صحيفة الحقيقة العدد”408″:القول السديد :دروس من كلمة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله بمناسبة الذكرى السنوية للصرخة 1441هـ
القول السديد
نحن في حرب دائمة مستمرة مع أعدائنا, والمعركة الكبرى معهم المعركة المستمرة التي لا تتوقف هي معركة الوعي, هذه المعركة تتطلب أن نكون نحن أولاً على درجة عالية من الوعي, لا يستطيعون التأثير علينا بكل أساليبهم التضليلية
بعد فقدان وصايتها على اليمن.. ماذا كان مخطط أمريكا؟
فندرك- في واقع الحال- كيف أن أمريكا ركَّزت بشكل كبير جدًّا على مسألة اختراق هذه الأمة من الداخل، وعلى تحريك البعض من أبناء هذه الأمة، وعلى استغلال كل المشاكل في داخل الأمة، وكل الانقسامات في داخل الأمة، وكل السلبيات في داخل الأمة، ثم سعت أيضاً إلى صناعة المزيد والمزيد من المشاكل والأزمات، وتوظيف المزيد والمزيد من العناوين التي هي ذات طابع استقطابي تخادع به الكثير من الناس، مثلاً: البعض من الخونة في بلدنا وقفوا في صف العدوان، والعدوان هذا هو عدوان- في حقيقة الأمر- عدوانٌ أمريكي؛ لأن أمريكا عندما وصلت إلى درجة أن تفقد نفوذها في هذا البلد، وسيطرتها على هذا البلد، بعد أن كانت قد فرحت بأنها قد أصبحت وصيةً بشكلٍ رسمي ومعلن على هذا البلد، وأصبح السفير الأمريكي- آنذاك- في صنعاء هو المسؤول الأول في هذا البلد، بموقع وصايته على هذا البلد، انزعجت أمريكا كثيراً عندما خسرت هذا الموقع من السيطرة على واقعنا كشعبٍ يمني.
بعد أن غادر السفير الأمريكي، وغادر معه المارينز من صنعاء، غادروا بعد أن وجدوا أن ليس لهم مجال للتأثير في أي أمر، للتدخل في أي شيء، وعاشوا حالة الرعب والخوف والذلة والهوان، وغادروا ليس لهم أي وزن ولا تأثير في هذا البلد، كانوا في وضعية تتسابق السلطة- آنذاك- برئيسها ومسؤوليها، وتتسابق أيضاً بعض زعامات الأحزاب، ويتسابق البعض من الوجاهات والزعامات الاجتماعية إليهم في تقديم الولاء والطاعة، والتودد والتقرب، وفي العمل على تعزيز الروابط بهم من موقع الاستجابة العملية والخدمة والطاعة، ومن موقع تعزيز نفوذ أولئك وتدخلاتهم في كل شؤون هذا البلد، كانوا يذهبون إلى السفير الأمريكي ليناقشوا معه مختلف أمور هذا البلد: قضاياه السياسية، قضاياه الاقتصادية، قضاياه الاجتماعية، ثم يلتقي بكل الوزراء، بكل المسؤولين الذين يرغب باللقاء معهم؛ ليؤثر فيهم بتوجيهات معينة، أو قناعات معينة، أو برامج معينة، أو سياسات معينة، وكان الوضع يسوء في هذا البلد على كل المناحي، وفي كل المستويات والمجالات كان يسوء، كلما تدخلت أمريكا أكثر، وتعزز نفوذها أكثر؛ كلما ساء واقع هذا البلد: سياسياً، اقتصادياً…
كان يتجه في كل ترتيباته مع السلطة، مع المسؤولين، مع أصحاب القرار السياسي، مع المعنيين، نحو ما يساهم على الوصول بهذا البلد إلى مستوى الانهيار والضعف والعجز، يأتي إلى الجانب العسكري، يعمل على أن ينهي فيه القوة الجوية، والقوة البحرية، والقوة الصاروخية، وقوة الدفاع الجوي، يأتي تحت عنوان هيكلة الجيش؛ ليحول الجيش والمنظومة حتى الأمنية أيضاً- تحت عناوين التعاون الأمني- إلى منظومة خاوية، لا تقدر على أن تكون في الموقع الذي تمثل فيه أملاً لشعبها، أو تدافع عن وطنها، بل مجرد أداة ضعيفة في اليد، وكانوا يعززون انتشار التكفيريين في البلد تحت عناوين وبأساليب متعددة؛ لينتشروا في معظم المحافظات، ويبقى عنوان الحرب عليهم قائماً كعنوان، وفي الواقع العملي يهيئون لهم الانتشار إلى مختلف المحافظات، ويساعدونهم على القيام بكثيرٍ من الجرائم التي تستهدف هذا الشعب، وتستهدف أبناءه، هكذا الحالة التي أوصلوا فيها البلد إلى مستوى وصاية تعلن بقرار في مجلس الأمن، ويصبحون هم المعنيين الأساسيين في موقع السلطة والقرار، والتوجيهات والسياسات والقرارات.
