صنعاء تتضامن مع بيروت: الحملة السعوديّة تنفلت من عِقالها
وسطَ صمتٍ شبهِ تامٍّ وغيرِ مستغرَبٍ من الأنظمة الرسمية وَالقوى السياسية في العالم العربي والإسلامي تجاه استهداف لبنان من قبل السعوديّة ودول خليجية تابعة لها، برز تضامُنُ اليمن على المستوى الرسمي والشعبي مع لبنان دولةً وشعباً.
ومع خروج الحملة السعوديّة على لبنان من عِقالها، وبالتزامن مع تضامن القوى السياسية اليمنية مع بيروت، اخترنا تقديم قراءةٍ سياسية لخلفية وأبعاد وأهداف الحملة السعوديّة على لبنان وعلاقتها بسياسة الرياض تجاه بيروت وتشابكاتها -الحملة السعوديّة- مع خُطط المعسكر المُعادي للعالم العربي والأمة الإسلامية..
تتويجٌ لسياسات دائمة سعت جاهدةً لتفكيك لبنان
من البديهي أن الاستهدافَ السعوديّ للبنان ليس وليد اللحظة بل هو تتويج لسياسات دائمة سعت جاهدة لتفكيك لبنان وَإغراقه في الأزمات المتوالية، وَهو ما يشير إليه المكتب السياسي لأنصار الله على لسان عضو المكتب، القاضي عبد الوهَّـاب المحبشي: “لبنان يعيش حالة من العدوان السعوديّ عبر عنه النظام السعوديّ من خلال فرض الحصار وَتدمير العملة اللبنانية وتحريك الأدوات الاقتصادية العميلة للنظام السعوديّ لتدمير الاقتصاد اللبناني”..
برأي القاضي المحبشي، هدفُ الحملة الشعواء على الحكومة اللبنانية الجديدة وَعلى شخص وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي هو النيل من لبنان بإعادته لمربع الأزمة على مستوى الحُكومة الجديدة يقول: “أرادت السعوديّة أن تعيدَ الوضعَ اللبناني إلى التعقيد من جديد بإفشال الحكومة واتِّخاذ موقف عدائي ضدها من خلال إخراج هذه الشماعة، شماعة تصريحات وزير الإعلام اللبناني، الهدف بشكل عام هو تأزيم الوضع في لبنان مجدّدًا وإذلال الحكومة اللبنانية”.
استحالةُ تمرير الذرائع السعوديّة
بدورها، اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني أبدت تضامنها الكامل مع لبنان إزاء الحملة السعوديّة وذهبت اللجنة على لسان عضوها يحيي أبو إصبع وفي متناول الحديث يتوقف أبو إصبع -وَهو سياسي مرموقٌ- عند دوافع الحملة وَذرائعها وعن الأخيرة يؤكّـد استحالة تمرير الذرائع السعوديّة المقدمة رافعة لهذه الحملة لا التصريحات بشأن عبثية الحرب على اليمن ولا غيرها من المبرّرات يقول: “حقيقة هذه الزوبعة الخليجية المفتعلة من النظام السعوديّ تمثل ذروة الفشل والعجز السعوديّ على الساحة اللبنانية”، يواصل حديثَه في حالة من الاستغراب “يفتعلون هذه الضجة التي تثير ضحك وسخرية العالم عليهم بينما وزير الإعلام اللبناني لم يُخطئ بما صرح به سابقًا ورغم تصريح الحكومة اللبنانية أن الموقف لا يمثلها”..
في حالة من التعجب والاستغراب للحمية السعوديّة إزاء حديث الإعلامي جورج قرداحي، يرى أبو إصبع أن ذلك كان مطلوبًا أمام تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب التي لم تقف عند الانتقاد أَو التعريض “لو نرجع إلى تصريحات ترامب سنجد أنه لم يشتمهم أَو يحتقرهم أَو يستصغرهم فقط، بل علّق وجودهم بالحماية الأمريكية، ولم يهمسوا بأي رد ولم نسمع أي تعليق”.
تصريحاتُ قرداحي ليست السبب الكامن وراء حملة السعوديّة
وَفيما تسخر هذه القراءة من هزالة ذرائع استهداف لُبنان، ترى أن هذه الحملةَ تدفع باتّجاهات تبتزُّ الشعب اللبناني ومن حَيثُ يقف الاشتراكي يكمل التنظيم الناصري الوحدوي -وَنحن هنا نشير إلى الجسم الوطني منهما- يشير الأخير على لسان الأمين العام المساعد محمد مسعد الرداعي إلى أن تظهيرَ تصريحات وزير الإعلام اللبناني بخصوص عبثية الحرب في اليمن ليست السبب الكامن وراء الحملة السعوديّة “تصريحات قرداحي ليست السبب لهذه الحملة فمواقف وسياسة السعوديّة تجاه لبنان معروفة ويكفي أن نستذكر اعتقالها لرئيس الحكومة اللبناني الأسبق سعد الحريري فذلك يعبر بوضوح عن الموقف السعوديّ من لبنان والسياسة السعوديّة تجاه الدولة في لبنان”.
