُزن والحصاد على تراتيل “اشتدي أزمة تنفرجي.. يا رب بهم وبآلهم عجل بالنصر وبالفرج.. عجل بالغيث وبالفرج”. وحرمت المجذوبين لله من مدائح نبوية شبه اسبوعية كانت تضيء زوايا المساجد والبيوت وتفوح منها روائح البخور والعطور، ومن الضرب على طار الروح والإصغاء لأغاريد الجنان، ودمرت المساجد والأضرحة القديمة لأنها ولشدة عماها، تجد الشرك فيمن يرى رسول الله وسيلة الله لرحمة الانسان وإغاثته!
تستعد صنعاء شعبياً ورسمياً للاحتفال بمولد النور، كما تستعد كُل اليمن، إلا مناطق مُحتلة تعيش تحت رُهاب سواطير الظلامية الوهابية، بل إن مناطق واقعة تحت سيطرة العدوان كحضرموت وتريمها النورانية تحتفل بسيد الخلق مهما عَظُمت المخاطر.
الإنسان اليمني جاء من ظمى لرسول الله يحتفل به عبد حظر الوهابية ومحاربتها لاحتفالات المولد، وهو في احتفاله هذا يقدم استفتاءً شعبياً على رفض الوهابية السعودية، وعلى التمسك بهويته وتاريخه وما هو محمود من عادات وتقاليد وآبائه وأجداده في هذه المناسبة، ولكل يمني مساهمتة الشعبية والاجتماعية في هذا الاحتفال والتحضير له، ومن لم يجد ما يسهم به مالياً حضر بروحه في الفعاليات الشعبية في الاحياء ويرتقب الخروج الجماهيري المُعبر عن هذه الفرحة وعن شكر الله على نعمة الرسالة والهداية الذي جاء فيها سيدنا محمد.
لم توجد في التاريخ اليمني فرقة تناصب العداء لرسول الله محمد وآل بيته، فالمجتمع اليمني يتوزع مذهبياً إلى “شافعية” و”زيدية” و”إسماعيلة” و”اشعرية صوفية” وكل هذه الفرق الاسلامية تتغنى بحب سيدنا محمد وآله وتنتسب إليه بتسلسل العلوم في إجازات يمنحها العلماء لطلابهم ومريديهم تتصل إلى المنبع النبوي الصافي، ولم تدفع النزاعات السياسية بين الدويلات الاسلامية اليمنية إلى الاساءة لرسول الله أو التقليل من شأنه وما له صلة به كيوم مولده الشريف، إلى أن جاءت الوهابية كتيار فكري غريب عن المجتمع اليمني كفرت كل ما عداها من اليمنيين من زيود وشوافع وإسماعيليين وصوفيين، وزرعت بذور الطائفية والتطرف والإجرام، ولم تكن الوهابية يوماً قوية لأنها نابعة من قوة منطقها أو تمسك اليمنيين بها بل كانت قوتها في قسرها على المجتمع من قبل السلطات اليمنية الموالية للسعودية، وحين سقطت هذه السُلطات تنفس اليمنيون الحرية وعاد بهم الوِجد والشوق القديم إلى رسول الله.
تبرز القيم الدينية والطقوس الروحية والشخصيات المُقدسة كرسول الله صلوات الله عليه وآله، كمتطلب اجتماعي تُشبع حاجة مُعينة في تطور المجتمعات الحاجة إلى وجود القائد المُقتدى به الكامل في صفاته، والمعادل في كماله لضُعف الناس ورغبتهم في قوة الحق وتعمم الخير، ومن أكمل من رسول الله، فإذا كانت الشعوب تخلق أساطيرها لتستلهم منهم العظمة، فسيدنا “عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى”، ذاب في عشقه المؤمنون، وأقر بعظمته الماديون إذ شهدوا بعبقريته حين غابوا عن خوارقه، والنشوة الروحية رغم انتمائها إلى عالم السماء، إلا أن جذورها تكمن في واقع الحياة الاجتماعية الملموسة.
لاحتفالات المولد النبوي أبعاد ثورية عميقة الأثر في الأوساط الاجتماعية الإسلامية مُتعلقة بطبيعة الشخصية المُحتفل بها، وبالأوضاع والحاجات الاجتماعية الثورية لهذه الأوساط التي تقوم بهذه الطقوس الاحتفالية، ومن هُنا مثلت هذه الاحتفالات بالأعياد النبوية خطراً على المُستبدين، فكان التوجه إما لإفراغ هذه الاحتفالات من مضمونها الثوري لتبقى فقط كطقوس “دروشه”، أو محاربتها تماماً، فحتى الطقوس المُفرغة من المضامين الثورية تظل تُذكِّر المجتمع بهذه الشخصية، العظيمة، وقد عاد وهج الاحتفال بالمولد النبوي منذ بداية بروز أنصار الله في صعدة مع الحروب الست وما بعدها، ثم اتسع الحضور والاحتفاء من بعد ثورة 21 سبتمبر 2014م ليعم أغلب اليمن، وهوَ في عامه هذا يُحضر له ليكون حفلاً تاريخياً لم تشهد له المنطقة مثيلاً كما أكد الاخ وزير الاعلام.