صمدنا 3 أعوام بوجه أكبر حرب إجرامية في العالم… ماذا حصدنا بحسابات الربح والخسارة..؟ بقلم: بندر الهتار
لم تكن السعودية مبالغةً عندما ظنت أنها ستنتصر في الأسابيع الأولى من حربها على اليمن بناء على المؤشرات المادية التي كانت تصب في صالحها، بدءا من الإمكانات العسكرية الجبارة، وتحالفها الواسع وقدرتها على تجنيد عشرات الآلاف من مرتزقة الداخل والخارج، والحصار البري والبحري والجوي وضمانة توفير الغطاء الدولي بإجماع قل نظيره من العدو والصديق، علاوة على الميزانية الضخمة التي سخرتها للحرب.
في مقابل ذلك، كان اليمن – كدولة – ضعيفا في بنيته ومؤسساته المختلفة، في ظل وضع اقتصادي سيئ للغاية، والجيش الذي أصيب بموت سريري بعد المؤامرة الكبيرة التي تعرض لها من تدمير قدراته وخلخلة صفوفه وضرب عقيدته القتالية تحت عنوان “هيكلة الجيش” وما سبقها من تسخير سيء لنظام صالح في العقود الماضية ساهم كثيرا في هذا التدمير.
ما سبق أعطى السعودية وحلفاءها ضمانة الانتصار في فترة وجيزة، ورُسمت أهداف “عاصفة الحزم” في إطار مشروع أوسع وأشمل من جغرافية اليمن، يعتمد أولاً على أساس استعادة قرار الهيمنة بعد أن سقط عقب ثورة 21 سبتمبر 2014، وفي الطريق سيتم التخلص من أنصار الله والقوى الثورية باعتبارهم الأمل المتبقي لليمنيين في صناعة استقلال البلد بعد أن فشلت كل القوى السياسية السابقة التي ظلت خاضعة للنظام السعودي، وبعد ذلك ستُقسّم اليمن إلى ستة أقاليم سرعان ما تتحول إلى دويلات صغيرة وضعيفة ومتصارعة، ناهيك عن السيطرة المباشرة على باب المندب وسقطرى وأهم المواقع الاستراتيجية ومراكز الثروة والنفط والغاز.
أما ثانيا، فإن “عاصفة الحزم” ستنتقل إلى دول أخرى – سوريا في البداية على الأغلب – وقرأنا كتابات سعودية كثيرة تتحدث عن توجيه ضربة عسكرية ضد الأسد بعد التخلص من اليمن، وما زاد قناعتنا في الوقت الراهن هي الأزمة اللبنانية بعد اعتقال رئيس الحكومة سعد الحريري وبروز الحديث عن تدخل عسكري “عربي” لولا التحولات الكبيرة الحالية في المنطقة، وبالتأكيد فإن اليمن في حروب السعودية سيتحول إلى معسكر كبير يقاتل بأبنائه محمد بن سلمان وحليفه محمد بن زايد، ولن يحتاج إلى استئجار مرتزقة أفارقة أو من شركات أجنبية، ودليل ذلك ما يحدث من حشد آلاف المرتزقة اليمنيين للدفاع عن الجيش السعودي في حدود جيزان ونجران وعسير.
هذه الطموحات مجتمعة سقطت في الأشهر الأولى من العدوان، لأن الأهداف لم تتحقق، وسقطت الرهانات عندما تمكن أنصار الله وشركاؤهم من امتصاص الصدمة وإدارة المعركة بكفاءة عالية رغم وجود عشرات الجبهات، وهذا لم يكن ضمن تلك الحسابات أو أنه جرى التقليل من فاعليتها.
وبعد قرابة 3 أعوام، ما الذي حققته السعودية وحلفُها سوى الدمار الهائل لكل مناحي الحياة وصناعة أكبر مأساة إنسانية في العالم، إضافة إلى احتلال بعض المحافظات – وبالتأكيد هو احتلال مؤقت لأنهم لن يطيقوا الاستمرار لسنوات طويلة – وهذه نتيجة سيئة لليمن لكنها الكلفة الأقل من ثمن باهظ جدا كنا سندفعه فيما لو انتصر العدوان وقُسّمت البلاد ونُهبت الثروات وعادت الوصاية من جديد.
ليس تخفيض سعر الفاتورة هو ما كسبناه، والحرب لا تقاس بحجم الدمار والضحايا، بل في انعكاساتها على المستوى الاستراتيجي المحلي والإقليمي والدولي، وهنا مربط الفرس، حين استطاع اليمن بصموده أن يكسب كل هذه الجولات دفعة واحدة.
السعودية في الداخل تعيش أسوأ حالاتها ومحمد بن سلمان فقد رهانه بأن الانتصار على اليمن سيكون منصته للوصول إلى عرش المملكة، وهو ما هيأ لمزيد من الصراعات داخل الأسرة المالكة، وسارع بن سلمان للتخلص من خصومه بصورة غير حكيمة سيكون لها انعكاساتها المدمرة في زمن ليس ببعيد.
في الإقليم سوريا والعراق، ساهم انكفاء السعودية باتجاه اليمن في تخفيف الضغط على البلدين إلى حد كبير، وتهيأت الساحة للقضاء على الجماعات التكفيرية على رأسها داعش، ووجدت روسيا فرصتها للدخول في خط المواجهة وشاركت في صنع انتصار سوريا، كذلك انعكس الحال على لبنان.
الاقتصاد السعودي ينحدر باتجاه خطير بسبب الانفاق الباهظ لتكاليف العدوان، والابتزاز الكبير الذي تمارسه الولايات المتحدة كلفها مئات المليارات من الدولارات، ويضاف إلى ما سبق، السمعة السيئة للسعودية في كثير من دول العالم، وسقوط هيبتها أمام جيرانها – وقطر مثال حديث – وأمام بقية الأقطار العربية والإسلامية.
وفي الوقت الذي تشكل هذه المشاكل عاملا أساسيا ينعكس أزمات في الداخل السعودي وفشلا ذريعا في الإقليم، فإن اليمن – رغم مآسيه التي صنعها العدوان – يعيش بالمستوى ذاته من صمود اليوم الأول من العدوان دون أن تهتزّ عزيمته أو يضعف موقفه، بل هو اليوم في الميدان أكثر عددا وأقوى عتادا.