صدمة كبيرة لسوق الطاقة العالمي.. هل أدّت الهجمات الأخيرة إلى انهيار استراتيجية “ترامب” النفطية ؟
في صباح يوم السبت الماضي، تعرّض حقلا “بقيق” و”خريص” النفطيان الواقعان في شرق السعودية لهجمات بطائرات من دون طيار أطلقها سلاح الجو المسيّر التابع لقوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية ولقد كانت هذه الهجمات مفاجئة ودقيقة لدرجة أن الخبراء العسكريين السعوديين والأمريكيين رفضوا الاعتراف بأن هذا الهجوم تم تنفيذه من قبل قوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية “أنصار الله”، بل إنهم سارعوا إلى توجيه أصابع الاتهام نحو إيران.
ولقد أدّت هذه الغارات التي نفّذتها الطائرات من دون طيار التابعة لسلاح الجو اليمني إلى إحداث تغيير كبير وخطير في أسعار النفط في الأسواق العالمية وذلك نظراً لعجز واشنطن والرياض عن إدارة إمدادات النفط العالمية، واكتفوا بالقيام بالعديد من المناورات الدعاية لاحتواء الأزمة التي حدثت في أسواق النفط.
أسواق النفط بعد الهجمات الأخيرة
يقع مجمع مصفاة الظهران والذي يعدّ أكبر مصفاة في العالم، على بعد 60 كيلومتراً من مصفاة “بقيق”، وهنا تجدر الإشارة إلى أن مصفاتي “بقيق” و”خريص” تتبعان شركة النفط السعودية العملاقة “أرامكو” والتي تملك 99 في المئة من النفط السعودي و 25 في المئة من احتياطيات العالم من النفط، لذلك أدّى هجوم يوم السبت الماضي إلى توقف إمدادات النفط السعودية وخلق حالة من الضياع لدى المسؤولين الأمريكيين والسعوديين.
يذكر أن الطاقة الاستيعابية لمصفاة “بقيق” والتي تعتبر أكبر مصفاة للنفط الخام في مدينة الرياض تبلغ نحو 7 ملايين برميل في اليوم.
ومن ناحية أخرى، استثمر السعوديون 3 مليارات دولار في حقل “خريص” النفطي لتغطية العجز في أسواق النفط العالمية بعد فرض أمريكا للكثير من العقوبات النفطية على إيران وفنزويلا ولقد جاءت هذه الزيادة في العرض السعودي بالتنسيق مع أمريكا والكيان الصهيوني لتوجيه ضربة قوية للاقتصاد الإيراني.
ولقد عرضت شركة “أرامكو” مؤخراً 5 في المئة من أسهمها للبيع بقيمة 2 تريليون دولار، تماشياً مع سياسة “ابن سلمان النفطية”. وفيما يتعلق بالآثار السلبية لهذه الهجمات على أسواق النفط العالمية، قالت شركة “آسبكت إنرجي” البريطانية، بأن الهجمات الأخيرة أدّت إلى توقف إنتاج 18 في المئة من الغاز الطبيعي وحوالي 50 في المئة من المنتجات البترولية السعودية.
بالطبع، لقد تجاوزت آثار تلك الهجمات كل التحليلات والتوقعات التي تم نشرها في الساعات الأولى، حيث ارتفعت أسعار النفط في الأسواق العالمية بشكل غير متوقع من 18 ٪ إلى 20 ٪.
ولقد أفادت وكالة الأنباء السعودية الرسمية أن إنتاج السعودية من النفط انخفض بنحو 5 ملايين برميل في ذلك اليوم نتيجة لضربات الطائرات من دون طيار التي استهدفت حقلي “بقيق” و”خريص” السعوديين وهذا العجز شكّل حوالي نصف الإنتاج اليومي السعودي من النفط ولقد توقّعت وكالة رويترز للأنباء بعد يوم من وقوع تلك الغارات بالطائرات من دون طيار، بأنه إذا فشلت السعودية في حماية منشآتها النفطية من هجماتها الطائرات من دون طيار اليمنية خلال الفترة المقبلة، فإن سعر برميل النفط قد يصل إلى 100 دولار.
