صنعاءُ تثبِّتُ استحقاقات تجديد الهُــدنة: تعنُّتُ العدوّ يوجّهُ مسارَ التهدئة نحو التصعيد!
عبد السلام: التحايلُ على الحقوق القانونية والإنسانية لن يؤدي إلى سلام حقيقي
العجري: فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة ووقف نهب الثروات مطالب شعبيّة وليست “شروطاً” خَاصَّة
تنتهي فترةُ التمديد الثانية للهُــدنة بعدَ قرابةِ 48 ساعة، وحتى الآن لا توجدُ أيةُ مؤشرات على تنفيذِ متطلباتِ التمديد التي حدّدتها صنعاءُ بوضوحٍ قبل شهرَين وهي صرف المرتبات من إيرادات النفط والغاز ورفع الحصار، بل إن تحالفَ العدوان الأمريكي السعوديّ أبدى المزيدَ من التعنت والرغبة في المراوغة وكسب الوقت، الأمرُ الذي ردَّت عليه صنعاء بحزم، إذ أكّـدت للمبعوث الأممي ولدول العدوان أنَّ استحقاقات تجديد الهُــدنة ليست قابلة للمساومة أَو التأخير أَو الالتفاف عليها، وأنها ليست مضطرةً للقبول باستمرار تهدئة لا يستفيد منها الشعب اليمني، وهو ما يعني أن مشهدًا جديدًا سيبرزُ بشكل حتمي بعد يومين، سواء تم التجديد أم لم يتم.
كالعادة، أصرت دول العدوان ورعاتها الدوليون والأمم المتحدة على تضييع فترة التمديد، ثم تحَرّكوا قبل نهايتها بأيام معلنين عن “مقترح جديد” بدا واضحًا من خلال ردود صنعاء أنه لا يلبي المتطلبات الأَسَاسية للتمديد، بل يهدف لتحويل تلك المتطلبات إلى أوراق مساومة ونقاط جدل يراد لها أن تكون عناوينَ لنقاشات غير مجدية تستغرقُ أطولَ فترة ممكنة، فيما يواصلُ تحالفُ العدوان نهبَ الثروات النفطية والغازية، ويستمرُّ اليمنيون بتكبّد المعاناة الإنسانية الأسوأ في العالم.
لهذا، لم تجد العباراتُ الفضفاضةُ للمبعوثِ الأممي هانز غروندبرغ حول “فوائد الهُــدنة” أي صدى في صنعاء التي وصل إليها، الأربعاء، للقاء رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط، حَيثُ أكّـد الأخير خلال اللقاء وبشكل صريح أن “صرف مرتبات كافة موظفي الدولة ومعاشات المتقاعدين مطلبٌ أَسَاسي للشعب اليمني، وَإذَا لم يتحقّق ذلك وتتحسن مزايا الهُــدنة فلن يتمَّ تجديدُها؛ لأَنَّ قبولَ الهُــدنة بهذه الطريقة يُعتبَرُ قبولاً باستمرار الحرب والحصار على الشعب اليمني بطريقة أشرس من الحرب العسكرية”.
وَأَضَـافَ الرئيس: “نحن لم نطلُبْ من أحد أن يمُنَّ على الشعب اليمني وإنما طالبنا بحقه في ثرواته النفطية والغازية وغيرها، وأن تصرف المرتبات منها، ومن يمنع شعبنا من حقوقه فلا يتوقع منا أن نقدم له الورود”، مؤكّـداً أن “عدم تخفيف معاناة الشعب اليمني الإنسانية التي صنعها العدوان بشكل متعمد تعني أنه هو من يرفضُ الهُــدنة” وأن المطالب الإنسانية التي تتمسك بها صنعاء تعتبر “بسيطة بالمقارنة مع الظلم الذي تعرض له الشعب اليمني” مُشيراً إلى أن “الثروة السيادية يمكن أن تجعل حَـلّ ملف المرتبات بسيطا جِـدًّا لولا إرادَة دول العدوان في استمرار المعاناة”.
تأكيداتٌ حازمةٌ لم تحملُ أيةَ فراغات يمكن أن تتسللَ منها حِيَلُ وألاعيب وضغوط دول العدوان الرامية لإطالة أمد حالة “اللا حرب واللا سلام”، وهو ما كان على غروندبرغ أن يضعَه بالحُسبان منذُ موافقة صنعاء على التمديدِ الثاني، حَيثُ حرصت صنعاءُ على توضيحِ موقفها بأكثرَ من وسيلة، بدءًا من التصريحات التي حدّدت بوضوح متطلبات تجديد الهُــدنة وحذرت من استمرار نهب الثّروات، وانتهاء بالعروض العسكرية التي حملت رسائل واضحة مفادها أن الاستحقاقات التي يرفض العدوّ الالتزام بها سلميا، ستنتزع بالقوة.
