صحيفة جزائرية : اليمنيون يبرهنون على قوتهم في البحر والجو أيضا وقريباً في البر : مسيّرات “أنصار الله” وثغرة النقطة العمياء.. هل تجاوز لَهَبُ “الحديدة” الخطوط الحمراء؟

مسيّرات “أنصار الله” وثغرة النقطة العمياء.. هل تجاوز لَهَبُ “الحديدة” الخطوط الحمراء؟

نفّذ اليمنيون ضربة نوعية في عمق الكيان الصهيوني، وذلك من خلال استهداف مستوطنة “تل أبيب” بمُسيّرة أصابت هدفها بدقة. وردّ الاحتلال الصهيوني بضربة استعراضية، حاول من خلالها إيهام الرأي العام لديه بأنه استعاد – ما فقده إلى الأبد – “قوة الردع”، تلك التي تآكلت ولم يبق منها إلا ما يسمح لمجرمي حرب الإبادة بتنفيذ مجازرهم اليومية ضد الأطفال والنساء في “غزة”، وما بين هجوم مُسيّرة “يافا” اليمنية والرد الصهيوني الأرعن، ينشقّ المشهد عن صورة مرعبة للكيان وأعوانه، توحي بإمكانية أن يعمّ “طوفان الأقصى” كل المنطقة، ما ينذر بحرب كبرى يصعب توقّع حدودها وتبعاتها.

 

كلما ارتفع صوت في مستوطنة “تل أبيب” – وكل الكيان الصهيوني- يتحسّس الإسرائيلي رأسه، فالضربة النوعية التي نفذها اليمنيون في عمق الكيان – فجر الجمعة 19 جويلية – بمسيّرة “يافا” اليمنية القادرة على التخفِّي عن الرادار، ما هي إلا “الطلقة الأولى”، التي فتحت المجال لمرحلة جديدةً من معركة “طوفان الأقصى” المتواصلة منذ الـ 7 من أكتوبر 2023.

لقد برهن اليمنيون على قوتهم – ليس في البحر فحسب – بل في الجو أيضا، وربما لاحقا في البر، وبالمقابل، تأكد الفشل الصهيوني، وسقطت خرافة “الجيش الذي لا يقهر”، “فمن يفقد الردع في الشمال والجنوب يفقده أيضا في قلب “تل أبيب”، مثلما يقول زعيم المعارضة الإسرائيلية “يائير لابيد”.

و”من لا يمنع الصواريخ عن “كريات شمونة” و”إيلات” يجب ألا يتفاجأ بوصولها” إلى عاصمة الاحتلال، وفق تعبير عضو “الكنيست” “بيتنا”، “أفيغدور ليبرمان”، أما صحيفة “معاريف” فعلّقت قائلة: “كالعادة، بعد الفشل، يختفي نتنياهو ويرسل المذنبين المعتادين (أي المتحدث باسم الجيش) من أجل التحدّث إلى الجمهور”، أو بالأحرى لمواصلة الكذب.

وأمعنت وسائل إعلام “إسرائيلية” في قراءة طبيعة هذا الهجوم اليمني بالقول: “اليوم تل أبيب، وغدا منصة الغاز”، وتساءل إعلاميون عن مدى قدرة الكيان على ردع عمليات مماثلة مستقبلاً، بعد فشل تحالفات “عربية” وغربية في ردع المسيّرات اليمنية، وظهر من بين العناوين البارزة بالخط الأحمر: “يا له من كيان وهم وندم”.

وعلّقت منصة إعلامية “إسرائيلية” على ارتباك الناطق باسم “جيش” الاحتلال إزاء العملية، حين قال: “أولاً: لا توجد إشارة إلى اختراق من البحر”، مستخدما عبارات مثل: “لم نرَ”، “لم نسمع”، “سنفحص”، “سنوضح”، ثمَّ فجأةً – يضيف الموقع – قال المتحدث متعجبا وكأنه أمام معجزة: “حقا، لقد رأينا وسمعنا”، وتساءلت المنصة “الإسرائيلية”: “أيّ متحدّث باسم الجيش الصهيوني يجب أن نصدّق؟ ذلك الذي لا يعرف، أم ذلك الذي يُهدّئ؟”.

وعلى أية حال، فلا جدوى من أن يستمر “الإسرائيليون” في الجدال، فقد ظهر الرجل الذي يصدّقه الجميع، إنه المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد “يحيى سريع”، فقد كان سريعا – بالفعل – في تبنّي تنفيذ سلاح الجو المُسيّر عملية عسكرية نوعية، تمثلت بضرب أحد الأهداف المهمة بمنطقة “يافا” المحتلة: “تل أبيب”.

أما صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، فقد تحدثت – في تقرير ٍ- مع خبراء ومحللين عسكريين حاولوا الإجابة عن سؤال يؤرّق الصهاينة: كيف تمكّنت المسيّرة اليمنية من تجاوز الرادارات وتفادي الدفاعات والوصول إلى الهدف، والأكثر من ذلك فضح منظومة الدفاع الجوي لدى الكيان الصهيوني.

وتساءلت الصحيفة أيضا عما إذا كانت مسيّرة “يافا”، “أنموذجا جديدا من الطائرات الخفية”؟، معتبرة أن العملية اليمنية أظهرت “ضعفا إسرائيليا” في أسلحة الكشف عن تهديدات مثيلة، وأورد تقرير الصحيفة تحليلاً لخبير الطائرات دون طيّار في شركة “جاينز” البريطانية للاستخبارات الدفاعية، “جيريمي بيني”، قال فيه “من المؤكد أن التصميم يأتي من إيران، لكن يبدو أن هناك بعض الأدلة على أن التصميم يتم إنتاجه جزئيا على الأقل في اليمن”.

وحول هذه الجزئية المتعلقة بإيران، أكد قائد القوة البحرية في حرس الثورة الإسلامية في “طهران”، العميد “علي رضا تنكسيري”، أنّ محور المقاومة لن يصمت أمام استمرار الجرائم بحق قطاع “غزة”، قائلا في تصريح صحافي – يوم الثلاثاء 23 جويلية – إنّ “حزب الله لبنان الشجاع، واليمن البطل، والعراق المقاوم، دخلوا جميعهم ساحة الصراع”، مشيرا إلى أنّ الاعتداءات الصهيونية على محور المقاومة والتي أدّت إلى استشهاد الآلاف من الأبرياء، زادت من عزيمته.

وأضاف “تنكسيري” أنّ فصائل المقاومة تتحرك بما يمليه عليها ضميرها أمام ما يحدث من ظلم، و”تردّ بحسم على الأعداء، وتبدو أقوى وأكثر عزما كلما حاولوا استهدافها”، أما بشأن العدوان الصهيوني الأخير على اليمن، أكد “تنكسيري” أن ضرب البنى التحتية في “اليمن” ليس بطولة، والمقاومة في “اليمن” مستمرة.

وشدّد على أنّ “أنصار الله” في اليمن مستمرون في التحرّك معتمدين على إمكاناتهم وقدراتهم المحلية في تصنيع الأسلحة، نافيا مزاعم أن يكونوا مرتهنين للآخرين، وتابع، في سياقٍ متّصل، أنّ “أبناء محور المقاومة يعتمدون على إمكانياتهم وما المزاعم التي تقول أنهم مرتهنون للغير إلا حجج ينشرها من لا يستطيع التغلّب عليهم”، وأكد قائد القوة البحرية في حرس الثورة الإسلامية في إيران أنّ الأوضاع الحالية تعكس إصرار محور المقاومة على مواجهة اعتداءات “إسرائيل” وظلمها.

صنعاء تطلق النسخة اليمنية من “طوفان الأقصى”

وإذا كان لابدّ من وضع وصف دقيق للعملية اليمنية، فإنه ذلك الذي استخدمه مسؤول كبير في “جيش” الاحتلال الصهيوني، حين قال إنها بمثابة “7 أكتوبر جديدة، بالنسبة إلى الدفاع الجوي الصهيوني”، وقال المسؤول – بحسب ما نقلت “كالكاليست” الاقتصادية الإسرائيلية – إنّ نجاح اليمن في إصابة “تل أبيب” بمسيّرة هو “فشل مدوٍ لنظام الدفاع الجوي والذي يمثّل نهاية عصر السماء النظيفة” الذي كانت تتغنّى به “إسرائيل” لعدّة سنوات.