في السياق التاريخي الحملة على لبنان ليس سوى شاهد على عدوانية سعوديّة دائمة تجاه العالم العربي والإسلامي وَتعليقها بمناورة هنا أَو تصريح هناك لا يُلغي الحقيقة ولا يخُفي الأهداف، والأمين العام المساعد للتنظيم الوحدوي الناصري يضيف لحادثة اعتقال الحريري التعقيدات التي رافقت تشكيل حكومة لبنان الجديدة “معروف أَيْـضاً أن تشكيل الحكومة في لبنان لم يكن أمرا سهلا بفعل تعقيدات السعوديّة والقوى الأُخرى التي سعت لتعطيل ذلك”..
في المحصلة نحن نشهد حَـاليًّا عدم رضا المعسكر الأمريكي السعوديّ عن الحكومة الجديدة يقول الرداعي: “الحقيقة هي أن أطرافاً متعددة تستهدف لبنان ولا تريد له أن يواصل عبور الأزمة واجتيازها وهي من تسببت بتردي الوضع في لبنان”.
أبعادُ الحملة السعوديّة إقليمياً: الرياض تحت ذُعر المتغيرات
ربط الحملة السعوديّة الراهنة تجاه لبنان بعدوانية سعوديّة دائمة وبهدف عام هو إعادة لبنان إلى فضاء الفراغ لا يعني أن الحملة معزولة تماماً عن سياق المتغيرات خارج معادلات لبنان من جهة والوضع السعوديّ المأزوم من جهة أُخرى، وهو ما يُنبه إليه المحبشي: “السعوديّة في وضع لا تُحسد عليه، وَعلى الإخوة في لبنان أن يستوعبوا هذه النقطة، فالسعوديّة تعاني إذلالًا مُستمرًّا من قبل دولتين في العالم الدولة الأولى تمارس إذلال السعوديّة برضاها برضا السعوديّة، هذه الدولة هي أمريكا والدولة الأُخرى التي تمارس إذلال السعوديّة هي اليمن واليمن تمارس إذلال السعوديّة رغما عن السعوديّة”.
وبعكس الإذلال الأمريكي الذي يمنح السعوديّة دوراً وظيفياً هنا ومساحة نفوذ هناك، تولى الإذلال اليمني للنظام السعوديّ تصفير ذلك ومنذ أن باشرت العدوان على اليمن لم تعد السعوديّة تلك البقرة المقدسة والمحبشي يتولى إيضاح ذلك “منذ استطاع المجاهدون اقتحام المواقع السعوديّة وقتل وأسر الجنود السعوديّين وتدمير مدرعاتهم وقصف المواقع السعوديّة بالطائرات المسيرة والصواريخ البالستية.. انتهت السعوديّة، تلك السعوديّة التي كانت تمثل بالونة كبيرة من القداسة لا يجرأ أحد أن يتكلم عنها فضلا عن أن يقصفها”..
تذهبُ قراءةُ أبعاد وخلفية الهجوم السعوديّ على لبنان إلى أن الرياضَ المخنوقةَ من صنعاءَ تحاولُ أن تتنفَّسَ من بيروت، لكن الهزائم لا تُعوَّضُ والمهزوم لا يُملي الأجندات وإن كان بحاجة ماسَّةٍ إلى تفريغ ما يعانيه من مرارة وستر ما يصيبه من انكشاف استراتيجي في غير ميدان، وَيقول عضو المكتب السياسي لأنصار الله القاضي عبد الوهَّـاب المحبشي: “السعوديّة لديها كم هائل من الاحتقان نتيجة إذلالها في الملف اليمني، ونتيجة الإذلال التي تباشره عليها حليفتها إذَا جاز التعبير الولايات المتحدة الأمريكية وهي تفرغ هذا الكم الهائل من الاحتقان.. تفرغه نتيجة تصريح وزير الخارجية اللبناني الأسبق أَو نتيجة تصريح وزير الإعلام اللبناني الحالي؛ لأَنَّ لديها كميةً من الاحتقان والإذلال.. فهي لا تجد على من تفرغه إلا في هذا الاتّجاه”..
ومن منظور عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الحملة السعوديّة في بُعدها الإقليمي تُلبي مصالح وحسابات الكيان الصهيوني على اعتبار أن هذا الكيانَ يعمل جاهدًا على تدمير لبنان يقول أبو إصبع: “هؤلاء يسيرون وفق مخطّط أمريكي إسرائيلي يُحاول أن يحاصر محور المقاومة وفي المقدمة حزب الله ولذلك نرى جرأة خليجية؛ لأَنَّ أمريكا تريدُ هذا الخط؛ لأَنَّ إسرائيل مع هذا الاتّجاه إن لم تكن الموجهة”..