لكنهم لمَّا طردوا من هذا البلد، ولمَّا قطع هذا النفوذ عن هذا البلد، وخسروا هذه السيطرة على هذا البلد، اتجهوا بمخطط آخر، فبدلاً من أن يدخلوا هم في معركةٍ مباشرة، ونحن كنا نتمنى، نحن لا نخشاهم، نحن لا نخافهم، نحن نعرف ضعفهم ونقاط الضعف الكبيرة عليهم، كنا نتمنى من النظام السعودي من النظام الإماراتي، كنا نتمنى من الخونة في هذا البلد أن يتركوا أمريكا لتنزل إلى ميدان المواجهة بنفسها لحالها، أن تقاتلنا بجنودها، بعتادها، بأسلحتها، وتأتي بضباطها وجنودها ليقاتلوا في الميدان، لكنها لا تجرؤ على فعل ذلك، وهي ترى في واقع الحال أنَّ تلك الأدوات الإقليمية والمحلية، أنَّ العملاء والخونة من أبناء الأمة ومن أبناء البلد، هم سيؤدون هذا الدور، وهم من سيتحملون تكاليفه الباهظة على كل المستويات، فيقتل مقاتلوهم، ويقدِّمون الأموال هم، ويتحملون الخسائر الباهظة والرهيبة هم، وهذا ما فعلته أمريكا، أدارتهم، تُوِّج وأعلن هذا العدوان من أمريكا، وبقيت في حالة إدارة مباشرة، ولكن بثمن كبير أيضاً، باستغلال كبير، وإلى اليوم الأمر مستمر.
المعركة مستمرة وعلى كل المستويات
عندما نأتي إلى هذه المرحلة، وبعد كل هذه المدة الزمنية التي أعلنت فيها الصرخة وإلى اليوم، وقد تجلت الأمور أكثر، واتضحت المسارات وتحددت في داخل الأمة أكثر فأكثر، ونجد على مستوى واقعنا كشعب يمني، وعلى مستوى واقع الأمة من حولنا أيضاً، أنَّ الأمريكي مستمر في مؤامراته، في مخططاته، وإن كان بشكلٍ كبير يعتمد على أدواته وعلى العملاء الموالين له من أبناء الأمة، ومن ينخدع بهم، ومن يستقطبونه معهم تحت أي عنوان، ليس المهم عند الأمريكي هو العنوان، من يتحرك لخدمة الأجندة الأمريكية والمصالح الأمريكية كتكفيري بعنوان مذهبي؛ فليتحرك، طالما أنه يفكك، يخرِّب، يقتل، يستهدف أبناء الأمة الأحرار، طالما أنه يعمل على تفكيك كيان هذه الأمة، طالما أنه ينشر الفتنة بين أبناء الأمة، طالما أنه يستنزف هذه الأمة، طالما أنه يشوش على أبناء الأمة تجاه العدو الحقيقي والمعركة الحقيقية، ويرسم أولويات أخرى، ويتجه لإشغال الأمة بمشاكل أخرى فليفعل، من يأتي بعناوين سياسية… من يأتي بأي عناوين، من الجيد عند الأمريكي، مما يناسبه أيضاً أن تكون هناك عناوين وأساليب مخادعة، ولكنَّ ارتباط كل تلك الأدوات- في نهاية المطاف- بالأمريكي واضحة، وبالإسرائيلي جلية، وتتجلى مع الوقت أكثر فأكثر، ومع الأحداث أكثر فأكثر، حتى يظهر أولئك وهم- في واقع الحال- في جبهةٍ واحدة، ولكن فيها آمر ومأمور، وفيها خادم ومخدوم، والأمريكي ليس فيها هو الخادم، وليس فيها هو المأمور، هو الآمر، الإسرائيلي كذلك ليس هو المأمور بالنسبة لعملائه من العرب الذين باتوا يظهرون توددهم إليه، ويدخلون في تحالفات ومسارات عملية متداخلة معه.
على كلٍّ المعركة مستمرة، هذا العدوان على بلدنا جزءٌ من هذه المعركة، هذا العدوان الذي أيضاً يتحرك ليس فقط في المجال العسكري، هو يتحرك على المستوى السياسي، على المستوى الإعلامي، هو يستمر أيضاً في هجمته على المستوى الاقتصادي، وحربه الشرسة على المستوى الاقتصادي، ونحن كشعبٍ يمني نعيش معاناة الوضع الاقتصادي الناتجة عن هذا الاستهداف الواضح والصريح، الذي يأتي إلى استهدافنا في العملة الوطنية، في الحصار الشديد والخانق… في وسائل وأساليب متعددة على المستوى الاقتصادي، على المستوى الثقافي والفكري والإعلامي، المعركة الإعلامية التي يوظِّف فيها الكثير من العناوين والمفردات، ويثير فيها الكثير من القضايا الهامشية والمشوشة، ويثير فيها أيضاً الكثير من العناوين والسياسات الإعلامية التي تهدف إلى التضليل، وإلى قلب الحقائق، وإلى التزييف للوعي.
