صفحات عز من تأريخ أبطال الجيش واللجان الشعبية :أقرأ عن:مجازة مجدداً والثمان الحمام والباليستيان اليمنيان؟
كتب/د/مصباح الهمداني
مجازة مُجددًا!
كنتُ أود أن أخبركم عن واحدة من القصص التي تشبه الخيال، لكني أجلتها إلى ما بعد هذا المقال، وكيف لي أن أذهبَ بعيدًا عن رصاصات الأبطال، وهي تلاحق المرتزقة الأنذال، في مواقع أعالي الجبال.
يتبادل المرتزقة، نظرات الريبة، وقد علموا ما حدث وحاق، لإخوانهم في الارتزاق، قبل أيامٍ في أطراف مجازة بعسير، ولكنهم عديمي الحيلة، قليلي الوسيلة.
وأسودُ اليمن من أمامهم، وعبيد الكفيل من خلفهم، والطيران يُحلق فوقهم، يقول أحدهُم:
لماذا لا يشاركنا الجنود السعوديون هنا، أو حتى على الأقل سودانيين؟
فينهره زميله قائلاً:
الهواتف مراقبة يا عبدو، أوزن كلامك، والا تريد يقع لك مثل سعيد ثابت.
وأخذ يضرب راحة كفه اليمنى، بقبضة يده اليسرى…
وفيما وقفَ أحد المرتزقة في أحد المتارس الستة مرددًا:
-أسمع طلقات رصاص.
يرد عليه آخر:
إنها بعيدة جدًا، ولا تنسى أن مجموعة أنس القباطي قدامنا بثلاثة كيلو، ومعه أربعين جندي.
ولم يكمل كلامه إلاَّ وبدأ المجاهدون هجومهم الخاطف، باختطاف ذراعه الأيمن وكبده وعموده الفقري، ويسقط بين دمائه المنسكبة، وبطونه المندلقة، ويحاول زميله إنقاذه، بينما كان الرصاص الملتهب؛ لا يتوقف عن ملاحقة المرتزق الثالث، حتى رمى بنفسه في منحدر صخري عميق.
أمسك أحدهم بجهاز الارسال، ينادي السعاودة أن لديه مصاب يموت، لكنهم أقفلوا الخط في وجهه، بعد أن قالوا:
-ومن يستطع الوصول إلى عندك يا مجنون.
شاهدَت المتارس الخمسة ماحلَّ بالمترس الأول، فحمل اثنان سلاحمها وصندوق رصاصهما، يوليان الدُّبر إلا أنهما يخطوان بخطواتٍ لا توحي بالهرب، والأول ببنطال متهالك، والثاني بمعوزٍ قصير.
انطلقت الرصاصة الأولى وأخذت الأذن اليمنى لأحدهما فسقط أرضًا لثانية، واستعاد نشاطه ككلب صيدٍ ماهر، واستمر في حمل خزنة الرصاص، يسابق الريح أملاً في النجاه، لكن رصاصات أولي البأس استمرت في الملاحقة حتى ابتلعتهما الصخور الحادة…
مرتزق آخر يقلب سلاحه، وتأتيه رصاصة وطنية بين قدميه، فيقذف بنفسه هاربًا بين الصخور.
يصعدُ أحد المجاهدين فوق أحد المتارس مصوبًا رشاشه نحو الفلول الهاربة، فيصيد العشرات، وتنفض جبال عسير نفسها لتتخلص من المرتزقة، وكأنهم قملٌ وقعَ على ثوب أبيض.
يتسابق أرخص العبيد في طريق العودة الترابي، وسيارات مملكة بني سعود لا تلقي لهم بالاً، ولا تأتي لحمل جثثهم أو إنقاذ جرحاهم، وكلما اتصلوا بهم، يكون الرد السعودي:
قاتلوا حتى الموت!
إنه مشهدٌ مؤلم أن ترى بعض أبناء وطنك كالعبيد، يُساقون إلى الموت، دون أن يحصلوا على أدنى حقوق العبيد…
ويصلُ رجال الرجال إلى مواقع الأعداء الموقع تلو الآخر، ويخرجون منها الغنائم الكثيرة.
فيما تستمر الكاميرا بنقل صورة الفارين وهم يسابقون الريح سيرًا على الأقدام في الخط الترابي.
وتمر إحدى السيارات بسرعة فائقة دون أن تتوقف لقوافل الفارين، ولا تأبه لعويلهم المرتفع.
كم أنتُم عظماء أيها المجاهدون الأوفياء. فلله دركم من أبطال، ولله أنتم من أجيال، بكم تفخر اليمن بقبائلها ومدنها وسهولها وجبالها.
لقد كانت الصورة أوضح من كل مقال، ويتجلى فيها قول الكريم المتعال:
(وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا يُنصرون)