«صفقة القرن» هي المرحلة الأخيرة من تصفية القضية الفلسطينية
تصفية القضية الفلسطينية هي الهاجس الدائم للسياسة الأمريكية منذ أن تسلمت واشنطن من بريطانيا – التي كانت وراء إنشاء الكيان الصهيوني – مهمة رعاية هذا الكيان وتقويته، ولهذا الغرض تسعى جاهدة لرعاية أمن الكيان الصهيوني وتوفير الحماية له عن طريق تزويده بالأسلحة المتطورة من جهة.. ومن جهة أخرى السعي لاعتراف الدول العربية به، وقد تمكّنت من نزع اعتراف أكبر دولة عربية به وهي مصر، واعتراف الأردن التي تربطه أطول حدود مع فلسطين المحتلة، كما ساهمت في كسر الحواجز بين الكيان الصهيوني وبعض الأنظمة العربية، وخاصة بعض الخليجية.
مشاريع التصفية هذه مرّت في مراحل متدرجة منذ قيام الكيان الصهيوني عام 1948، وقد استخدمت فيها القوة العسكرية تارة عن طريق الحروب التي شنّها الكيان على بعض الدول العربية، وتارة أخرى عن طريق الإغراءات المالية لبعض الدول العربية.
الأبرز في مشروع تصفية القضية الفلسطينية هو «صفقة القرن» فما هذه «الصفقة»؟ هي حسب الأمريكيين «اقتراح أو خطة سلام تهدف إلى حل الصراع العربي- الإسرائيلي»، أعدّها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتشمل المراحل النهائية لتصفية القضية الفلسطينية من خلال إنشاء صندوق استثمار عالمي لدعم اقتصادات الفلسطينيين والدول العربية المجاورة.
لقد عكفت إدارة ترامب منذ عام 2017 على إعداد خطة لإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي على أن يتم تقديمها رسمياً مطلع الـ 2018 وتم تأجيل ذلك عدة مرات.
ووفقاً لشبكة «فوكس نيوز» تتضمن وثيقة المشروع 175-200 صفحة تم تداول الكثير من مضامينها إعلامياً، ولدى بعض الأطراف المعنية على شكل تسريبات.
بعد 18 شهراً من التخطيط لـ «صفقة القرن»، قام المسؤولون الأمريكيون بتطوير الاقتراح من خلال زيارة أربع عواصم عربية، لكنهم وجدوا أنها غير جاهزة للإعلان عنها رسمياً حسب الاستطلاعات التي أجروها.
ترى ماذا تشمل هذه الصفقة؟
تناولت عدة تقارير صحفية بعض محتويات تلك «الصفقة»، ويمكن تلخيصها بإقامة دولة فلسطينية من دون جيش في الضفة والقطاع، وفي الوقت ذاته تقوم مصر بمنح أراض إضافية للفلسطينيين من أجل إنشاء مطار ومصانع ومن أجل التبادل التجاري والزراعة من دون السماح للفلسطينيين بالعيش فيها، وسيتم الاتفاق على مساحة الأراضي وثمنها، كما تشمل الصفقة إنشاء جسر معلق بارتفاع 30 متراً يربط بين غزة والضفة لتسهيل الحركة بينهما.
وبعد عام من الاتفاق تجري انتخابات وسيكون في إمكان كل فلسطيني الترشيح لها، كما شملت الصفقة بنداً يتضمن فرض عقوبات على الأطراف الرافضة «للصفقة».
بدأ العمل فعلياً بتطبيق الصفقة عندما افتتح، غاريد كوشنر، كبير مستشاري البيت الأبيض« ورشة البحرين» بالزعم «أن أمريكا تريد أن ترى السلام والازدهار والأمن يتحقق للإسرائيليين والفلسطينيين وللجميع» و «أن انتعاش الاقتصاد الفلسطيني لا يمكن أن يحدث إلاّ عبر حل الصراع مع إسرائيل». وأضاف: إن ورشة البحرين لن تتطرق للجانب السياسي، مشيراً إلى أن الكشف عن هذا الجانب سيتم في الوقت المناسب.
