صدور كتاب “العلاقات اليمنية – السعودية بين السيادة والوصاية (1974 – 2014)” للباحث ماجد الوشلي عن دار الولاء في بيروت
إن ترسيم الحدود بين السعودية واليمن لم يصل إلى مرحلة من الإعتراف الكامل نظراً للمتغيرات السياسية والديموغرافية والإطماع الاقتصادية التي تحدث من حين إلى اَخر
يأتي صدور كتاب “العلاقات اليمنية – السعودية بين السيادة والوصاية (1974 – 2014)” للباحث اليمني الواعد ماجد الوشلي في وقته المطلوب. فالمكتبة العربية تكاد تخلو بشكل عام من مرجع علمي سياسي يحدد لنا جيوبولتيك اليمن من سكان واقتصاد واستراتيجيا ودولة وقبائل.
يشكل الكتاب الصادر هذا الشهر عن دار الولاء في بيروت، مقدمة ضرورية لفهم الأسباب الحقيقية التي أدت إلى العدوان السعودي على اليمن، فضلاً عن أنه يلامس قلق السعودية التاريخي من تأثير اليمن على أمنها القومي.
تعود الجذور التاريخية للنزاع والخلافات بين البلدين إلى قضية ترسيم الحدود عام 1932. فالنزاع كان قد بدأ بعد استيلاء الملك عبد العزيز على الحجاز وعسير وبعد أن استقل اليمن بزعامة الإمام يحيى حميد الدين بعد انسحاب الأتراك في نهاية الحرب العالمية الأولى في عام 1919. ويرى المؤلف أنه كان في خلفية هذه الخلافات التنافس الديني بين الوهابيين وبين الزيديين.
يمكن لنا أن نقارن التعاطي التاريخي بين السعودية واليمن مثل التعاطي الأميركي مع إيران قبل انتصار الثورة الإسلامية عام 1979. فعلى مدى العقود الماضي كان الساسة السعوديون يحرصون على أن تكون أي سلطة في اليمن موالية لهم وظلوا يرقبون أي تحول في الشأن اليمني ويسعون للتأثير فيه حتى لا يشب عن الطوق ويتجاوز الوضع الذي يجعله يراجع ملفات الماضي ويتفلت من دائرة التأثير التي وضع فيها.
يتوقف المؤلف ملياً كأي كاتب متخصص بالشأن اليميني عند كم الأراضي اليمنية الواسعة من الشمال والجنوب التي استولت عليها السعودية. فلا مجال للحياد عن مشكلة الأراضي اليمنية التي أصبحت ضمن سيادة الدولة السعودية وإلا نكون كمن يتهرب من جوهر المشكلة.
يقول الكاتب: منذ أن عرف العرب الحدود الجغرافية في بلادهم تعمقت لديهم مشاعر الفرقة والإنغلاق. فمن أهم معالم التوتر الدائم في العلاقات السعودية اليمنية أن “المملكة العربية السعودية” إسم يطلق على الأراضي التي استولى عليها سلطان نجد، وشملت، إلى جانب نجد والحجاز، مناطق كانت يمنية هي عسير ونجران وجيزان. فأي مواطن يمني يعرف أن هذه المناطق هي بالأصل أراضٍ يمنية استولت عليها السعودية وهي جزء من نطاقهم الجغرافي وبسببها نشبت حرب بين اليمن والسعودية عام 1932 وانتهت باتفاق الطائف عام 1934
اتفاق الطائف وترسيم الحدود بين السعودية واليمن
صحيح أن اتفاق الطائف الذي وقع في جدة عام 1934 بين السعودية واليمن في عهد الإمام يحيى حميد الدين، أوقف الحرب بين الطرفين، لكن الجميع يعرف أن هذه الإتفاقية لم تنهِ حالة الحساسية والكره بين اَل سعود واَل حميد الدين، فبقيت مستمرة برغم دعم السعوديين لاَل حميد الدين بوقوفهم ضد الثورة اليمنية عام 1962، فقد كان الدعم السعودي للملكيين في اليمن ضد الجمهوريين والثورة يعود إلى اسباب استراتيجية وسياسية بحتة تغلبها المصالح الأمنية والاقتصادية.
هذه الإتفاقية كانت اتفاقية السعودي القوي مع اليمني الضعيف وهذا يجعلها قابلة في أي لحظة للإلغاء وهذا ما يبرره القانون الدولي. ويعرف السعوديون أن هذا قد يحدث يوماً ما. فالكل يعرف أن الإمام يحيى أُكره على قبول هذه المعاهدة بعدما أصبحت قواته بين فكي كماشة: السعوديين من الشمال وبريطانيا من الجنوب.
يقول الوشلي إنه على الرغم من من كل الإتفاقيات وإجراءات الترسيم على الأرض التي قام بها الرئيس السابق علي عبدالله صالح، لا يزال الحديث عن تلك المناطق على أنها جزء لا يتجزأ من اليمن، ولا يزال السعوديون يتخوفون من أي مخاض قد يؤدي إلى فتح ملفات ومراجعة حسابات الماضي.
لذا عملت السعودية على فعل ما بوسعها لوضع العلامات الفاصلة بينها وبين الحدود اليمنية. وقد بدأت السعودية عام 2003 ببناء جدار عازل بين البلدين لإغلاق الحدود فاعترضت اليمن حينها واعتبرت ذلك مخالفاً لاتفاقية جدة عام 2000 فتوقفت السعودية عن بناء الجدار في عام 2004، وحولته إلى حاجز من الأسلاك الشائكة التي تفصل بين البلدين ويصعب تجاوزها.