يبدو أن اليمنيين مصمّمون على إعادة ضرب مستوطنة “تل أبيب” الصهيونية، ما يشكل معادلة جديدة تقوم على معطيات تفيد في مجملها أن ما يُسمّى “الردع الصهيوني” قد تآكل وبات “نتنياهو” أمام محطة مختلفة بعد انسحاب “بايدن” من السباق الرئاسي، فهل حان وقت خلط الأوراق ودخول “إسرائيل” مرحلة جديدة في المواجهة تجعلها مرغمة على خوض حرب استنزاف على ثلاث جبهات: غزة، لبنان، اليمن.

لقد تسبّب “طوفان الأقصى” في إحداث هيجان حاد في المخيّلة الصهيونية ما جعل قادة الكيان – وعلى رأسهم مجرم الحرب نتنياهو – يندفعون إلى الردود المتسرّعة وبأقصى قدر من القوة، لكن دون تحقيق نتائج، باستثناء أنهم – في غزة – قتلوا بأبشع الطرق عشرات الآلاف من المدنيين – أغلبهم من الأطفال والنساء – ليغطوا عن فداحة هزيمتهم أمام رجال المقاومة، وهو بالضبط ما فعلوه أيضا من خلال الرد على “اليمن”، لكن هذه المرة بأسلوب مختلف.

فبعد يوم واحد، من الضربة اليمنية النوعيّة، في قلب مستوطنة “تل أبيب”، نفذت المقاتلات الصهيونية، سلسلة غارات على ميناء مدينة “الحديدة” غربي اليمن، لتكون هذه الضربة، هي الأولى التي يوجّهها الاحتلال الصهيوني إلى اليمن، بعد أن كان الرد العسكري على هجمات مقاتلي “أنصار الله” يأتي على يد الولايات المتحدة ومن ورائها التحالف الدولي الذي تقوده “واشنطن” في البحر الأحمر والمُسمّى “تحالف حارس الازدهار”.

هذا الهجوم العسكري الصهيوني المباشر، أخذ طابعا استعراضيا، حين ألحق بعض الأضرار بمحطة توليد للكهرباء ومنشآت لتخزين النفط وما يوصف – في الصحافة الإسرائيلية – بأنه مستودعات أسلحة يخزّنها اليمنيون قرب ميناء “الحديدة”، ولكن بالنسبة إلى اليمنيين، كان هذا الهجوم الصهيوني مُتوقّعا، والهدف منه الحصول على صورة حريق هائل يتم تسويقها في الداخل “الإسرائيلي” على أنها دليل على استعادة قوة الردع المفقودة.

إنّ الاحتفاء المبالغ فيه على المستويات الأمنية والعسكرية والسياسية والإعلامية لدى الكيان تبيّن أن “نتنياهو” أراد من هذا المشهد الاستعراضي إقناع “الإسرائيليين” بأن لديهم جيشا ما زال يمتلك فائضا من القوة تسمح لهم بأن يكونوا في مأمن، وذلك في محاولة لرفع شعبيته المتراجعة وفقا لاستطلاعات الرأي التي تشير إلى فقدان “الإسرائيليين” ثقتهم في إمكانية تحقيق أبسط النتائج الملموسة في الحرب على “غزة”، وكذلك على الجبهة اللبنانية.

لقد تلاشت العقيدة الأمنية الصهيونية التي تعتمد على الإنذار المبكر والحسم في المعركة منذ البداية ثم نقلها إلى منطقة الخصم، وهكذا كان لا بد من خلق مشهد تهويلي يحمل اسم “الذراع الطويلة” للتعبير عن قدرة الكيان المزعومة على الوصول إلى الأهداف البعيدة، لكن “إسرائيل” ذاتها تبدو للعالم ضحية “الذراع الطويلة” اليمنية التي ضربت بحنكة وذكاء ودقة عالية مستوطنة “تل أبيب”، وقبل ذلك كانت قد تسببت على مدار أشهر في إحداث خسائر فادحة على مستوى ميناء “إيلات” (على البحر الأحمر) حين منعت السفن من الوصول إليه.

ومنذ 31 أكتوبر الماضي، بدأ اليمنيون عملياتهم التي تشمل قصف الكيان وكل السفن التي لها ارتباط به في البحر الأحمر، عندما أعلنوا انخراطهم في الحرب ضد الاحتلال “انتصارا للمظلومية التاريخية للشعب الفلسطيني”، والآن بات في مقدور اليمنيين إجبار الكيان على تحمّل ضغط المخاوف من هجمات مماثلة قد تحدث في أي لحظة، خصوصا إذا تم تنفيذها – على غرار الهجمات الإيرانية في 14 أفريل 2024- بشكل مكثّف ومتزامن وعلى مراكز حضرية أو منشآت صناعية واقتصادية، ما سيزيد من الاستنفار الذي يؤثر في بنية المجتمع “الإسرائيلي” وروحه المعنوية.

لقد تسبّبت ضربات اليمنيين – خصوصا ضربة “تل أبيب” – في حالة من الهلع والصدمة داخل الكيان، وعمّقت الشكوك حول قدرات الجيش الصهيوني والخلافات بين قيادته بعد ثبوت الارتباك في التعامل مع مجريات الحرب في “غزة” وجبهة “لبنان”، ويؤكد موقع “والا” (الإسرائيلي) أن ما حدث، على يد اليمنيين، هو فشل لسلاح الجو في الدفاع عن الجبهة الداخلية، متسائلا: “ما التهديد الذي تمّ بناء سلاح الجو من أجله في العقد الماضي؟”.

لماذا يخش “نتنياهو” بطش اليمنيين؟

يقول اليمنيون إنّ عملية “تل أبيب” هي باكورة عمليات تصعيدية ضد الاحتلال الصهيوني، على اعتبار أن القادم سيكون أكبر، ويشدِّدون على أنّ “صنعاء لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء مجازر العدو في قطاع غزة، بل ستستمر في استهداف رمزية صنع القرار في (تل أبيب)”، ما ينذر باتساع معركة “طوفان الأقصى” – برا وبحرا وجوا – خصوصا أن اليمنيين يقاتلون انطلاقا من واجبهم الديني والأخلاقي والإنساني، ردا على المجازر المروعة بدعم من حلفاء العدو الصهيوني.

وقد أكدت صحيفة “هآرتس” (الإسرائيلية) أنّ “نتنياهو”، يخشى بطش اليمنيين، وأنه لو استطاع، لكان قد تهرّب من الرد هذه المرة أيضا، كما كان يفعل دائما، ففي مقال للمحلل الاقتصادي “نحميا شترسلر”، بعنوان “بيبي خائف أيضا من اليمنيين”، استعادت الصحيفة لحظة دخول القوات المسلحة اليمنية معركة “طوفان الأقصى” للمرة الأولى، في 19 أكتوبر 2023، من خلال إطلاق 4 صواريخ “كروز” وعدّة طائرات مسيّرة على “إيلات” (أم الرشراش).

ورأت الصحيفة أن السفينة الحربية التي أرسلها الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى البحر الأحمر، لم تلحق ضررا حقيقيا باليمنيين، ففهم العالم على الفور أنّ “إسرائيل” ضعيفة ومستباحة، وبحسب “شترسلر”، فإن خوف “نتنياهو”، وإحجامه عن الرد بقوة غير متناسبة، وتركه الأمر للأمريكيين والبريطانيين لحماية “إسرائيل”)، حوّل “إسرائيل” إلى “الصبي المضروب في الشرق الأوسط”، المحاط بحلقة من النار.

ورأى “شترسلر” أنّ اليمنيين أدركوا ضعف “نتنياهو”، فأطلقوا نحو الكيان 200 صاروخ وطائرة مسيّرة في الأشهر الـ9 الماضية، وهاجموا السفن في البحر الأحمر من أجل شل حركة الملاحة البحرية إلى ميناء “إيلات”، وقد نجحوا في ذلك، واعتبر “شترسلر” أن الهجوم اليمني كان دليلاً دامغا على أن “سياسة الاحتواء الجبانة” التي ينتهجها “نتنياهو” لم تفلح مع اليمنيين، كما لم تفلح مع “حماس” أو “حزب الله” أو “إيران”، مذكّرا بادّعائه أنّ “حماس” مردوعة قبل 7 أكتوبر، وبتزوّد “حزب الله” بـ130 ألف صاروخ، وبفشل “نتنياهو” في مهمته الرئيسة ضد “إيران” وهي وقف برنامجها النووي.