وحقيقةُ أن المبعوث الأممي ومن وراءه تحالف العدوان ورعاته قد تجاهلوا رسائل وتحذيرات صنعاء إلى الحد الذي ظنوا معه أن بإمْكَانهم إعادة العجلة التفاوضية إلى الوراء قبل نهاية فترة التمديد، تؤكّـد بوضوح أنهم لم يسيئوا تقديرَ الموقف فحسب، بل إنهم ما زالوا يعيشون حالة إنكار تام للتحول الذي صنعته صنعاء في مسار المواجهة والذي لا يمكن التعاطي معه بالأساليب القديمة، مثل أُسلُـوب الضغوط أَو الخداع الدعائي.
لهذا السبب تحرص صنعاء، قبل انتهاء فترة التمديد، على أن تزيلَ أوهامَ العدوّ من خلالَ التأكيد على أمرٍ محوري وهو أن مطالبَ تجديد الهُــدنة ليست اشتراطاتٍ سياسيةً خَاصَّةً، حتى تخضعَ للأخذ والرد، بل هي “استحقاقاتٌ إنسانيةٌ وقانونية لا منة لأحد فيها” بحسب رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام الذي أشار أَيْـضاً إلى أن “إيرادات اليمن السيادية من النفط الخام والغاز والتي تنهب من قبل دول العدوان وتورد إلى خارج اليمن كفيلة بصرف الرواتب لكافة الموظفين اليمنيين ومعاشات المتقاعدين وتقديم جزء من الخدمات العامة للشعب”.
ويؤكّـد عضو الوفد الوطني عبد الملك العجري في هذا السياق أَيْـضاً أن “فتح المطارات والموانئ ودفع مرتبات الموظفين، هي مطال الشعب اليمني وليست شروط الحوثيين كما يزعمون.. هي حقوق قانونية وإنسانية، لا يُفترَضُ أن تكونَ محل تفاوض، لولا أننا في عالم مؤمرك معدوم الضمير”.
هذا يعني أن تحالف العدوان يواجه مشكلة في إدراك حقيقة حاجته إلى تعديل سلوكه لحماية نفسه من تداعيات استمرار الحرب والحصار، وهي مشكلة قد لا يكون لها حَـلٌّ سوى العودة لمواجهة تلك التداعيات؛ لأَنَّ “المراوغةَ لن تؤديَ لسلام ثابت وحقيقي” كما يؤكّـدُ عبدُ السلام في رسالةٍ واضحةٍ تفيدُ بأن مسارَ التهدئة أصبح يتجهُ نحو التصعيد، وستكونُ مشكلةُ تحالف العدوان أكبرَ لو كان يظن أن هذا الاتّجاه يصب في مصلحته بعد كُـلّ ما حدث!
في تصريحه حول زيارته إلى صنعاء، قال المبعوث الأممي إنه “إذا عادت الحربُ مرة أُخرى، فلن تكون هناك فرصةٌ مثل هذه الهُــدنة لفترة طويلة” ويبدو من خلال ذلك أن الرجل يحاول أن يكرس الاتّهامات الموجهة لصنعاء بـ”تضييع فرصة السلام” كالعادة، لكن الحقيقةَ هي كلامُ المبعوث الأممي يجبُ يزعجُ تحالفَ العدوان ورعاته أكثرَ من صنعاء؛ لأَنَّ هذه الاتّهاماتِ لن تكونَ ذاتِ أهميّةٍ مهما كان صداها الدعائيُّ والاصطفافات الدولية خلفها إذَا عاد التصعيدُ مرةً أُخرى بالفعل، فصنعاء تمتلك فرصة الوصول إلى السلام الحقيقي بالسلم أَو بالحرب، على عكس دول العدوان.
وعلى أية حال، فالمرجَّحُ أن المشهدَ سيختلفُ بدرجة كبيرة عقب اليومين القادمين سواء قرّر تحالفُ العدوان الاستجابةَ لمتطلبات تجديد الهُــدنة أم لا؛ لأَنَّ كُـلَّ خيارٍ ينطوي على قدر ما من كسر الحصار الوحشي المفروض على البلد واستعادة الحقوق المشروعة، وقد أصبح واضحًا أن هذا هو ما يتجنبه تحالف العدوان في الواقع من خلال تعنته وإصراره على المراوغة، لكن صنعاء ليست معنية بمراعاة هذه “العُقدة” الإجرامية لدى العدوّ، وإن كانت الاستجابة للهُــدنة والموافقة على تمديدها مرتين قد خلقتا لديه انطباعا بأن صنعاءَ أصبحت أقلَّ صلابة مما كانت عليه، فلن يمر وقتٌ طويلٌ قبل أن يتأكّـد من أن ذلك مُجَـرَّدُ وَهْم.