احتياطيات النفط الاستراتيجية
أعربت أمريكا مراراً وتكراراً عن استعدادها لاستخدام احتياطياتها النفطية الاستراتيجية لمواجهة آثار أزمات الطاقة العالمية.
بالطبع، لم تحدّد واشنطن الرقم الدقيق لاحتياطياتها النفطية، وحول هذا السياق، ذكر العديد من الخبراء الاقتصاديين بأن احتياطيات النفط الاستراتيجية لأمريكا تتراوح بين حوالي 660 مليون برميل إلى 770 مليون برميل من النفط الخام.
وفي بداية إعادة فرض العقوبات النفطية على إيران، سمح الرئيس الأمريكي “ترامب” بسحب مئتي مليون برميل من هذه الاحتياطيات لمعالجة العجز في الأسواق العالمية، وتجدر الإشارة هنا إلى أنه على المدى القصير يمكن لهذه الاحتياطيات أن تحافظ على الاستقرار في سوق النفط العالمي، حيث تجاوز إجمالي استهلاك النفط في العالم مئة مليون برميل في عام 2018، ولقد تم تصدير أكثر من نصف هذه الكمية من النفط إلى دول أخرى وتعتبر السعودية من أكبر الدول المصدّرة للنفط في العالم حيث تصدّر يومياً أكثر من 8 ملايين برميل من النفط.
وعلى الرغم من أن أمريكا لها القدرة على إنتاج النفط الصخري إلى جانب النفط الخام، إلا أنها لا تزال غير مستعدة تماماً للتعامل مع الجزء الأكبر من صادرات النفط في العالم، لذلك فلقد سمح الرئيس “ترامب” باستخدام الاحتياطيات الاستراتيجية من النفط بعد الضربات الأخيرة على حقلي “بقيق” و”خريص” السعوديين لتخفيف الاضطرابات في سوق النفط العالمي.
وحول هذا السياق، دعا رئيس شركة النفط الوطنية النيجيرية “مولاي كاري”، إلى الاخذ على محمل الجد الأضرار التي تسبّبت بها تلك الهجمات على أسواق النفط العالمية ووصف هذا الأمر بأنه تحدٍّ لهذه الأسواق.
وفي سياق متصل، أعرب بعض الخبراء الاقتصاديين أن إصلاح الدمار الذي تسبّبت فيه ضربات الطائرات من دون طيار اليمنية على مصفاتي “بقيق” و”خريص” قد يستغرق شهوراً وفي هذه الحالة، فإن سحب الاحتياطيات الاستراتيجية الأمريكية في مثل هذا الوقت لن يكون متوافقاً مع المصالح الأمريكية الحيوية.
كما أن مصافي تكرير النفط في الهند وإندونيسيا وأوروبا، التي كانت تأخذ خلال الفترة الماضية النفط من منطقة الخليج الفارسي، لا يمكنها أن تتكيف بسرعة مع نوع الخام الأمريكي المخزّن.
وفي السياق ذاته، قال “أبو الفضل حسن بيجي”، عضو لجنة الأمن القومي بالبرلمان الايراني: “أعلنت أمريكا لحلفائها الأوروبيين أنها ستستخدم احتياطياتها النفطية الاستراتيجية لمنع ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية ولكن بالنظر إلى أننا على وشك الدخول إلى موسم الشتاء، فإنه سيكون من الصعب على الدول الأوروبية والأمريكية استخدام احتياطياتها الاستراتيجية من النفط على المدى الطويل، وبالتالي فإن أسعار النفط سترتفع بشكل كبير.
ومن ناحية أخرى، هدد ترامب مؤخراً بأنه سيوجّه ضربة عسكرية على المتسبب بهذه الهجمات ومثل هذا الحديث لن يساعد في استقرار سوق النفط، بل إنه سوف يؤدي إلى زيادة الأسعار في الأسواق العالمية.