صفحات عز من تأريخ أبطال الجيش واللجان الشعبية:العروسة العنيدة!/مطَرُ المُنذَرين!/ثلاث سُفُن!/أبطالنا العائدون!

الحقيقة/كتب/د/مصباح الهمداني 

العروسة العنيدة!

لبسَ أثوابَ الزفاف الجديدة، وأحاط به أقرب المقربين، وودعوه باب قصره. طلبَ منهم مرافقته، لأنَّهم الذين تربى على أيديهم منذ نعومة أظفاره، ولم يعرف سواهُم منذ ولُد، لكنهم مسحوا على رأسه وظهره، وأخبروه أنهم لا يستطيعون تجاوز بوابات القصر، وسيكون برفقة آخرين، لا يقلِّون عنهُم وفاءً ومحبة.
وجدَ نفسه برفقة إخوة من لحم ودم، ووجد معهُم الأنس والمحبة، وامتلأت أذنيه بالآيات والتسبيح والزوامل.
تمنى أن الطريق طويلة، ليمتلئ أكثر بهذه اللحظات الروحانية الجميلة، تمدد في المقصورة الخلفية للسيارة، متكئًا على ذراعه الأيمن، وطرب كثيرًا لصوت السائق والمرافق وهما يرددان الزوامل والأناشيد، تارةً على انفراد وتارةً معًا في تناغم وانسجام وتارةً من صوت المذياع.
ولأنه العريس، فقد تخيَّلَ للحظة؛ العروس التي يُزفُّ إليها، وتذكر كل الأوصاف التي وصفوها له، لكنه تساءل في نفسه:
(لقد قالَ بعضهم إنها قصيرة وآخرون قالوا إنها طويلة، ويا تُرى هل جِلدها ناعمٌ أمامَ يديَّ الخشنتين، أم أنها كما قالوا قوية البُنية متماسكة الجسَد، ولها قوامٌ ثابتْ، وطريقة مشيتها تشبهُ النمور) 
ثم أخذت هواجسه في التصاعد واستمر في تساؤله ( يا تُرى هل ستستجيبُ لي وتخضعَ لي أمْ أنها ستفعَل معي كما فعَلتْ مع آخرين قبلي، لقد قالوا عنها أنها عنيدة قوية، ولا تخضعُ للضعفاء، ولا يستهويها البلهاء، ولا تُلقي بالاً لنظرات الإغراء الملتهبة، أو رسائل الغزَل الفاتنة، وقد أحاطت نفسها بهالةٍ كبيرة من العظمة والكبرياء، وتشعُر بالفخر والغرور، بأنَّ أحدًا لم يلمسها، ولن ينالَ منها، وتُردد دائمًا أنها أكبر وأعلى شأنًا من أن تسقط في حضن أحدٍ لا يستحقها، ولا ترى أحدًا فوق هذا الكوكب أهلًا لها أو يستحق تنازلها أو نزولها من عرشها)
أخذت الهواجسُ والأفكار تنزلُ عليه الواحدة تلو الأخرى، لكنه تذكر أنه الأقوى والأجدر والأصلب على الإطلاق، وتذكر التدريبات التي تدربها، والأكلات التي أكلها، وتأملَ جسده الممتلئ عنفوانًا وقوة، ووجهه الجميل المنير، ورأسه الصلب الخطير، وتجددت ثقته بنفسه وهو يسمع السائق ومرافقه يرددان:
(وصلنا بفضل الله وكرمه)
لقد كانا حريصين عليه أشد الحِرص، فلم يتركانه يلامس الأرض، واتكأ على أكتافهما، وسارت خطواتهما وهو يراقب المكان، ويتأمل المحيط، فلا يسمعُ طبولاً تُقرع، ولا أناشيد تصدح، ولا زغاريدٌ تلعلع، ووجدَ نفسه فوق سريرٍ تم ترتيبه على عَجَل، ويبدو من فراشه المتواضع الزهيد أنه فرشٌ مؤقت.
ومع إرهاق الطريق فقد غفا لبعض الوقت، واستيقظ عندما أمسك أحدهم بذراعه، وهمسَ آخرٌ بجوار أذنه:
(بسم الله الرحمن الرحيم)
وجدَ نشاطه في أعلى درجاته، ومعنوياته عالية، وبدأ في البحث عن محبوبته التي طالما رسَم خيالها في مراحلِ عمره، سمعَ صوتها لكنه لم يرها، فقال أحدهُم وهو يشير نحو الأعلى:
(إنها هُناك…بسم الله الرحمن الرحيم)، وسمعَ آخر يُردد:
(وما رميتَ إذ رميتَ ولكنَّ الله رمى)
اتكأ على كتفِ أحدهم، ووجه بصره نحو السماء، نحو العروسة المنتظرة، نحو الأميرة الفاخرة، وجدَ نفسه يطير كنسرٍ، ويُناوِر كصقر، حلَّق بعيدًا عن أحبائه، لكنَّه ما زال يسمعُ صرختهم بالتكبير؛ تتردد في أذنيه …