يذكر أن مجموعة من الدول قد شاركت في ورشة البحرين (25- 26 حزيران الماضي) تحت عنوان «السلام من أجل الازدهار» خصوصاً الدول الخليجية والأردن والمغرب.
والسؤال: هل تنجح «صفقة القرن» في تصفية القضية الفلسطينية؟
تلمح الولايات المتحدة لتأجيل جديد للإعلان عن «صفقة القرن»، بعد أن كان مقرراً طرحها منذ فترة ليست بعيدة، حيث قال المبعوث الأمريكي للمنطقة جيسون غرينبلات إن الإعلان عن تفاصيل «صفقة القرن» قد يتأجل حتى تشرين الثاني الحالي، وهذا ما يؤكد تعثرها، ويؤكد أن واشنطن لا تزال غير ضامنة في أن تنجح بفرض ما تريده على الفلسطينيين.
من المعروف أن تفاصيل الصفقة كان من المفترض أن يتم الإعلان عنها العام الماضي، ثم تأجل الأمر إلى ربيع العام الحالي، ثم إلى الصيف، والآن يدور الحديث عن أواخر السنة.. وفي العام الماضي كشفت صحف أمريكية بوضوح أن الرفض الفلسطيني والأردني للمشروع هو الذي دفع واشنطن إلى تأجيله، وأن التأجيل مرده إلى أن الأمريكيين يريدون ممارسة ضغوط على الفلسطينيين والأردنيين من أجل تمرير الصفقة.
إن ما حدث ويحدث يؤكد أن الفلسطينيين ورغم ضعفهم وانقساماتهم ومشكلاتهم الداخلية، لا يمكن أن يتم فرض شيء عليهم لا يريدونه، ولاسيما إذا كان محل إجماع وطني، كما هو الموقف اليوم من «صفقة القرن» ومن السياسة الأمريكية المنحازة لـ«إسرائيل».
ثمة رفض فلسطيني حقيقي لـ «صفقة القرن»، وأغلب الظن أن القيادات الفلسطينية علمت بتفاصيل الصفقة التي لم تعلن رسمياً حتى الآن، وربما علمت بها من أطراف عربية، أو من الأمريكيين والإسرائيليين أنفسهم، وأغلب الظن أيضاً أن الدول العربية التي أبلغت الفلسطينيين بمضمون الصفقة هي ذاتها التي مارست ولا تزال تمارس ضغوطاً من أجل تمريرها، وتعرض الرشاوى بالمليارات من أجل القبول بها.
إن التأجيل المتكرر لـ «صفقة القرن» يؤكد أن لدى الفلسطينيين القدرة على إفشالها وعلى مواجهة الرغبات الأمريكية والإسرائيلية، وهذا يؤكد أيضاً أن الولايات المتحدة تدرك ضمناً أن مشروعها لا يمكن أن ينجح إذا لم يكن ثمة شريك فلسطيني، وأن القفز فوق الفلسطينيين أمر غير ممكن لأنهم في نهاية المطاف أصحاب الأرض،كما أن قضية اللاجئين لا يمكن تسويتها من دون أن يكون الأردن شريكاً، لأن الأردن ببساطة هو الدولة المضيفة للعدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين، ولعل المخيمات الفلسطينية في الأردن لا تزال شاهدة على النكبة، وثمة قضيتان لا تجد من يختلف عليهما بين الفلسطينيين وهي قضية القدس واللاجئين، إذ لا يمكن أن تجد الولايات المتحدة في الشعب الفلسطيني من يقبل بفلسطين من دون القدس، ولذلك فإن «صفقة القرن» لا يمكن تمريرها ولا يمكن أن تنجح في أي حال إن تم فرضها، وهذا ما يدفع الأمريكيين إلى التأجيل مرة تلو الأخرى.
عن « فوكس نيوز»