وشدّد “شترسلر” على أنه لو كان باستطاعة “نتنياهو” التهرب من الرد هذه المرة أيضا لفعل، ولكن الهجوم هذه المرة كان على المركز الاقتصادي – المالي – التكنولوجي لـ “إسرائيل”، وعلى الرغم من أن “نتنياهو” كان جبانا ضعيفا، إلا أنه أدرك أنه إذا لم يردّ، فستستمرّ الهجمات، وستصاب “تل أبيب” بالشلل، وسيجد الاقتصاد نفسه في أزمة ضخمة وبطالة رهيبة من شأنها أن تعرض كرسيّ “نتنياهو” للخطر.

وتوقّفت الصحيفة عند ادّعاء “نتنياهو” الدائم بأنه “الرجل القوي”، وعند الهوة التي تفصل بين خطابه وبين أدائه على الأرض، وذكّرت بهجومه على “نفتالي بينيت” و”يائير لابيد”، أثناء تولّيهما الحكم، من زاوية ضعفهما أمام “إيران”، ثم قوله “في الشرق الأوسط، يقدّرون القوي والمصمم، وليس الضعيف والواهن”.

وأكدت الصحيفة أنّ “نتنياهو” ليس الأقوى والأكثر تصميما، بل الأضعف والأوهن، وأنّ “حماس” هاجمت “إسرائيل” في 7 أكتوبر بعد أن فهم “يحيى السنوار” منذ فترة طويلة أنه لا توجد صلة بين تهديدات “نتنياهو” الخطابية وبين أفعاله على الأرض.

وبالعودة إلى العدوان الصهيوني على ميناء “الحديدة”، أكدت الصحيفة أن سجالاً اندلع حول حفاظ “إسرائيل” على الغموض أو إعلان مسؤوليتها عن الهجوم علنا، وأن “نتنياهو” حسم الأمر لصالح نشر علني مكثف، لمبررات شخصية، حيث كان المهم بالنسبة إليه استعادة صورة “الرجل القوي” التي انهارت في 7 أكتوبر.

وختمت الصحيفة بالتأكيد أنّ “الرجل القوي”، الذي يبحث عنه الناخب الإسرائيلي، كان سيهاجم “اليمن” في وقت مبكر من 19 أكتوبر، أو بعد ذلك مباشرة، عندما أمطر اليمنيون “إسرائيل” بـ200 صاروخ وطائرة مسيّرة، و”لأنه لم يفعل، فقد حصل الهجوم على (تل أبيب)، الذي أثبت مرة أخرى أن نتنياهو أحقر رجل في تاريخ الكيان، وأنه ضعيف ومُسوّف وجبان أيضا”.

ومن جانبه، قال “حزب الله” اللبناني، في بيان، إن استهداف الاحتلال الصهيوني لليمن “تأكيد لا لبس فيه للأهمية القصوى لجبهات الإسناد في كل المنطقة، ودورها ‌‏العظيم في الدفاع عن الشعب الفلسطيني”، وأضاف “حزب الله” أن “الخطوة الحمقاء التي أقدم عليها العدو الصهيوني هي إيذان بمرحلة ‏جديدة ‏وخطيرة من المواجهة بالغة الأهمية على مستوى المنطقة برمتها”.

كما أدانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ما وصفته بـ “العدوان الإسرائيلي الغاشم على سيادة الجمهورية اليمنية، واستهداف منشآت نفطية ومدنية منها الميناء ومحطة الكهرباء في الحديدة”، واعتبرت “حماس” أن الهجوم على اليمن “محاولة يائسة لثَني قوى المقاومة الحرة في الأمة، عن أداء واجبها المقدس نحو القدس والشعب الفلسطيني المظلوم الذي يتعرض لحرب إبادة نازية”.

ماذا عن ترسانة اليمن التي ترعب “إسرائيل”؟

كانت الطائرة المسيّرة اليمنية “يافا” قد اخترقت أجواء فلسطين المحتلة من جهة البحر، فجر الجمعة 19 جويلية، وسقطت في شارع “شالوم عليكم” في “تل أبيب”، ما أدّى إلى وقوع أضرار كبيرة نتيجة اصطدامها بأحد المباني، واعترف الاحتلال بقتيل، ووقع الانفجار في أحد أضخم شوارع “تل أبيب” وفي منطقة أمنية تعجّ بالأبراج والسفارات والدفاعات الجوية الإضافية، لا سيما القنصلية الأمريكية التي تبعد عشرات الأمتار عن مكان الانفجار.

وبعدها، استهدفت غارات صهيونية معادية، يوم السبت 20 جويلية، منشآت تخزين النفط في ميناء “الحديدة”، غربي اليمن، في عدوان تبنّاه المتحدث باسم “جيش” الاحتلال، وأكدت وزارة الصحة اليمنية أنه أسفر عن ارتقاء 6 شهداء وأكثر من 80 جريحا.

وأكد قائد “حركة أنصار الله”، يوم الأحد 21 جويلية، أنّ “العدو الصهيوني اختار أهدافه في الحديدة في سياق استهداف الاقتصاد اليمني”، وأنّ “لديه هدفا آخر، استعراضي، وهو مشاهد النيران والدخان المتصاعد لتصوير ضربته بصورة الإنجاز الكبير”، موضحا أنّ “العدو يريد من مشاهد النيران أن يصوّر لجمهوره الغاضب والخائف أنه حقّق إنجازا كبيرا ووجّه ضربة موجعة لليمن”.

وعلى الرغم من العدوان الصهيوني، أكد قائد “حركة أنصار الله” قائلاً إنّ “العدو لم يعُد آمنا فيما يُسمّى (تل أبيب)، وهي مشكلة حقيقية للعدو ومعادلة جديدة ستستمرّ بإذن الله، وتدلّ على فشل الحُماة والعملاء”.

بات كل العالم يدرك أن قتل الأطفال في “غزة” ليس دليل انتصار، وأن ضرب الأهداف الاقتصادية التي تقدم الخدمة للمواطنين هو عمل يجب أن تخجل منه “إسرائيل”، كما عليها أن تخاف بشدة من مقاتلي “أنصار الله” الذين لديهم أوراق القوة المتاحة في استخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية التي يمكن أن تضرب أهدافا داخل الكيان، إضافة إلى استهداف السفن في البحر الأحمر أو خليج عمان أو بحر العرب.

تزايدت تصريحات قادة “أنصار الله” التي تتوعد بالرد على غارات الطيران الحربي الصهيوني التي استهدفت منشآت حيوية في مدينة الحديدة غربي اليمن، وشددت التصريحات على أن المواجهة مع “العدو الصهيوني ستكون مفتوحة وبلا حدود ولا خطوط حمراء”، وتوعّدت حركة “أنصار الله” بأن قادتها لن يلتزموا “بأي من قواعد للاشتباك”، وأنهم يمتلكون بنك أهداف داخل العمق الصهيوني، وأن “المفاجآت ستكون كبيرة”.

وكان معهد أبحاث الأمن القومي الصهيوني قد نشر تقريرا يفيد بأن اليمنيين يمتلكون في الواقع ترسانة من الصواريخ الباليستية وصواريخ بحر، وأسطولا للطائرات المسيّرة الهجومية، ما يؤكد أن طبيعة الرد لن تقتصر على شكل واحد، وتضم ترسانة “اليمن” الصاروخية نماذج كثيرة، بعضها تم تطويره في البلاد بمساعدة “إيران”، كما يمتلك اليمنيون صواريخ استولوا عليها عام 2014، وفق تقرير صحيفة “يديعوت أحرونوت”.

وبشيء من التفصيل، نشر مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، ومقره “الدوحة”، تقريرا أشار فيه إلى أن ترسانة “اليمن” تضم صواريخ باليستية متقدّمة يصل مداها إلى 2000 كيلومتر، بالإضافة إلى ذلك، لدى “صنعاء” صاروخ “طوفان” و”قدس-4″، وهما من الصواريخ الإيرانية المتقدّمة من الطراز “غدير- إف” و”شهاب-3″، كما لديها أيضا تشكيلة غنية من صواريخ “كروز”، يبلغ مداها حوالي 2000 كيلومتر ووزنها نصف طن.

وإلى جانب ذلك، تمتلك “اليمن” تشكيلة هائلة من الطائرات المُسيّرة، منها: “صماد 3″ التي يتراوح مداها بين 1500 و2000 كيلومتر، و”صماد 4” التي يصل مداها إلى أكثر من 2000 كيلومتر. ويُضاف إلى ذلك الطائرة المسيرة “وعيد” التي يبلغ مداها 2500 كيلومتر، والتي يمكنها الوصول إلى مستوطنة “تل أبيب”.

