صنعاءُ تتيحُ فرصةً أخيرةً لإنعاش المفاوضات: لا بناءَ على النوايا بدون خطوات عملية
عاد وفد الوساطة العُمانية إلى العاصمةِ صنعاءَ، الخميسَ، في زيارةٍ جديدةٍ تأتي بعدَ أَيَّـامٍ قليلةٍ من تحذيراتٍ شديدةِ اللهجة وجَّهَها قائدُ الثورة السيدُ عبدُالملك بدر الدين الحوثي لدول العدوان؛ بشأن ضرورة إنهاء حالة المماطلة والمراوغة: إما بالتجاوب مع استحقاقات الشعب اليمني أَو بالقوة؛ الأمر الذي تؤكّـدُ صنعاء أنه أَدَّى إلى تحريك المياه التي كانت قد ركدت؛ بسَببِ تعنُّت العدوّ ورفضه لمعالجة المِلَفِّ الإنساني وصرف المرتبات؛ وهو ما تعكسُه زيارةُ الوسطاء التي حملت عنوانَ “إحياء العملية التفاوضية”، على أن ذلك لن يتم إلا بخطواتٍ عمليةٍ ترفعُ معاناة الشعب اليمني؛ لأَنَّه لم يعد هناك مجالٌ لمحاولات كسب المزيد من الوقت.
إنعاشُ العملية التفاوضية بخطوات عملية:
بحسب رئيسِ الوفد الوطني المفاوض، محمد عبد السلام، والذي وصل إلى صنعاء برفقة وفد الوساطة العمانية، فَــإنَّ الزيارة الجديدة تأتي “في سياقِ جهود الوساطة العمانية؛ لإحياء العملية التفاوضية وتقييم المرحلة” وفقًا لاستحقاقات المِلف الإنساني المتعلِّقة بفتح المطارات والموانئ وصرف المرتبات.
وَأَضَـافَ عبد السلام، أن “الوفدَ العماني سيجري خلال الزيارة “مشاوراتٍ مع القيادةِ؛ لإحياء العملية التفاوضية ضمن رؤية واضحة تعالجُ المِلفات الإنسانية الأكثر إلحاحًا، وتمس كُـلَّ مواطن يمني”.
ولفت عبد السلام إلى أن “مهمةَ إنعاش المفاوضات ستتطلَّبُ هذه المرة خطواتٍ عمليةً واضحة، حَيثُ أكّـد أن “إذا لم تبدأ العملية التفاوضية بتنفيذ البنود الإنسانية فلا يمكنُ البناءُ على نوايا إيجابية للطرف الآخر” مُضيفاً أنه “لا بد أن يتم البدء من تحسين وضع المطار والموانئ وإزالة الكثير من القيود؛ لأَنَّ الحصار ما يزال قائمًا على كُـلِّ الأصعدة”.
ويشير هذا التأكيدُ إلى أن صنعاء قد أغلقت بابَ المماطلة أمام العدوّ بشكل نهائي؛ وهو ما كان قد أكّـده قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابه الأخير الذي جاء فيه أنه قد “تم إتاحةُ الفرصة للوسطاء بالقدر الكافي” وأنه لا يمكن القبول باستمرار الوضع الراهن، أَو السماح لدول العدوان بالانتقال إلى خطةٍ بديلة تتيح لها مواصلة استهداف الشعب اليمني وتجويعه بدون حساب.
هذا أَيْـضاً ما أكّـده عضوُ الوفد الوطني، عبد الملك العجري، الذي أوضح أن “زيارةَ الوسيط العماني والوفد الوطني لصنعاء تأتي في سياق التفاعل مع خطاب السيد القائد الأخير؛ إذ ليس من المقبول ولا المعقول أن يتحول التفاوض على المرتبات والملف الإنساني لنسخة أكثر تعقيدًا من مفاوضات القضية الفلسطينية، وماراثون تفاوضي مُضْنٍ على قضايا كقضية المرتبات ما كان ينبغي أن تكون محل مساومة ومفاوضة لولا تعنت العدوان”.
فرصةٌ أخيرة:
وفقًا لتوضيحات الوفد الوطني، ومن قبلها تحذيرات قائد الثورة، فَــإنَّ زيارة وفد الوساطة العمانية تأتي؛ بهَدفِ استغلال ما يبدو أنه فرصة أخيرة أتاحتها القيادةُ الوطنية؛ مِن أجل إتمام الحجّـة على دول العدوان ورعاتها ووضع نواياهم أمام اختبار نهائي يحدّد ما؛ إذ كان هناك إمْكَانية للتوصل إلى تفاهماتٍ معتبَرةٍ على طاولة المفاوضات، أم أن القوة هي الخيار الوحيد المتبقي لاستعادة حقوق الشعب اليمني.
هذا ما أكّـده أَيْـضاً أمين سر المجلس السياسي الأعلى، الدكتور ياسر الحوري، الذي رجَّح في حديث لقناة “الميادين” أن “زيارة الوفد العماني إلى صنعاء تأتي في سياق التعاطي مع ما جاء في الخطاب الأخير لقائد الثورة، بخصوص منح فرصة أخيرة لجهود الوسطاء”، مؤكّـداً أن “استغلال هذه الفرصة لن ينجحَ إلا بمعالجة الملف الإنساني الذي يعتبر المدخل الرئيسي للسلام والحل السلمي في البلد”.