لقد كانت العروسة ماهرةً في الهروب، وعنيدةً في الخضوع، فصالت وجالت بعيدة عنه، لكنَّ شوقه أكبر، وقوَّته أشد، وعزيمته أصلَبْ، وردد في نفسه لمرَّات:
(لستُ كالذينَ جاؤوا إليكِ من قبلْ، فأنا مختلفٌ جدًا)
وكأنها سمعت همسه، والتوت برقبتها في غرور ورددت بصوتٍ مسموع:
(ستموت قبل أن تصِلَ إلي، فقد عجزَ الأجانب كلهم أن يُركعوني)
زادَ من سُرعته، ونادى بأعلى صوته:
(لكنني يمنيٌ، وبأسي شديد، ومن قومٍ أولي قوة)
وبينما تهربُ بأقصى سرعتها، وتتمايل يمنةً ويسرة؛ اقتربت المسافة بينهما، حتى التصقَ بها وغرسَ رأسه المدببُ في أحشائها، ولم تجِدْ أمامها إلا النزول عند رأيه وتنكيس رأسها، وتقلبت بين حميم فولاذه في السماء، واشتعلت نيران الخضوع الملتهبة، حتى أحرقتْ الطيَّارَين السعوديين في أحشائها…

وسجَّلَ الصاروخ اليمني عمليته الفريدة والمثيرة في عسير، بإسقاط الأباتشي؛ مفخرة الطيران الأمريكي.
والله أكبر.
والتحية للرجال العظماء في التصنيع والتسديد والشكرللقائد الحُر العَلَم.

مطَرُ المُنذَرين!

تُقسِم السعودية للأمم المتحدة ومبعوثها بأغلظ الأيمان؛ أنَّ نعالها لم تُحرِّك ساكنًا في الحُديدة، ويلعَن عيال زايد أبوهُم؛ إن هُم أمروا نعالهُم بالتَّصعيد، ويتساءل الشُّرفاء فمَن إذًا يُحرِّك الطائرات، ومن أطلق سبعًا وستين غارة، ومَن يرمي القذائفَ على أهلنا في الحديدة… أهيَ أمريكا، أم فرنسا، أم إسرائيل. لا يهُم.

لكنَّه لابُد من رَدْ، وقد كرر القائد تحذيراته وإنذاراته، وجاء تنفيذ الأمر الذي لا يُرَدْ.

وفي ساحل المخا بالحُديدة وجبةٌ دسمة، بل هي أم الوجبَات، كانت وما تزال تحت الرصد.

سفُن تأتي بطانًا وتعودُ خماصا، ومخازنُ تشتكي التٌّخمة، وآلاف النِّعال البشرية. سوداء من السودان وكولومبيا والنيبال، وسمراء من البضاعة المحلية الأرخص، صاروا يتزاحمون في المخا الصغيرة، كتزاحُم الأغنام على أبواب الزرائب في يومٍ ماطِر، تمَّ الرَّصد بعناية، وتم التفريغ بكفاءة، وتوقف القادة على نقاطٍ مُهمة:

(هُنا مخزن المدرعات، وهنا مخازن القذائف، وهنا مخازن الرصاص، وهُنا خزانات الوقود، وهُنا غرفة العمليات، وهُنا هناجِر مرتزقة السعودية، وهنا هناجر مرتزقة دويلة الإمارات، وهنا هناجر نعال النعال)

معلوماتٌ دقيقة جاء بها راصد المبين، وأكدتها ألسنة التائبين، وبدأ إعداد الموازين، وقياس أبعاد المُجرمين، ونداء رب المستضعفين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، وآله الطاهرين.