أما القوة البحرية، فيمتلك اليمنيون ترسانة تضمّ نحو 10 أنظمة صاروخية مختلفة، بما في ذلك صواريخ باليستية مضادّة للسفن يصل مداها إلى 500 كيلومتر، وصواريخ “كروز” يصل مداها إلى 800 كيلومتر، ويمتلكون زوارق انتحارية من نوع: “ندير”، و”عاصف”. بالإضافة إلى ذلك، لدى اليمنيين وحدات بحرية أثبتت براعتها في الماضي.

السؤال المطروح في “إسرائيل“..

ماذا تعني مواجهة “أنصار الله”؟

أفاد المحلّل السياسي الفلسطيني، مأمون أبو عامر، بأنّ الصراع في قطاع غزّة، إن كان في مظهره صراعًا محليًا، إلا أنّه في حقيقة الأمر بدأ يتمدّد إلى أن أخذ امتداداته الجيوإستراتيجية في المنطقة ككل، فالعملية التي نفذتها قبل أيام جماعة أنصار الله اليمنية وضربت من خلالها العمق الإسرائيلي بعد قصف مبنى في وسط تل أبيب أدى إلى مقتل عسكري إسرائيلي وسقوط عدة جرحى، كانت بالنسبة إلى الجانب الإسرائيلي بمثابة سابع أكتوبر جديد، حيث أنه ولأول مرة تصل طائرة مسيرة من اليمن إلى الأراضي المحتلة بعد حوالي أكثر من تسعة أشهر، والأكثر من ذلك أنها تمكنت ونجحت في اجتياز كافة أنظمة الرقابة والرصد والتصدي وكذا منظومات الدفاع الصاروخية الإسرائيلية سواء كان ذلك على المستوى البعيد أو المتوسط.

وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ أبو عامر، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، بأنّ كل المنظومات الدفاعية الإسرائيلية على غرار القبة الحديدية والعصا السحرية وغيرها فشلت فشلا ذريعا في التصدي لهذه العملية، بالإضافة إلى منظومات الدفاع الصاروخية الأمريكية والبريطانية وكذا الفرنسية والألمانية الموجودة في البحر الأحمر، التي نجحت هذه الطائرة المسيرة التي تحمل اسم “يافا” في تجاوزها أيضا، بل إنّ تحليلات أشارت إلى أنها اجتازت مسارات متعرجة وهذا ما يقلق الإسرائيليين.

وكشفت تقارير نشرتها صحف إسرائيلية، عن فشل قيادة الاحتلال في معرفة سبب عدم قدرة الدفاعات الجوية على اكتشاف الطائرة، حيث اعتبرت أنّ هذه الموازين للعملية اليمنية لم تواجهها دولة الاحتلال و”جيشها” وسلاح الجو من قبل، قائلة: “إنه بعد جوي جديد يتحدى قدرات سلاح الجو و”الجيش” الإسرائيلي بأكمله”.

في السياق ذاته، أشار محدثنا إلى أنّ الردّ الإسرائيلي على هذه العملية النوعية جاء بشكل استعراضي وغير متناسق بالنسبة إلى مقتل إسرائيلي واحد جراء هذه الضربة، لكن ما يفسر الرد الإسرائيلي الاستعراضي، هو أنّ الكيان الصهيوني أخذ بعين الاعتبار نوعية العملية وكذا المكان الذي نفذت فيه ونتحدث هنا عن قلب تل أبيب، التي تعتبر منطقةً حساسة وإستراتيجية بالنسبة إلى الكيان الصهيوني، وكذلك من الناحية الاقتصادية باعتبارها مركزا للأعمال التجارية في “إسرائيل” حتى إنها تتجاوز القدس نفسها، وبالتالي وجد الجانب الإسرائيلي أنّ هذه الضربة أصابته في الصميم، ومن هنا أراد أن يكون الرد مؤلما بالنسبة إلى الجانب اليمني، وكان ذلك من خلال استهداف ميناء الحديدة ومستودعات تخزين المشتقات النفطية وما إلى ذلك، ما أدى إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى.

على صعيد متصل، أبرز الخبير في السياسة، أنّ ردّ الفعل المتبقي الآن من قوات الجيش اليمنية قد تكون له عدّة مسارات، إمّا أن يستمر الحوثي في الاعتماد على الطائرات والصواريخ المسيرة التي قد يتم التصدي لها، وإما استخدام الصواريخ الفرط صوتية التي لا يمكن أن تنجح منظومة الدفاع الصاروخية في التصدي لها، مما سيشكل خطرا حقيقيا في حال وصولها إلى “إسرائيل”، التي فتحت على نفسها جبهة جديدة بدل أن تسعى إلى الحدّ من تمدد المعركة وجبهات القتال المتعددة التي يواجهها الكيان.

إلى جانب ذلك، أفاد الأستاذ أبو عامر، بأنّ الأكثر من ذلك هو أنّ الحوثيين نجحوا في الوصول عبر البحر الأبيض المتوسط وهناك قدرات أيضا في الوصول عبر منطقة عدن وعبر بحر العرب أو المحيط الهندي، ما يعني توسيع مساحات القتال مما قد يؤثر على الوضع الاقتصادي العالمي، وبالتالي فإنّ “إسرائيل” فتحت بابا كبيرا في هذا الجانب وفتحت عليها نافذة من نوافذ جهنم، كل هذه المعطيات قد تؤثر بشكل أو بآخر على مجريات الوضع في المنطقة الجنوبية، وستزيد من حجم التحديات الخطيرة التي تواجه الاحتلال الصهيوني خلال المرحلة القادمة، في حال ما لم يتم وقف إطلاق النار وانسحاب “إسرائيل” من قطاع غزّة.

خِتاماً، أبرز المحلّل السياسي الفلسطيني، أنّ الاحتلال الإسرائيلي لا يمكن أن يشعر بالاستقرار في ظل الوضع الراهن الذي تشهده المنطقة، ولا سيما أنّ إمكانية مواجهة الحوثي مكلفة جدّا، فعملية استهداف ميناء الحديدة كانت عملية معقدة وطويلة ومكلفة أيضا، فحسب خبراء إسرائيليين “فإنه إذا كان كل صاروخ أو طائرة تصلنا من اليمن تحتاج إلى حملة عسكرية بهذا الحجم فعلى الأغلب سيكبد ذلك الجانب الإسرائيلي خسائر كبيرة وكبيرة جدّا”، لذلك هناك تحدٍّ مهم يؤثر على قوة الردع الإسرائيلية وعلى استمرار العدوان على قطاع غزّة، وتصاعد الوضع في الشمال، وبالتالي قد يؤثر بشكل أو بآخر على المشهد برمته، الأمر الذي سيدفع الاحتلال إلى وقف عدوانه وإجباره على الذهاب إلى إبرام صفقة لتبادل الأسرى ووقف القتال على كافة الجبهات.

الإصبع على الزناد..

ماذا بعد العدوان الصهيوني على اليمن؟

بقلم: بكر السباتين – كاتب وباحث أردني

لم تتنفس “إسرائيل” الصعداء بعد حادثة اختراق المسيرة الحوثية “يافا” لقلب تل أبيب، حتى قامت بالرد الذي اعتبر متهورًا وغير مُجدٍ رغم حجمه الكارثي.

فقد استهدف سلاح جو الاحتلال الإسرائيلي ميناء الحديدة في اليمن باستعمال عشرين طائرة قطعت مسافة 1800 كم، منها طائرات ف 16 التي زودت بالوقود في الجو وطائرات ف 35 القادرة على استئناف رحلتها دون توقف وبالتالي قصف الأهداف عن بعد.

وأدت هذه العملية التي استهدفت منشآت مدنية ضمن البنى التحتية في محافظة الحديدة، إلى ارتقاء ستة شهداء و83 جريحًا وثلاثة مفقودين، حسبما أفادت وزارة الصحة اليمنية في صنعاء.

ومن جراء القصف الإسرائيلي، اشتعلت النيران بخزانات النفط في الميناء حيث تعالت ألسنة اللهب -التي أبهج تصاعدها قلب وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت- في حريق هائل مشهود، وتم تدمير محطة الكهرباء التي تبعد عن الميناء بعدة أميال.