وأوضح الدكتور الحوري أن “الخيارات المطروحة في هذه الفرصة الأخيرة هي: إما حلولٌ مُرضية تُنهي العدوان والحصار، أَو الانتصار لمظلومية اليمن عسكريًّا وبكل الوسائل المتاحة” مُضيفاً أنه “مع مرور الأيّام تضيقُ الفرصةُ المتاحة للحل السياسي؛ لأَنَّه لا يمكن أن تظلَّ القيادة مكتوفةَ الأيدي تجاه تفاقم معاناة أبناء الشعب اليمني؛ بسَببِ العدوان والحصار المُستمرَّين عليه” في إشارة واضحة إلى أن تفويتَ هذه الفرصة قد يؤدي إلى إنهاء مرحلة خفض التصعيد واستئناف المعركة.
وتعزز هذه التأكيداتُ ما أوضحه رئيسُ الوفد الوطني بخصوص تمسُّكِ صنعاء بضرورة البدء بخطوات عملية في الملف الإنساني؛ مِن أجل استئناف المفاوضات لسد الباب أمام أية محاولات جديدة من جانب دول العدوان لاستغلال إيجابية صنعاء؛ مِن أجل المماطلة، واستخدام جهود الوسطاء كـ”مخدِّر موضعي” بحسب توصيف ناطق حكومة الإنقاذ، ضيف الله الشامي، الذي أكّـد بدوره أن “محاولاتِ امتصاص السخط الشعبي لن تجديَ، وأن التحذيراتِ الأخيرةَ التي وجَّهها قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي حرَّكت المياه الراكدة؛ لمعرفة العدوّ أنها ليست تحذيرات للاستهلاك الإعلامي فقط”.
“القليلُ من التفاؤل”:
على الرغمِ من موثوقية الوساطة العُمانية لدى القيادة الوطنية والشعب اليمني، فَــإنَّ الزيارةَ الجديدةَ لم تمثل مؤشرًا إيجابيًّا كَبيراً بالنسبة للكثير من المراقبين؛ وذلكَ بسَببِ انعدام الثقة بجدية دول العدوان التي كان بوسعها تحقيقُ الكثير من التقدم في مختلف المِلفات منذ إعلان الهدنة في ابريل 2022، لكنها أصرت على المماطلة وتبنِّي الموقف الأمريكي المتعنت إزاء مطالِبِ اليمنيين.
ولهذا يرى عضو المكتب السياسي لأنصار الله، عبدُالوهَّـاب المحبشي، في حديث لقناة “الميادين” أن “وصول الوفد العماني إلى صنعاء يبعَثُ على القليل من التفاؤل”، ويشير إلى أن “واشنطن تريد أن تفرض في اليمن معادلة تشبه معادلة غزة”.
ولعلَّ من أهم أسباب انخفاض منسوب التفاؤل، إلى جانب نتائج المرحلة الماضية، التحَرّكاتِ والتصريحاتِ الأمريكيةَ التي صاحبت وسبقت زيارة الوفد العماني إلى العاصمة صنعاء، حَيثُ زار مبعوثُ البيت الأبيض إلى اليمنِ، تيم ليندركينغ، الخميس، سلطنة عمان، والتقى وكيلَ وزير الخارجية العماني؛ “لمناقشة الدفع نحو استئناف العملية التفاوضية”، وعلى الرغم من أنه نفس العنوان الذي حملته زيارة الوفد العماني، إلا أنه مضمونَه يختلفُ كَثيراً في موقف الولايات المتحدة الأمريكية التي ما انفكت طيلة الفترة الماضية تشترط أن تتفاوض صنعاء مع المرتزِقة بدلًا عن السعوديّة.
وكان ليندركينغ قد زَعَمَ، قبلَ أَيَّـام، أن تنفيذَ مطالب الشعب اليمني، وخُصُوصاً دفع المرتبات من إيرادات النفط والغاز، يمثل “مسألةً معقَّدةً تهدِّدُ مستقبلَ البلاد” وذلك بعد أن كان قد زعم أن التوصلَ لأَيِّ اتّفاق بين صنعاء والسعوديّة لن يقودَ للسلام، وأن الحل هو في التفاوُضِ مع المرتزِقة.
هذه المواقفُ -التي تؤكّـدُ بشكلٍ معلَنٍ تعنُّتَ الولايات المتحدة- تجعلُ احتمالاتِ نجاح جهود الوسطاء غير واضحة، خُصُوصاً بعد أن برهنت السعوديّة أنها لا تريدُ التحَرُّكَ خارجَ إطار الهامش المسموح به أمريكيًّا، برغم إدراكِها لكُلفة ذلك؛ وهو ما أشار إليه قائد الثورة بوضوح في خطابه الأخير.
وقد أشار رئيسُ الوفد الوطني محمد عبد السلام في تصريحاته الأخيرة إلى أن “موقفَ رُباعية العدوان الدولية: أمريكا وبريطانيا والسعوديّة والإمارات، موحَّدٌ في عرقلة المِلف الإنساني” مؤمِّلا “أن ينتهيَ هذا التجمع السيء”.
مع ذلك، فَــإنَّ التحذيراتِ التي وجَّهها قائدُ الثورة مؤخّراً، والتأكيداتِ التي رافقت زيارةَ الوسطاء بشأنِ ضرورة البدء بخطوات عملية لاستئناف العملية التفاوضية، هي بلا شك أمورٌ تبعَثُ على التفاؤل؛ لأَنَّها تعني أن الوضعَ الراهنَ ربما بات على وشكِ الانتهاء، سواء باتّفاق إنساني يُعيدُ للشعب اليمني حقوقَه، أَو بانتقالٍ تأريخيٍّ إلى مرحلةِ ردعٍ جديدة.
المسيرة