أبو إصبع يتفق أَيْـضاً مع المحبشي بخصوص اتصال الحملة السعوديّة المسعورة على لبنان بالملف اليمني وقد جاء في حديثه الآتي نصه: “هذه الحملة المسعورة إن كانت تعبر عن شيء فهي تعبر عن ذُعر سعوديّ من اليمن الجديد القادم، اليمن المنتصر هو ما تتخوفه السعوديّة ولذلك تخبط يمينا وشمالا وقد صبوا جام غضبهم على لبنان في اعتقاد منهم أنه يشكل حلقة ضعيفة”..
الحملة لها أبعاد مختلفة ووراءها كثير من الأسباب وَبالطبع السعوديّة تبحث عن تعويض خسائر الكثير من الملفات لكن فرص نجاحها منعدمة بل تفتقر السعوديّة لهامش بسيط يتيح لها التأثير في المعادلات القائمة في راهن الوقت والرداعي يذهب إلى أن “حدية الحملة الخليجية في هذه المرحلة تكتسب خصوصية التعبير عن الخسائر المتراكمة للمعسكر المعادي لمحور المقاومة بعد فقد السعوديّة نفوذها في بعض الدول وتأثيرها على بعض القوى وَفشل صفقة ترمب والإخفاق في تمرير مشروع (الإبراهيمية)”، ويستدرك الرداعي في ما يشبه جملة اعتراضية: “السعوديّة فقدت تأثيرَها ومكانتها بعد شن العدوان على اليمن”.
نتائجُ الحملة السعوديّة على لبنان: قلقٌ من المعاناة وفرص مواجهة
القراءةُ والمقاربة السياسية اليمنية لتصاعد الهجوم السعوديّ على الساحة اللبنانية، لم تغفل أَيْـضاً المآلات التي يمكن أن نستشرفها، وقد توقف القاضي المحبشي على وجه التحديد عند انعكاسات ذلك على الوضع الداخلي اللبناني وهو يعتقدُ أن لبنان لا تعوزه فرص مواجهة حالة العزلة المراد فرضها عليه وأنه أغنى بها مقارنة مع اليمن الذي واجه ذلك ويواجه الحصار للعام السابع على التوالي: “أعتقد أن الشعبَ اللبناني والدولة اللبنانية لديه من الفرص أكبر بكثير من اليمن، اليمن الذي يتحدى السعوديّة لسبع سنوات ويواجه حصارَها لا يستطيع إيصالَ زورق واحد إلى السواحل اليمنية إلا تحت تفتيش وبتصريحات من النظام السعوديّ بينما لبنان وضعُه أفضل.. لبنان يستطيع أن يُدخِلَ ما يشاء إلى سواحله وَموانئه دون أن يكون مضطرا لأُستاذان السعوديّة ولذلك فَـإنَّ الإخوة في لبنان سواء النظام الرسمي أَو الشعب اللبناني عليهم أن يشمخوا وقد شمخ اليمن من قبلهم ولم تستطع السعوديّة أن تضره في شيء”.
بخصوص ما سيفضي إليه الهجوم السعوديّ على لبنان، يرى عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني، يحيى أبو إصبع، أن “السعوديّة قد تنجح في تصعيد حدة معاناة لبنان لكن ذلك ليس جديدًا”، ويوضح أن أية نتائج للحملة وعلى أي مستوى سياسيًّا أكان أَو اقتصاديًّا، امتدادٌ لحالة استهداف قائمة للبنان من قبل الرياض “من المعروف أن السعوديّة وَدول خليجية أُخرى جزء من معسكر يقف وراء الصعوبات الاقتصادية والتحديات الأمنية التي يعيشها لبنان”، ثم يتساءل مستغرباً: “ماذا قدمت السعوديّة للبنان وما الذي قدمته وَما الذي قدمته دول الخليج الأُخرى، لم تقدم أمولا ولا بنزين ولا استثمارات ولا ما قد يعود بمنافع حقيقة على لبنان؟!”..
الخلاصة نحن نشهدُ نهوضَ العنقاء وكل المتغيرات الحاصلة تشكل نقطة تحول بالنسبة للمحور المناهض لسياسة أمريكا وَمعسكرها وإن لم يكن هذا المعسكر قد خَلُصَ إلى أن استمرار مغامراته في غير بلد لن تفضيَ إلى نتائجَ يبتغيها سوى مزيد من الكلف السياسية والعسكرية، فتماسك لبنان أمام الحملة السعوديّة شاهد يمكن الاهتداءُ به..