إنّه مصاب لا يمكن التقليل من آثاره السلبية على اليمن الذي لم يتعاف بعد من نتائج ما يسمى بـ “عاصفة الحزم”، المدعومة من قبل التحالف الذي يضم القيادة الأمريكية الوسطى.

لا بل إن هذا الهجوم الإجرامي من شأنه أن يكشف مدى تهور الاحتلال الإسرائيلي، وتسرعه في اتخاذ القرارات لمجرد أن نتنياهو يبحث عن نصر وهمي للتسويق الداخلي من أجل استعادة ثقة الجماهير الإسرائيلية بسياسته الخرقاء، حينما يعلم بأن الرد اليمني بالمسيّرات المتطورة التي يصعب رصدها، قادم لا محالة وباعتراف القادة العسكريين، رغم ثبوت عجز الرادارات الإسرائيلية التي تغطي سماء فلسطين المحتلة، عن رصد أهداف “أجسام” صغيرة بمواصفات المسيّرة “يافا” التي تجاوزت كل أجهزة الرصد الإسرائيلية وتمكنت من إصابة هدفها في قلب تل أبيب، دون اعتراض.

هذه فضيحة أمنية، ومن شأنها أن تُفَرِّغَ العملية الإسرائيلية في الحديدة من محتواها الرادع، لتتحول إلى مجرد عملية إجرامية استهدفت منشآت مدنية، كونها ستقف عاجزة أمام ردع القوات اليمنية من استئناف عملياتها في البحر الأحمر والعمق الإسرائيلي، والمرتبطة إستراتيجيًّا بحرب الإبادة على غزّة وليس في إطار قواعد اشتباك مستقلة عن عمليات وحدة الساحات المؤازرة للمقاومة في القطاع.

وتأكيدًا على ذلك، فقد أعلنت جماعة أنصار الله اليمنية أنها نفذت الأحد الماضي عملية عسكرية “نوعية” في إيلات ردًّا على الغارات الإسرائيلية التي استهدفت مدينة الحديدة، وتوعدت الاحتلال الإسرائيلي بـ”رد عظيم”، مؤكدة في الوقت نفسه أنها أصابت سفينة أميركية في البحر الأحمر، أي أن مبدأ الردع الذي مثل غاية العملية الإسرائيلية لم يتحقق على أرض الواقع.

وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع في مؤتمر صحافي بصنعاء في وقتٍ سابق: إنّ قوات الجماعة نفذت عملية عسكرية نوعية استهدفت منطقة حيوية في أم الرشراش (إيلات)، مشيرًا إلى استعمال صواريخ باليستية في العملية.

وأضاف سريعًا أن الرد على العدوان الإسرائيلي على اليمن قادم لا محالة وسيكون عظيمًا، مؤكدًّا أن العمليات العسكرية للحوثيين لن تتوقف إلا بتوقف العدوان على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

ويأتي ذلك وسط حالة من الخوف والترقب في الشارع الإسرائيلي بعد الغارات التي نفذها “جيش” الاحتلال ضد أهداف في اليمن.

وهو ما أكدته صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية نقلاً عن مصادر صرحت بأن سلاح الجو والبحرية الإسرائيليين عززا استنفارهما تحسباً لرد محتمل من اليمن عقب قصف استهدف مدينة الحديدة اليمنية.

وتصبح الكرة الآن في ملعب نتنياهو الذي يشعل النيران في الشرق الأوسط دون رادع، بهدف إطالة أمد الحرب الشعواء التي يشنها ضد الأبرياء والعزل في قطاع غزّة، وذلك حرصًا على حكومته غير المستقرة والتي تمثل بالنسبة له صمام الأمان إزاء ما ينتظره من قضايا.

أما على صعيد وحدة الساحات، فقد أصدر حزب الله اللبناني بيانًا أكّد فيه أن خطوة الاحتلال الإسرائيلي “الحمقاء” بقصف اليمن إيذان بمرحلة ‏جديدة ‏وخطيرة من المواجهة بالمنطقة برمتها.

من جهته وفي مداخلة تلفزيونية له جرت في وقتٍ سابق، قال نتنياهو: “لدي رسالة لأعداء “إسرائيل”: لا تخطئوا.. سندافع عن أنفسنا بكل الوسائل، على كل الجبهات، أي طرف يهاجمنا سيدفع ثمنًا باهظًا جدًّا لعدوانه”.

لكنه لم يشر إلى حقيقة أن “جيش” الاحتلال الذي تقهقر في غزة لا يقوى على تأمين المصداقية لهذه التهديدات الجوفاء.

خلاصة القول: إنّ نتنياهو ابتغى من وراء هذه العملية توجيه عدة رسائل، فعلى صعيد داخلي يراد منها إقناع الشارع الإسرائيلي والمعارضة بجدوى سياسته القائمة على أهداف باتت في نظر الإسرائيليين خرقاء، ما دامت تتجاوز التوصل إلى اتفاق مع حماس يؤمن إطلاق سراح الأسرى.

وعلى صعيد خارجي كي يُقنع الأمريكيين أولاً بأن الحرب على غزة هي حرب إيرانية إسرائيلية لجر الأمريكيين إلى لب الصراع كما يتمنى نتنياهو.. وكي يؤكد -ثانياً- لمحور المقاومة أن “إسرائيل” قادرة على الردع.

إنه خطاب من يشعر بعدم اليقين في عالم يلفظه ويتهمه داخلياً بـ “الخائن” وخارجيا بـ “مجرم الحرب”.

 “قوّة الردع”..

العبارة التي شطبتها المقاومة من قاموس “إسرائيل”

بقلم: علي أبو حبله – محامي فلسطيني

عندما قرّرت القيادة اليمنية توسيع رقعة الصّراع مع الكيان الإسرائيلي دعمًا وإسنادًا لغزّة وأرسلت مسيّرة لضرب أهداف في عمق يافا (تل أبيب) وهي منطقة محصّنة أمنيًا كانت تدرك ردّ فعل حكومة الاحتلال مع الأخذ بعين الاعتبار لتغيير موازين القوى في المنطقة لصالح محور المقاومة.

إنّ قرار توسيع رقعة الصّراع مع الكيان الإسرائيلي ليتعدّى البحار واعتراض السّفن المتوجّهة للكيان الإسرائيلي، وضرب العمق الإستراتيجي للكيان الإسرائيلي “تل أبيب” خضع لحسابات دقيقة في صنعاء، وربّما بالتّشاور مع حلفائها في المنطقة، وعليه فإنّ كافّة الاحتمالات والتّداعيات كانت حاضرة لدى القيادة العسكرية اليمنية، وتمّ وضع الخطط للتّعامل معها، وكان يفترض أنّ القيادة اليمنية وضعت في حساباتها كافّة الاحتمالات للرّد “الإسرائيلي”.

حسابات البيدر ليست كحسابات الدّفتر

ما أقدمت عليه قوّات الاحتلال وتحديدًا الطّائرات الحربية “الإسرائيلية” في استهداف ميناء الحديدة وخزّانات النّفط ومحطّات توليد الكهرباء كان خطأ إستراتيجيًا، لأنّ طبيعة الأهداف التي استهدفت مدنية وهو ما فتح الباب واسعًا أمام القيادة اليمنية لاستهداف المنشآت المدنية في داخل الكيان الإسرائيلي وهو بلا شكّ سيكون ضمن إستراتيجية إعادة خلط الأوراق وضمن حسابات لم تحسب حساباتها القيادة “الإسرائيلية” حين قامت طائراتها بعملية استعراضية وضرب خزّانات نفطية ومحطّة كهرباء في مدينة الحديدة، ضمن حسابات وتقديرات خاطئة بضرب  أهداف مدنية بهدف زيادة  الضّغط على صنعاء ما سيدفعها إلى التّراجع عن عملياتها، لكن حسابات البيدر ليست كحسابات الدّفتر لأنّ صنعاء ومعها محور المقاومة لهم حساباتهم ورؤيتهم في كيفية إدارة الصّراع مع “إسرائيل”.

