صحيفة الحقيقة العدد”379″:القول السديد :دروس من محاضرة اليوم الآخر للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي
القول السديد
ما أحوج الإنسان إلى أن يتذكر الآن في الدنيا, وأمامه الفرصة سانحة, وأن يحاسب نفسه, وأن ينظر ما الذي قدم وما الذي يعمل, الله ينادينا في كتابه الكريم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ}(الحشر: من الآية18)
الانتماء الإيماني لا يكفي لابد من التحرك والالتزام والعمل
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(التحريم:6) في هذه الآية المباركة يوجه الله ندائه ونذيره لعباده الذين آمنوا، الذين آمنوا أنا وأنت.. كل من ينتمي إلى الإسلام، وكل من يدعي الإيمان، هكذا يخاطبنا الله سبحانه وتعالى: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} وتوجيه هذا الخطاب إلى الذين آمنوا يدلل على أن الانتماء الإيماني ليس كافياً، لا يكفي أن تحسب نفسك على الإسلام وتنتمي إلى الإيمان فيكون ذلك بطاقة حصانة لك تسلم بها من عذاب الله، فأن تقول: أنا مسلم أنا مؤمن وتختار شيئاً من الدين من شكلياته وظواهره على حسب مزاجك، على حسب ما تهواه نفسك، بقدر ما تنسجم معه، هذا ليس كافياً في أن يحقق لك الأمن يوم الفزع الأكبر، أن يحقق لك النجاة من عذاب الله، أن تكسب به رضوان الله سبحانه وتعالى، لا يكفي.
من واجبنا جميعاً كمؤمنين كمسلمين ننتمي إلى الإسلام ندَّعي الإيمان أن نأخذ بعين الاعتبار هذا النداء الإلهي المهم، هو نداءُ رحمة، وهو نداءٌ فيه الكثير الكثير من رحمة الله، من حكمة الله، من هداية الله؛ لأنه يدفعنا إلى كل ما أرشدنا الله إليه، دائرة واسعة من الأعمال، طريق رسمها الله سبحانه وتعالى نتحرك فيها، منهجٌ نلتزم به، تعليماتٌ نأخذ بها، نتحرك على أساسها، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} تحركوا، التزموا، اعملوا ما يحقق لكم النجاة من عذاب الله، ما يشكل وقاية لكم تدفع عنكم نار الله، فمجرد انتمائكم للإيمان ومجرد احتسابكم أنفسكم في دائرة الإسلام ليس كافياً.
الإنسان هو من يحدد مصيره بنفسه
ثم من نفس هذا النذير الذي يوجهه الله لنا كمؤمنين كمسلمين {قُوا أَنفُسَكُمْ} أنتم المعنيون بذلك، الإنسان هو من يحدد مصيره بنفسه، هذا إليك أنت، أنت من تتخذ قرارك وتحدد مصيرك ومستقبلك، أنت من تتخذ قرارك وتحدد مصيرك أن يكون في قعر جهنم، أنت بما تعمل بتحركك في الحياة بطبيعة موقفك من رسالة الله، من تعليماته، من توجيهاته من تحدد مستوى العذاب الذي تعذب به في نار الله في نار جهنم، فالإنسان هو من يحدد مصيره إما خيراً وإما شراً.
فلذلك يخاطبنا الله وينادينا نداء رحمة أن نقي أنفسنا من ناره، من عذابه؛ لأن هذا بأيدينا، هذا متروك إلينا، ليس هناك من يمكن أن يقوم بهذه المهمة بدلاً عنا، فهو نذيرٌ مهم ، نذيرٌ مهم للإنسان، والإنسان المؤمن مؤمن بالآخرة، لأن من أساسيات الإيمان الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بالجزاء والحساب، بالجنة والنار، والإيمان هذا له أهميته الكبرى في أن يزرع في نفسك ويرسخ في مشاعرك حالة الخوف من الله سبحانه وتعالى.