عندما نتأمل في واقع الشعب الفلسطيني، وفي القضية الفلسطينية التي هي قضيةٌ للأمة كل الأمة، تعنينا جميعاً كمسلمين، فيما يتعلق بشعبٍ هو جزءٌ منا (الشعب الفلسطيني) كأمةٍ مسلمة، فيما يتعلق ببلاد فلسطين التي هي جزءٌ من البلاد الإسلامية، فيما يتعلق بالمقدسات في فلسطين التي هي من مقدساتنا العظيمة والمهمة، التي لها موقعها في انتمائنا الإيماني والديني، العدو الإسرائيلي مواصل في مساراته العدوانية، في مساراته الإجرامية، يواصل كل أشكال الاستهداف لهذا الشعب الفلسطيني، يضم المزيد والمزيد من الأراضي، يسعى إلى الاستهداف بكل وسائل الاستهداف للشعب الفلسطيني، قتلاً، وأسراً، وتخريباً للممتلكات، أيضاً الاستهداف على مستوى الانتماء الديني للمساجد، للصلاة، للشعائر الدينية… بكل وسائل الاستهداف، هو يستهدف هذا الجزء الذي هو جزءٌ من الأمة كإنسان، كأرض، كمقدسات.
وهو يستفيد في مواصلة مساره هذا من الدور الأمريكي والحماية الأمريكية، ودائماً ما كنا نتحدث عن أمريكا وإسرائيل كوجهان لعملة واحدة؛ لأن السياسة الأمريكية يصنعها اللوبي اليهودي في أمريكا، هذه مسألة واضحة، من يدير أمريكا، من يوجه السياسات الأمريكية هو اللوبي اليهودي في أمريكا، ويشتغل بتأثير واضح، وتحكم واضح، ونفوذ واضح وبين، كما هو في بريطانيا، كما هو في كثير من البلدان الغربية، ويستفيد أيضاً فيما يقدم عليه من خطوات في مثل هذه الأيام وفيما قبلها، مما يحصل أيضاً في الواقع العربي، لدى بعض الأنظمة التي باتت تتواطأ معه، تبرر له ما يفعل، تحاول أن تقف إلى صفه على المستوى الإعلامي والسياسي، وتعمل في الداخل (في واقع الأمة، وفي داخل الأمة) ما يشغل الأمة عن أداء دورها فيما لو كانت متفرغة، وليست مثقلة بكل هذه المشاكل والهموم.
عندما ننظر إلى الواقع الذي تعيشه سوريا والشعب السوري، والمؤامرات الكبيرة على هذا الشعب، وعلى نظامه الذي بقي وفياً مع شعبه ومع أمته، نرى طبيعة الدور الأمريكي والإسرائيلي، والاعتداءات الأمريكية والإسرائيلية، ونرى أيضاً نموذجاً آخراً من أساليب الاستغلال الأمريكي والإسرائيلي للعملاء، إلى درجة أن الأمريكي يأتي في بعض المناطق السورية- في نهاية المطاف- ليبسط سيطرته المباشرة على حقول النفط في بعض المناطق، بعد أن جعل الكلفة في السيطرة على تلك المناطق، وفيما يستلزمه ذلك من خسائر جسيمة على مستوى القتال وعلى مستوى المال على غيره، يأتي- في نهاية المطاف- ليسيطر على هذه المنشآت النفطية، ويسرق نفطها، وينهب ما فيها من الثروة، ويكون المعني بحراسته هو عميله الذي خان شعبه في سوريا، يكون هو المعني، والمعني أيضاً بالتمويل هو بعض دول الخليج الذي توفر لذلك العميل المال؛ في مقابل أن يوفر الحماية للأمريكي لينهب نفط وثروات شعبه وبلده، هكذا تتجلى لنا سوء الخيانة.
يستمر الدور الأمريكي التخريبي والمعادي مع الإسرائيلي في سوريا، في لبنان، ونحن نرى ما يعاني منه الشعب اللبناني على مستوى الحصار الاقتصادي، المؤامرات على اقتصاده، على معيشته، الإضرار به في الوضع الاقتصادي، بعد أن فشلوا على المستوى العسكري، وبعد أن فشلوا في الاستهداف للمقاومة في لبنان، لحزب الله في لبنان، للأحرار في لبنان، على المستوى السياسي، على مستويات كثيرة، اتجهوا إلى الجانب الاقتصادي، وإن شاء الله سيفشل الأعداء في مؤامراتهم على المستوى الاقتصادي على الشعب اللبناني. [كلمة السيد بمناسبة الذكرى السنوية للصرخة 1441هـ]