الضّربة العسكرية التي أقدمت عليها “تل أبيب” والتي تأتي بعد تسعة أشهر من تلقّي الضّربات اليمنية كانت محاولة لاستعادة الرّدع، وهو ما قاله صراحة رئيس الكيان “الإسرائيلي” “هيرتسوغ” عندما اعتبر أنّ الهجوم “الإسرائيلي” هو استعادة للرّدع ورسالة للشّرق الأوسط كلّه، وأطلقت القيادة العسكرية على قصف الحديدة اليد الطّولى، وأنّ القيادة العسكرية سعت إلى توظيف العملية العسكرية لاستعادة ثقة “الإسرائيليين” بقدرة منظومتهم العسكرية على الرّد وتصريحات غالانت وزير الحرب كانت تصبّ في هذا الاتّجاه وأنّ هدف نتنياهو من هذا العدوان على اليمن توظيفه لخدمة رحلته لواشنطن للتّحريض على إيران باعتبارها القوّة الإقليمية الدّاعمة للحوثيين في اليمن وحزب الله، ولدعم الكيان الإسرائيلي بتوسعة الحرب وتأمين الغطاء والدّعم الأمريكي لخططه في توسيع رقعة الحرب وليؤكّد لحلفائه أنّ “إسرائيل” لا زالت تملك قوّة الرّدع وقدرتها بالرّد على مسيرة اليمن.

حرب إقليمية من البوّابة اليمنية

وبرأي المحلّلين فإنّ حسابات وتقديرات حكومة نتنياهو خاطئة وأنّ عملية الاستعراض لقصف أهداف مدنية في العمق اليمني ورفع سقف الأهداف من جرّاء هذا العدوان من شأنه أن تنزلق المنطقة لحرب إقليمية لا قدرة لـ “إسرائيل” وحلفائها عليها في ظلّ الموقف الصّلب لليمن ومعه محور المقاومة لأسباب منها:

  • أنّ محور المقاومة لن يسمح لـ “إسرائيل” باستعادة قوّة الرّدع ولا حتّى استعادة توازن الرّدع وأنّ إعلان صنعاء على الرّد، -وهو ما جاء في نصّ البيان العسكري للنّاطق العسكري اليمني- متوعّدًا بأهداف حيوية ومكرّرًا أنّ منطقة “تل أبيب” غير آمنة ما يعني مواصلة استهدافها.
  • هناك خشية حقيقة من انزلاق المنطقة لحرب إقليمية من البوّابة اليمنية، وهو أمر يفهم من خلال عدّة بيانات صدرت من قوى وفصائل محور المقاومة أبرزها بيان حزب الله الذي رأى أنّ للحماقة “الإسرائيلية” تأثيرها على المنطقة.
  • أنّ وحدة السّاحات تتعزّز يومًا بعد يوم وبات من الصّعب تفكيكها، وأنّ حسابات “الإسرائيليين” خاطئة إن هي اعتقدت انخراط قوى أخرى إلى جانب “إسرائيل” وأنّها باتت جزءًا من منظومة الشّرق الأوسط الأمنية هو تقدير خاطئ لإدراك الأنظمة المتحالفة مع أمريكا الخطر الذي يتهدّدها حال توسيع الحرب.
  • أنّ قوّة الرّدع “الإسرائيلي” أصيبت في مقتل وهي تغرق في وحل غزّة وتلقى ضربات موجعة من الجنوب اللّبناني ومن قوى وفصائل عراقية ومن اليمن، ومن الصّعب ترميمها عبر غارتين في ساحل الحديدة.

خشية أمريكية من تداعيات توسع الصّراع

لقد دخلت المنطقة برمّتها مرحلة جديدة من الصّراع تتّضح صورتها ومعالمها على ضوء الرّد اليمني وردود محور المقاومة وشكل الرّد “الإسرائيلي” والأمريكي والغربي الدّاعم لـ “إسرائيل”، وحتّى تتّضح عملية الرّد اليمني فإنّ المنطقة برمّتها تعيش مرحلة مخاض جديد وتكوين جديد، وهناك خشية أمريكية من تداعيات توسع الصّراع وفقدان أمريكا لمصالحها وحلفائها ووجودها في المنطقة، وبات الجميع يعيش مرحلة الانتظار ومرحلة استعجال إتمام صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النّار في غزّة، خشية فلتان الأمور وعدم القدرة على السّيطرة إذا توسّعت الحرب، خاصّة وأنّ كافّة الأطراف تدرك ذلك، وبات من الخطأ السّياسي والإستراتيجي الاستهانة بالقدرات العسكرية للحوثيين، وتُعدُّ الصّواريخ الباليستية هي أقوى الأسلحة التي بحوزتهم حيث تستطيع الوصول إلى مواقع في العمق “الإسرائيلي”.

وبينما يتحفّظ حزب الله في لبنان حاليًا بأن يدخل في مواجهة شاملة ضدّ “إسرائيل” لحسابات داخلية وإقليمية، فإنّ الحوثيين أكثر جرأة، فهم يدركون جيّدًا قدرات “إسرائيل”، وأنّ أقصى ما تستطيع تنفيذه هو استهداف جوّي لأهداف مدنية مؤثّرة في الاقتصاد اليمني، وهو ما لن يحدّ من القوّة العسكرية الحوثية الرّئيسة، وخبروا ذلك في حربهم مع السّعودية وحلفائها والتي استمرت لتسع سنوات.

إضافة إلى ما سبق، فقد أثبتت عقيدة الرّدع العسكري “الإسرائيلية” فشلها مرارًا في الأشهر الأخيرة، فهي لم تحمِها من هجمات حركة حماس في مطلع أكتوبر الماضي، التي استخدمت فيها تقنيات بدائية، ولم تنجح في ردع الطّيران الحوثي أو وقف مسيرته الأخيرة أن تصيب قلب “إسرائيل” في مقتل. ولعلّ هذه العقيدة قد عفا عليها الزّمن، فقد فشلت في تحقيق الأمن للشّعب “الإسرائيلي”، ما دام الشّعب الفلسطيني لا ينال الحدّ الأدنى من حقوقه الإنسانية.

تعتقد “إسرائيل” وأميركا أنّ مشهد النّيران المشتعلة في الحديدة كفيل بردع الحوثيين وإخافتهم، ولكن حساباتهما خاطئة، فلا يبدو أنّ الحوثيين سيتوقّفون عن مهاجمة الأهداف “الإسرائيلية” في البحر الأحمر، أو داخل الكيان الإسرائيلي؛ إدراكًا منهم أنّ الحرب في غزّة لن تطول كثيرًا، وأنّ مواصلة الهجمات الحوثية في البحر ستشكّل نصرًا كبيرًا لهم ولمحور المقاومة في ظلّ موقف عربي وإسلامي يكاد لا يذكر.

لا مفرّ من القدر المحتوم..

الحمقى يركضون إلى ما لا يريدونه!

بقلم: عبد الله المجالي – كاتب وإعلامي أردني

في بداية العدوان الصّهيوني على غزّة كانت إستراتيجية إدارة الرّئيس الأمريكي جو بايدن واضحة تمامًا وتتمحور حول عدم توسّع الحرب، وتنفيذًا لتلك الإستراتيجية أرسل حاملات الطّائرات إلى المنطقة وكانت التّصريحات الأمريكية واضحة تمامًا لكلّ من إيران وحزب الله.

اليوم وبعد عشرة أشهر من العدوان تبدو إستراتيجية بايدن متصدّعة، فقد دشّن حزب الله جبهة مساندة من اليوم التّالي للعدوان، وبعده دشّن الحوثيون جبهتهم الخاصّة، وكذلك المقاومة الإسلامية في العراق التي آثرت في البداية شنّ هجمات على القواعد والمصالح الأمريكية انطلاقًا من أنّ “أمريكا رأس الحيّة” لكن الرّد الأمريكي العنيف بعد مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة 25 في نهاية شهر جانفي الماضي، حوّل هجماتهم إلى داخل الكيان.

بعد العدوان الصّهيوني على اليمن تدخل إستراتيجية بايدن في اختبار جديد وهي توشك على الانهيار، والجميع يترقّب إلى أين ستؤول الأمور.

إستراتيجية بايدن قامت على ردع قوى المقاومة فقط، لكنّها تركت الحبل على الغارب للكيان لفعل ما يريد، وظلّ نتنياهو يستغلّ هذه الإستراتيجية للقيام بمزيد من الجرائم والمجازر والمزيد من المغامرات وآخرها مغامرته في اليمن.

من المتوقّع أن لا يمرّر الحوثيون هذا العدوان مرور الكرام، ولديهم مروحة كبيرة من الأهداف التي يمكن أن تؤلم الكيان الصّهيوني والإدارة الأمريكية، كما يمكنها أن تخلط الأوراق في المنطقة.