تتحركُ أكثر من عشرين طائرة مسيرة، يقودها عظماءٌ جبابرة، ويوقفونها فوق مخازن العدوان، وهناجر الطغيان، وتُرسلُ إشارتها بأن الأهداف تحتها محددة ومتطابقة، ويُرسل القادة أوامر الإطلاق وما هي إلاَّ ثوان؛ حتى ابتدأ الحريق، في المخازن الأول ثم الثاني ثم الثالث، وكل طائرة تُشعل شُعلتها المحددة، واشتعلت النيران في كل مكان، في عدالةٍ مخططة، وبنسبٍ متساوية.

خرجَ العبيد من كل هنجر يهيمون على وجوههم، ويصيح صائحهم:

(يخواننا..الحريق دا والحريق داك وداك وأوووه كمان عشرة هناك؛ من السماء والا الأرض، الحاصل شنو) ولا يكاد يُكمل صوته إلا ويغطي وجهه معجونٌ بلاستيكي مشتعِل ويضيء الزُّول ما حوله، ويجري كالمجنون، والحريق يلتهمُ رأسه وظهره، ويلتحقُ بمئات المشتعلين، نحو البحر)

كانت المسافة بينهم وبين البحر غير بعيدة، لكنَّ البحر اليمني يُبغضهم، ويتبرأ منهُم، ويُسجل أعلى جزرٍ له في هذه المجزرة، فيسقطون قبل أن يصلون، ويركعون أذلة صاغرين فوق رمال المؤمنين، يلعقون التراب ولا جواب.

لم يكتفِ الأحرار بما نزلَ على الغزاة الفُجار، ويُطلق الأخيار صواريخًا باليستية، على ذاتِ المخازن والنعال البشرية، فتتناثر المصفحات والمدرعات والآليات، ويصلُ حديدها المتطاير إلى الرؤوس الهاربة، ويصهر فولاذها المنصهر، رؤوس وأجساد المرتزقة…

يصيح زول آخر بصوته الأخير وهو يتقلبُ فوق الرمال راكعًا وساجدا، وقد رفضت إخماد نيرانه… ويقول:

(عليكم اللعنة يا سودانيين خليتونا نموت حرق في الدنيا قبل الآخرة)…

تتصاعد النيران من كل مكان، وتتوالى الصواريخ الباليستية واحدًا تلو آخر؛ لتصهر ما تبقى، وتنثر الجحيم في مكان، وتُحيل النَّعيم إلى سقيم، والمُعسكرات إلى خردة، والهناجر إلى زرائب ملتهبة، وتقفُ مملكة العجائز وإمارات الجنائز مذهولتان مصدومتان، وتتذكران حرائق أرامكو في البقيق، وكأنها جزءٌ من هذا الحريق.

أما أمريكا وإسرائيل؛ فذُعرهما الأكبر يكمُن في التقنية والقدرة التي استطاع بها رجال اليمن تحريك عشرات الطائرات المسيرة وإطلاق تسعة صواريخ باليستية دون أن يرصدهم قمر، أو يتصدى لهُم صاروخ.

فاللهم حمدًا وشكرًا يملأ سمواتك وأرضك؛

أن جعلتنا نعيش الزمن اليمني، ونرى الرد اليماني، وننتمي لرجالُ القائد المحمدي العلوي.

ثلاث سُفُن!

يُصِر رجال الرجال على تسطير أروع البطولات في كل معركة، وما قرأناه قبل قليل واحدٌ من هذه التسطيرات الأسطورية.

ثلاث سُفن مرَّة واحدة؛ تُساقُ كالنعاج لكن في البحر.

ثلاث سُفن فوقها من العلوج والحماية والسلاح ما يكفي لإحراق ما أمامهن، لكنَّ الرجال فعلوها، وساقوهن باقتدار، وسرعة ودقة واستبصار، فلا استطاع الطيران أن يكتشف الكارثة، ولم تتجرأ القطع الحربية على الاقتراب.

لقد كان الوضعُ مذهلًا وفوق الوصف، وأعلى من الخيال…

ثلاث سُفن تُساقُ بقواربٍ يمنية.

إنها إحدى المعجزات التي لم ولن تحدُث إلا في اليمن وعلى أيدٍ يمانيةٍ إيمانية.

سيرتفعُ اسم جزيرة عقبان، وستهبطُ أسهُم سفينة رابغ 3 السعودية.

أبطالنا مذهلون حدَّ الانبهار، وشجعان تتلعثم حولهم الأسود.