الإنذار مهمة أساسية لكتب الله ورسله
ولهذا تكرر الوعيد في القرآن الكريم والإنذار، والإنذار مهمة أساسية لكتب الله ورسله، تكرر كثيراً في القرآن الكريم الوعيد والإنذار، الإنذار من عذاب الله، من بأس الله، من شدة سطوته، من أليم عذابه، تكرر في القرآن الكريم ليرسخ في أنفسنا حالة الخوف من الله فيكون هذا الخوف من الله سبحانه وتعالى عاملاً مهماً يدفعنا إلى الاستقامة، إلى الطاعة، إلى الالتزام بنهج الله، إلى التمسك بتعليمات الله فيشكل هذا وقايةً لنا من عذاب الله فننجى، ننجوا من عذاب الله، إذاً هذا من رحمة الله سبحانه وتعالى.
التخويف في القرآن هو تخويف إيجابي يشكل وقاية
التخويف والإنذار في القرآن الكريم في دين الله ليس فزاعة، ليس المراد منه إفجاعُنا، ليس المراد منه أن نمتلئ رعباً وخوفاً وقلقاً ثم نعيش في واقع حياتنا حالة اضطراب وذل وإرباك.. لا. هذا خوف إيجابي، خوف وأنت تعرف طريق السلام، طريق الأمن، خوف يدفعك إلى السلام إلى الأمن إلى طريق النجاة، خوف يدفعك إلى أن تشكل لك وقاية بما تعمله بما تلتزم به تقيك من الخطر الكبير، الخطر الرهيب، الخسارة الكبرى التي لا تساويها أي خسارة.
إذاً فهو خوف إيجابي يدفعنا للعمل بما فيه نجاتنا، بما فيه مرضاة الله فهو من رحمة الله، من رحمة الله بنا أن أنذرنا أن نبهنا عن الخطر الكبير الذي نسببه لأنفسنا عندما نسير في الطريق الخطأ، في طريق العصيان، في طريق الغي، في طريق الضلال، في طريق الهلاك والشقاء، فمن رحمة الله العظيمة بنا أن أنذرنا؛ ولذلك عندما قال في كتابه: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ}(آل عمران:30)؛ لأن هذا من رحمته من رأفته يحذرنا ويدفعنا إلى طريق الأمان {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}(النازعات:40-41) نتيجة أن نخاف من الله سبحانه وتعالى، وأن نرهب عذابه وسطوته نتيجة هذا أن ننهى أنفسنا عن الهوى، أن نلتزم بمنهج الله، أن ننضبط فلا نكون تبعاً لأهواء أنفسنا حتى فيما هو عصيان، فيما هو مخالفة لأمر الله سبحانه وتعالى، تكون النتيجة التي نصل إليها هي الأمن الدائم، والسلام الدائم، {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}.
وحالة الخوف من الله سبحانه وتعالى في الدنيا في هذه الحياة هي حالة إيمانية، وهي حالة قائمة حتى لدى ملائكة الله، الله قال عنهم في كتابه الكريم: {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(النحل:50) يعيشون حالة الخوف من الله سبحانه وتعالى، وصف بها أنبيائه، بل قال حتى عن نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}(الزمر:13)، أَخَاف {قُلْ إِنِّي أَخَافُ}حالة الخوف من الله سبحانه وتعالى، وحالة قائمة لدى المؤمنين الصادقين، حالة ملازمة للإيمان، كم وردت فيما يصف الله به عباده المؤمنين المتقين في القرآن الكريم، يذكر شيئاً من أوصافهم ثم يذكر ما يدلل على خوفهم من الله سبحانه وتعالى؛ لأنهم مؤمنون بالله، مؤمنون بقوته بجبروته بعظيم سطوته بأليم عذابه، مؤمنون بأنه عزيز ذو انتقام يؤاخذ يحاسب وأن جبروته لا يساويه جبروت، فيقول عنهم: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ}(الرعد:21) يعيشون هذه الحالة. [مقتبس من محاضرة اليوم الآخر]