حتّى هذه اللّحظة يضع الحوثيون أنفسهم في خانة الجبهات المساندة، فهل يمكن أن تتسبّب المغامرة الصّهيونية بإعلانهم دخول الحرب رسميًا؟ أمر كهذا سيحاول الجميع تجنّبه، لكن الأمر يعتمد على سلوك الكيان وبالذّات الإرهابي نتنياهو الذي يبدو أنّه لا يقيم وزنًا لمصالح أحد، وخير دليل هو تسريبات وسائل إعلامه التي زعمت أنّ الهجوم تمّ بالتّنسيق ومن خلال الأجواء السّعودية.

لماذا يريد الكيان توريط السّعودية؟

عقب القصف الذي استهدف ميناء الحديدة في اليمن على بعد حوالي 200 كيلومتر من فلسطين المحتلّة، عمد الكيان إلى تسريب أخبار تزعم أنّه أبلغ السّعودية مسبقًا بالهجوم. حيث أعلنت إذاعة جيش الكيان عن أنّ السّعودية أُبلغت مسبقًا بالهجوم على الحديدة اليمنية، وأنّ الطّائرات عبرت أجواءها وصولًا إلى قصف الأهداف.

وأكّدت على لسان مراسلها للشّؤون العسكرية أنّ الطّائرات “الإسرائيلية” المقاتلة مرّت عبر المجال الجوّي السّعودي في جزء كبير من مسار رحلتها في طريقها إلى اليمن.

وهو ما أكدته صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، وقالت إنّ الهجوم اشتمل على التزوّد بالوقود في الجو بطائرات “رام” بسبب المسافة الكبيرة، إلى جانب التّحليق على ارتفاعات منخفضة لتجنّب الرّادارات.

السّعودية من جهتها سارعت إلى نفي تلك الأنباء، وقال المتحدّث باسم وزارة الدّفاع السّعودية العميد تركي المالكي: “السّعودية ليس لها أيّ علاقة أو مشاركة باستهداف الحديدة، والمملكة لن تسمح باختراق أجوائها من أيّ جهة كانت”. كما هو معلوم فالسّعودية تفصل فلسطين المحتلّة عن اليمن، كما يفصلهما كذلك البحر الأحمر وهو بحر دولي، وعلى الجانب الآخر من البحر تقع مصر والسّودان وإريتريا والصّومال وجيبوتي.

على كلا الحالتين يبدو أنّ الكيان يسعى لتوريط السّعودية مع “أعدائهم” الحوثيين، وهي محاولة لتوجيه انتقام الحوثيين نحو السّعودية لجرّها لإشعال الصّراع بينهما مرّة أخرى، ولتقويض كلّ مساعي السّلام الجارية حاليًا.

حتّى هذه اللّحظة لم يعر الحوثيون تسريبات الكيان أيّ انتباه، وظلّت تهديداتهم موجّهة لجهة واحدة وهو الكيان، وهو سلوك يقوّض خطّة الكيان بوضع السعودية بالواجهة.

ليس من مصلحة السّعودية ولا الحوثيين ولا المقاومة الفلسطينية أن يتحوّل الصّراع من صراع بين حركات المقاومة وبين السّعودية أو أيّ دولة عربية أخرى، لأنّ ذلك سيخفّف الضّغط على الكيان وسيعقّد الأوضاع في غزّة التي تتعرّض لعدوان غاشم.

على كلّ الحالات فإنّ الكيان لم يأت بسلوك جديد عليه، فهو لا يتورّع عن توريط أيّ كان إذا كان ذلك يشكّل مصلحة له، وهو أمر تعرفه جميع الأنظمة العربية التي تورّطت بعلاقات معه!!

بين “وحشية” روسيا و”إنسانية” الكيان.. سقوط أخلاقي جديد

لا شكّ أنّ استهداف المستشفيات والأطفال والنّساء جرائم لا يمكن تبريرها أيًّا كان المجرم وأيًّا كانت الضحيّة، لكن هذه البديهية الإنسانية والأخلاقية تحتاج عند الولايات المتّحدة خصوصًا والغرب عمومًا إلى النّظر أوّلًا ثمّ إصدار الحكم ثانيًا!!

واشنطن والغرب يتوقّفون قبل إصدار الحكم؛ ويحتاجون لمعرفة هويّة الجاني وهويّة الضحيّة قبل إطلاق الحكم على الفعل، وهذا مناقض تمامًا لمبادئ الأخلاق والإنسانية، وينافي تمامًا كلّ المبادئ التي يتحدّثون ويتشدّقون بها ليل نهار. لم ينتظر جو بايدن تقارير أو تحقيقات ليصف قصف مستشفى أطفال أوكراني بأنّه “تذكير رهيب بوحشية روسيا”!! في حين أنّ إدارته حتّى الآن تنتظر تقارير عمّا يحدث في غزّة لتصدر حكمها!! زعماء الغرب كذلك لم ينتظروا أيّ تقارير أو تحقيقات ليندّدوا بـ “الوحشية الرّوسية”!!.

سقوط أخلاقي جديد؛ فزعماء الغرب الذين يتجاهلون طيلة تسعة أشهر حرب إبادة تشنّ على الهواء مباشرة وعلى مرآى ومسمع العالم كلّه، حتّى أوشكنا أن نعتقد أن  لا قلوب لهم ولا عيون ولا آذان ولا ألسنة، وإذ بالحياة تنبض بهم فجأة، وإذ بقلوبهم تخفق خفقان الطّير، وإذا بأسماعهم وأبصارهم حادّة، وإذ بألسنتهم تنطلق، لتندّد بغارات روسية على أوكرانيا خلّفت 37 قتيلًا مدنيًا بينهم 3 أطفال.

في مقابل نفي موسكو لاستهداف مستشفى الأطفال زاعمة أنّ الصّاروخ الذي أصاب المستشفى قد أطلق من النّظام الدّفاعي الأوكراني، فإنّ جميع مستشفيات غزّة استهدفت وبشكل مباشر، وقد تمّ حصار مستشفى مجمع الشّفاء الطبّي أيامًا وأسابيع، وقد داست الدبّابات أجساد المرضى والجرحى، كما استهدف الكيان الطّواقم الطبّية وسيارات الإسعاف، لكن واشنطن في كلّ مرّة تدّعي أنّها علمت بسقوط ضحايا وأنّها بانتظار التّقارير!!

إنّ هذا النّفاق الغربي وتلك الازدواجية التي يمارسها قولًا وعملًا، لا تعود إلى أسباب سياسية فقط، فهناك على ما يبدو أسبابٌ ثقافية وحضارية تحكم سلوكهم تجاه أبناء الشّرق وعلى رأسهم العرب والمسلمون.

نتنياهو يكشف خطّته.. المزيد من المجازر

بكلّ وقاحة كشف الإرهابي نتنياهو خطّته القادمة قبل أن يحين وقت موافقته على صفقة وقف إطلاق النار. حيث صرّح نتنياهو بأنّه يريد ممارسة مزيد من الضّغط على حماس، وقد ترجم ذلك أكثر من 10 مجازر راح ضحيّتها المئات بين شهيد وجريح.

المزيد من الضّغط ترجمه جيشه قصفًا مكثّفًا استهدف بشكل خاص مدارس الأمم المتّحدة التي تؤوي النّازحين. وقد كشف مفوض وكالة الأونروا أنّ العدو قصف 8 مدارس 6 منها تابعة للأونروا خلال عشرة أيّام.

الحرب على النّازحين وإيقاع المزيد من الضّحايا بغض النّظر إن كانوا مقاتلين أم لا، بل إنّ طبيعة الاستهدافات وطبيعة الشّهداء تثبت أنّ أولوية نتنياهو الآن هو استهداف المدنيين.

يريد نتنياهو الضّغط على قادة المقاومة ليقدّموا تنازلات بشأن صفقة التّبادل ووقف إطلاق النّار، فهذه المجازر هي جزء من التّكتيك التّفاوضي الذي يستخدمه نتنياهو، بل هو اعترف بذلك بعظمة لسانه حين قال إنّه “كلّما زدنا الضّغط، كلّما حصلنا على صفقة يمكنها إعادة أكبر عدد ممكن من المختطفين في المرحلة الأولى”. لا يتورّع نتنياهو أن يعترف بهذه الخسّة والنّذالة التي يمارسها هو وجيشه، فهو بالفعل لا يجد من يوقفه عند حدّه.

سرّ قوّة نتنياهو؟!