تُقادُ السُّفن إلى رصيف ميناء الصليف، وهناكَ يتم التحقيق والتدقيق، وفصلُ السليمة من العرجاء، ويَتوسل السعوديون الرأفة والرحمة:

-نحنُ مستسلمون الآن وتحتَ أوامركم وهذا سلاحُنا وعتادنا.

ويوبخهم رجال الله:

ناديناكم أكثر من مرة ولم تستجيبوا، فاضطررنا إلى إظهار العين الحمراء لكي تتوقفوا.

تحية لرجال البحرية العظماء، وقبلة على جبين كل أب وأم أنجبت هؤلاء الشرفاء، ولتعرف مملكة الشياطين؛ بأن زمنَ البحر السائب والحدود المنفلتة، والعملاء الخونة البائعين قد ولى وإلى غير رجعة.

فاليوم هو زمنُ القائد العَلَمُ الحُر الشريف ورجاله الوطنيون الأطهار.

أبطالنا العائدون!

كما هي المسافة بيننا وبين مملكة قرن الشيطان، كذلك هي المسافة بين أخلاق أهل الحكمة والإيمان، وتربية أهل الفساد والبُهتان، وبين قصص العائدين المائة والثمانية والعشرون هناك ألف حكاية وحكاية، وفي ثنايا كل حكاية آلامٌ تدمي القلب، وتدمع العين وتجرح الفؤاد.
لم يكونوا جميعهم أسرى حرب، ولم يكونوا جميعهم أسرى في الحدود، ولكنَّ غالبيتهم تم بيعهم من قبل مرتزقة يمنيين –ويا للأسف- للعدو الخارجي الأجنبي، بيع وشراء لم يفعله مرتزقة في الدُّنيا، وبعض العائدين كانوا مغتربين أو ذاهبين للحج أو العمرة، لكنَّ شهية المرتزقة وجدَت في بعض الأسماء أو الألقاب حجةً كافية للبيع الوضيع.
تذكَّرتْ ذلك الأسير السابق الذي قطعوا أصابع يديه وقدميه، وفتَّشتُ بين أصابع العائدين لكي أرى الجريمة تتكرر في هؤلاء، لكنَّ عملاء اليهود قد طوَّروا أساليبهم الإجرامية، فاستخدموا الأسلاك والعصي والتعليق والإهانة والإذلال القبيح…

لن تستطِع أذُنك أن تلتقِط حكايات التعذيب إلا ويُداهمك الدَّمع وفقدان التركيز، تعذيب متسلسل مستمر، وتحقيقات لا تكاد تنتهي حتى تبدأ، أرادوا من تعذيب البعض الاعتراف بما لم يفعل، والانتماء إلى من لا ينتمي، وطلبوا من البعض الانضمام إليهم كعملاء، لكنَّ الجدار اليمني كان صلبًا، والإرادة الجهادية كانت فولاذية…

سنوات من التعذيب والإخفاء القسري حتى أن بعض العائدين ظنَّ أهله أنه شهيد.
لقد مارست مملكة الشر أسوأ أنواع الظُّلم تحت عُزلة عن كل وسائل التواصل، وتحت سمع وبصر الأمم المتحدة…

أسيرٌ عذبوه حتى شاب رأسه وآخر حتى فقد بصره وثالث حتى تكسرت عظامه ورابع حتى ذبلت عضلاته وخامس حتى أصابه الرعاش.

فيهم الشيخ الكبير والشاب اليافع، فيهم البريء والمقاتل، فيهم المغترب وسالك الطريق.
عناوين كثيرة تحكي عن معاناة لا تنتهي.
ووصول يحملُ معنويات تعانق السماء، وعزة وكرامة تملأ الأجواء.

ومع بشارات وصولهِم وسلامة نزولهم، وفرحة قدومهم؛ جاءتنا بشارة عظيمة، وفيها انضمام سلاح يمني جديد، تمَّ تفعيله في مجازة قُبالة عسير، وأسقطَ طائرة أباتشي، ودخول هذا السلاح سيقلب موازين المعركة، وهو من بركات صبر الصابرين، وإخلاص المجاهدين، وما بين صاروخ الأباتشي هناكَ بشارةُ نصرٍ أكبر ننتظر خبرَ إعلانها على أحر من الجمر.
ومرحبًا بكم أسرانا العظماء ونزلتم أهلًا وحللتم سهلا.