إن ترسيم الحدود بين البلدين لم يصل إلى مرحلة من الإعتراف الكامل نظراً للمتغيرات السياسية والديموغرافية والإطماع الاقتصادية التي تحدث من حين إلى اَخر.
ويؤكد الوشلي بأن السعودية أكملت توسعها في الربع الخالي اليمني لأن الاتفاقية لم تشمل الحدود الشرقية على الرغم من أن بريطانيا كانت قد رسمت حدود اليمن الجنوبي مع السعودية بما يسمى “خط الاستقلال” الذي جعل إقليمي “شرورة والوديعة” ضمن الأراضي اليمنية.
وبعد إعلان استقلال اليمن الجنوبي عن الإستعمار البريطاني في عام 1967، وقعت أول حرب يمنية جنوبية – سعودية في عام 1972 واستولت السعودية على إقليمي “شرورة والوديعة” وفرضت واقعاً جديداً على الأرض مما غيرت كثيراً من القناعات لدى البلدين في عدم الوصول إلى نتائج إيجابية لحالة الأمن والاستقرار للحدود اليمنية السعودية.
الأهمية الاستراتيجية لليمن
يتوقف مؤلف الكتاب عند الأهمية الاستراتيجية لليمن، فاليمن يشرف على باب المندب الذي يربط المحيط الهندي بالبحر الأحمر ثم بالبحر الأبيض المتوسط، وهو قريب من منطقة القرن الأفريقي، ويشرف على بحر العرب المشرف بدوره على المحيط الهندي.
وقد كان هذا الموقع على الدوام مصدر اهتمام القوى الإقليمية الدولية على مر التاريخ، بحكم أن من يسيطر عليه فإنه يسيطر على أبرز خطوط الملاحة والتجارة الدولية. ولهذا تعرض اليمن على مر التاريخ لغزوات بهدف احتلاله.
يتحدث الوشلي عن مميزات عديدة على المستوى الجيوستراتيجي منها:
1 – يمتاز اليمن بكثافة سكانية حيث وصل عدد سكانه إلى أكثر من 23 مليون نسمة بمعدل نمو نحو 3 في المائة سنوياً.
2- يتبوأ مكاناً جغرافياً هاماً على الصعيد العالمي فهو يشكل الحزام الأمني لشبه الجزيرة العربية، مشكلاً ثاني أكبر دولة في شبه الجزيرة من حيث المساحة بعد السعودية بحدود تبلغ 2000 كيلو متر مربع.
ويستطرد المؤلف بقوله: أنه إذا أردنا نعرف أهمية اليمن يجب ان نعرف أهمية البحر الأحمر الذي من أهم مميزاته أنه يفصل بين ثلاث مناطق استراتيجية في العالم: الخليج الذي يحوي أكبر احتياطات النفط في العالم والشرق الأوسط والقرن الأفريقي. وتطل على البحر الأحمر 9 دول منها 7 عربية وإثنتان غير عربيتين.
ويشرف اليمن على 3 مسطحات مائية: البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب المتصل بالمحيط الهندي وبهذه الحدود يعتبر اليمن دولة بحرية. كل ذلك يعطي اليمن وزناً إستراتيجياً هاماً يمكنه من امتلاك مكانة إقليمية ودولية هامة على صعيد التجارة والسياسات الدولية.
مستقبل العلاقات اليمنية السعودية
يرى الوشلي أن العالم لم يعد محصوراً بقطب واحد هو أميركا ويرى أن العلاقات بين السعودية واليمن في تاريخها الحديث مرت بفترات من المد والجزر.
يطالب الوشلي بأن تبنى العلاقات اليمنية السعودية على أسس سليمة تحقق الأمن والإستقرار. ويؤكد على محددات مستقبل العلاقات السعودية اليمنية:
المحدد الأمني: من خلال شريط حدودي يمتد من البحر الأحمر غرباً حتى سلطنة عمان شرقاً حيث يرتبط اليمن بحدود بطول 1458 كيلومتراً مع السعودية. وذكر أن الرئيس السابق علي عبد الله صالح وجهت له اتهامات بتوفير بيئة مناسبة لتكاثر الجماعات المسلحة مثل تنظبم القاعدة وسيطرتها على مناطق عديدة. ويضاف إلى ذلك انتشار عمليات التهريب والهجرة غير النظامية على طول الحدود اليمنية السعودية.
المحدد السياسي: تولي السعودية اهتماماً كبيراً وتسعى لإقامة علاقات مع من يحكمه، فلا ترتاح السعودية أن يتولى السلطة في اليمن أي طرف لا تطمئن لتوجهاته بما يعني أن تكون السعودية راضية عن الشخصية التي تستطيع فرض وصايتها الكاملة عليه في تحديد مصير اليمن. وهذا الأمر يجعل العلاقات اليمنية السعودية في مفترق طرق وتبقى حالة التوترات مستمرة بين البلدين.
المحدد الأيديولوجي: إن الاختلاف الأيديولوجي بين السعودية واليمن يمثل تحدياً اَخر، فاليمنيون يعتنقون الفكر الزيدي والشافعي منذ مئات السنين، بينما السعودية تعتنق الفكر الوهابي الذي تطمح في تصديره إلى اليمن كي يبقى الدولة الوهابية الثانية بعد السعودية.
يخلص الكاتب إلى أن العلاقات بين السعودية واليمن هي علاقة قدرية وليست اختيارية، تحكمها حقائق التاريخ والجغرافيا والمجتمع ضمن إطار المصير المشترك، وتتم في إطار تحقيق المزيد من التنسيق والشراكة والتكامل على جميع الصعد الاقتصادية والسياسية والأمنية وكل ما يهم البلدين.
المصدر :الميادين نت