في رائعة ابن المقفّع “كليلة ودمنة” قصّة جرذ أعيا ناسكًا؛ إذ كان يتسلّط على طعامه أينما وضعه، حتّى إنّه كان يستطيع القفز من جحره في زاوية الغرفة إلى أعلى الجدار حيث علّق النّاسك صرّة طعامه.

شكا النّاسك يومًا لأحد زوّاره هذا الجرذ، فقال له الزّائر إنّه لا شكّ أنّ وراء هذا الجرذ سرًّا يجعله قويًا هكذا، فبدأ بحفر جحر الجرذ، ولمّا تعمّق الضّيف في الحفر تفاجأ بصرّة مليئة بالذّهب، فقال للنّاسك: هذا هو سرّ قوّة الجرذ، فأخذ الصرّة ولم يجهد نفسه بالبحث عن الجرذ، وبالفعل فقد لحظ النّاسك بعدها أنّ الجرذ لم يعد يستطيع القفز والوصول إلى صرّة الطّعام.

فما سرّ قوة الإرهابي نتنياهو الذي يصرّ على استمرار حرب الإبادة الجماعية في غزّة ويرفض وقفها حتّى لأسابيع قليلة رغم أنّ العالم كلّه يطالب بذلك؟!

قد يعزو البعض السرّ إلى نظام الحكم في الكيان، وأنّ نتنياهو يملك الأغلبية بوجود عصابة من المجانين أمثال بن غفير وسموتريتش، لكن ذلك لا يفسّر سرّ تلك القوّة.

برأيي أنّ السرّ يكمن في عدم وجود ضغط حقيقي من الإدارة الأمريكية، وهو الضّغط الذي يمكنه أن يحيد حتّى قدرة نظام الحكم في الكيان، وبحسب تقرير لمجلّة “فورين أفيرز” الأمريكية المرموقة فإنّ “إدارة الرّئيس بايدن لم تمارس نفوذها الكبير على “إسرائيل” إلّا بالكاد”.

أمّا السّبب الثّاني، وله علاقة جدلية بالسّبب الأوّل، فهو تجاهل أو عجز أو جبن أو ربّما “تواطؤ” البعض في النّظام العربي بما فيه السّلطة الفلسطينية، وعدم سعيه بشكل جاد لوقف حرب الإبادة هذه ضدّ الشّعب الفلسطيني، فلو شعرت واشنطن أنّ هناك جديّة وجرأة وحزمًا تجاه وقف الحرب فورًا، لاضطرّت لممارسة ضغطها الكبير على عصابة الزّعران في الكيان، ولدفعتهم دفعًا إمّا لإيقاف المذبحة أو تغيير تركيبة الحكومة هناك. 

مرحلة جديدة..

مسيرة “يافا” تخترق المستقبل

بقلم: البروفيسور محمد سليم قلالة – باحث في العلوم السّياسية والاستشراف

الدلالات المستقبلية لضرب يافا المحتلّة (تل أبيب) من قبل الجيش اليمني أكثر من أن تُحصى، نقف عند بعضها اليوم:

الأولى: انتهت نظريّة الرّدع الصّهيوني التّام، حيث لم تتمكن 7 طبقات من منظومة الاعتراض الجوّي للعدو من توقيف المُسيَّرة اليمنية: القبّة الحديدية، مقلاع داوود، منظومة حِيتس، منظومة أراو، القاعدة العسكرية البريطانية في قبرص، البارجة الأمريكية المستقرّة في اليونان، مجموعة السّفن الحربية الغربية في البحر الأحمر في إطار ما يُعرَف بِتحالف الازدهار.. جميعها عجزت عن اكتشاف المُسيِّرة اليمنية “يافا” وهي تضرب في عمق المدينة المحتلّة التي سميت باسمها وعلى مقربة من مكتب للبعثة الأمريكية هناك.. هل هناك تأكيد أكثر من هذا أنّ النّصر اليمني إنّما هو إرادة وليس إمكانات أو قدرات أو فارق تكنولوجي؟ ألم تصنّف اليمن ضمن الدّول الفاشلة في المنطقة؟ من الفاشل في حقيقة الأمر؟

الثّانية: لم تعد تكنولوجيا صناعة السّلاح أو أيّ تكنولوجيا أخرى حكرًا على الغرب. بإمكان دولة مثل اليمن بأقلّ الإمكانات أن تستفيد من خبرات العالم في هذا المجال، عندما تريد، رغم الحرب التي فرضت عليها منذ أكثر من 9 سنوات، ورغم الحصار والعقوبات والتّصنيفات الظّالمة بعنوان مكافحة الإرهاب.

رغم كلّ ذلك، المتتبّع لِصناعة المسيرات والصّواريخ بها يكتشف سرعة التّطور الحاصلة لديها في هذا المجال وقدرتها على ردع بوارج حربية هي الأقوى في العالم تبلغ تكلفتها عشرات الملايير من الدّولارات بمسيّرات لا تزيد تكلفتها عن عشرات الآلاف.. وهذه إشارة مستقبلية ذات أهمية قصوى، حيث لم يعد بالإمكان غزو دول تفتقر للأسلحة المتطوّرة من خلال التفوّق في السّلاح البرّي أو الجوّي أو البحري أو الصّواريخ العابرة للقارات مادامت هذه تستطيع الدّفاع عن نفسها وإلحاق الضّرر بأعدائها بوسائل قليلة التّكلفة وقادرة للوصول إلى عمق الدّول المتقدّمة المعتدية مهما كانت وسائل دفاعها متطوّرة.

الثّالثة: باتت العقيدة العسكرية التّقليدية القائمة على تكديس الأسلحة الثّقيلة من قِبَل الماضي.. فالكيان الصّهيوني مدعوم بكافّة القوى الكبرى الغربية وعلى رأسها أكبر قوّة عسكرية في العالم لم يستطع إسكات نيران المقاومة الفلسطينية في غزّة، ولم يتمكّن من حماية دبّاباته التي يقول عنها الأكثر تطوّرًا في العالم ولا ناقلات جنده، من أسلحة مصنوعة محليًّا بيد مقاومة توفّر لديها الإيمان والعزيمة وإرادة القتال..

وعليه فإنّ ما فعلته المقاومة اليوم في غزّة، وآخر ما قام به الجيش اليمني من استهداف ناجح لعاصمة الكيان الصّهيوني يجعلنا نستشفّ أنّ مراجعات أساسية وعميقة لتصنيفات الجيوش ستتمّ في السّنوات القادمة من خلال إدراج مؤشّر إرادة القتال والقدرة على إنتاج وتطوير المسيّرات والتحكّم فيها عملياتيًا.. وبناء عليه سترتفع قيمة المُؤشرَين السّابقين في حسابات موازين القوّة أكثر من أيّ مؤشّرات أخرى.

الرّابعة: -وهي الأكثر أهمية- لما لها من علاقة بأدوات الحرب النّفسية وبخاصّة ما تعلّق بِمُستوطني الكيان الصّهيوني المغتصبين للأرض الفلسطينية، إذ تشير الأخبار أنّ اعتبار الجيش اليمني مدينة يافا المحتلّة (تل أبيب) منطقة عمليات عسكرية استلزمت منه الطّلب من المستوطنين المدنيين مغادرتها فورًا، وذلك من شأنه أن يزيد بكلّ تأكيد من اتّجاه الهجرة بدون عودة من الكيان ممّا سيرفع من نسبة الرّاغبين في العودة من حيث أتوا قبل احتلال فلسطين.. وهو ما أكّدته بالفعل الإحصائيات الغربية (قرابة نصف مليون محتل غادر الكيان منذ بدء طوفان الأقصى)، وكذلك ما أشارت إليه استطلاعات الرّأي لدى مجموع سكّان الأراضي المحتلّة، حيث عبّرت غالبية منهم عن كونها سَتُغادر الكيان متى توفّرت لديها الوسائل المالية، بما يعني أنّ حرب تحرير تقودها المقاومة منذ 9 أشهر مدعومة بِمحور إسناد في لبنان والعراق واليمن حقّقت كلّ هذه الأهداف..

فماذا لو تكاتفت جهود جميع أبناء المنطقة ولم يخذلها المتخاذلون.. أليس في هذا دلالة أعمق من كلّ الدّلالات السّابقة: أنّ المستقبل لنا؟.

أعدّ الملف: حميد سعدون – سهام سوماتي – منير بن دادي

الأيام نيوز – الجزائر

قد يعجبك ايضا