صحيفة الحقيقة العدد”279″:تحليلات:ما هي أهداف وتداعيات الهجوم اليمني على القلب الاقتصادي لدولة الإمارات؟والسلاح الرادع في العام الرابع
سلاح يمني رادع منتصف العام الرابع.. هل يكفي الإمارات العضّ على الأصابع؟
كتب/فؤاد الجنيد
في عاصمة الاقتصاد العالمي ومداميك آل زايد على بعد ألف ونصف الألف من الكيلومترات المترامية بين أرض وبحر وسماء، رصد الطيران اليمني المسيّر هدفه بدقة متناهية، وأوكل مهمة التنفيذ لروح الصماد الثالثة التي تكفلت بإثخان وتعميق جراح البالونة الإماراتية في شريانها الاقتصادي والاستراتيجي المهم، وأفرغت حمولتها من الحديد والنار في مطار “دبي” الدولي في رسالة مفاجئة عنوانها التحدي والانتقام، وفي مضمونها الكثير من الدلالات والمعاني كونها تأتي بعد أكثر من نصف مليون طلعة جوية لطيران تحالف العدوان شغلت مساحة من الزمن قوامها أربعة أعوام ونصف العام، وضمت عشرات الآلاف من الأهداف المدنية في نصف مليون كيلومتر مكعب هو إجمالي مساحة شعب اليمن العظيم وطيرانه الأعظم.
سلاح الجو “صماد” هو سلاح هجومي وقتالي، ما يعني أنه لم يعبر كل تلك المسافات والأجواء بمفرده، بل رافقه طيران رصد أيضاً، وهو ما يطرح تساؤلات عدة كيف استطاع فعل ذلك دون أن ترصده الأقمار الاصطناعية ورادارات المراقبة خصوصاً والإمارات تشهد احتياطات أمنية مرتفعة للغاية منذ استهداف مطار أبوظبي الدولي بالطيران اليمني في السادس والعشرين من يوليو الماضي، وهذا الاشتراك النوعي لأكثر من طيران في العملية أكده مصدر في سلاح الجو المسيّر بالقول إن طائرة من طراز صماد3 استهدفت مطار دبي الدولي بعد عملية رصد ومعلومات استخبارية، ويدرك الجميع أن عمليتي الرصد والمعلومات ليست من اختصاص طيران صماد القتالي، ما يؤكد اشتراك طيران رصد واستطلاع في العملية، وبحسب العميد لقمان ناطق الجيش اليمني فإن استهداف سلاح الجو المسيّر لمطار دبي وقبله مطار أبو ظبي يأتي في إطار حق الرد المشروع على ما يرتكبه تحالف العدوان من جرائم بحق الشعب اليمني، وأنه بعد قصف مطار دبي بطائرة صماد3 باتت جميع المناطق الاستراتيجية للإمارات في مرمى نيران سلاح الجو المسيّر، وهو تحذير آخر بعد تحذيرات ودعوات قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي للمستثمرين والشركات بمغادرة الإمارات، مؤكداً أن القوة الصاروخية والطائرات المسيّرة قادرة على الوصول إلى أهدافها وتدميرها في ظل القدرات العسكرية للجيش واللجان الشعبية وما تشهده من تطور في مختلف الجوانب التقنية والفنية وفي الرصد والتوجيه وتحديد الأهداف العسكرية بدقة عالية، وكذا الاستخدام المتقن للسلاح المناسب في العمليات الدفاعية والهجومية، وما عمليات الجيش واللجان الشعبية في العمق الاستراتيجي للعدوان عبر استهداف مصالحه الاقتصادية إلا خطوة ستليها خطوات مشابهة في مسار عمليات الردع اليمنية القادمة التي في جعبتها المزيد من المفاجآت.
تدرك الإمارات خطورة الورقة اليمنية الأخيرة المتمثلة في استهدافها بالطيران المسيّر، فهي لا تملك حدوداً مباشرة مع اليمن لتتنبأ باحتمالات توغلات واقتحامات كتلك التي تشهدها مدن المملكة الجنوبية، وهذا ما شجعها على التمادي والإفراط في الجرائم والمجازر بحق اليمنيين ليقينها أنها في معزل من العقاب، لكن العام الرابع من العدوان كان مغايراً وكشف الستار عن هذا السلاح الفتاك الذي سيكون للإمارات منه نصيب الأسد، وقد لدغت منه مرتين في أبرز مواقعها الحيوية وعجزت عن توفير أدنى مقومات الحماية رغم سعيها واهتمامها بذلك واستعانتها بأربابها وأسيادها في فك شيفرة هذه العقدة التي لن تنفك إلا بتدمير مقوماتها الحيوية والاقتصادية ما لم تبادر إلى الانسحاب من تحالف العدوان على اليمن أو العمل على وقفه واختيار خروج سياسي يحفظ لها ماء الوجه في مشاورات جنيف التي سيحتضنها السادس من سبتمبر القادم.
وبالمجمل العام يرى اليمنيون أن قصف دبي ومطارها قفزة نوعية كبرى للعمليات العسكرية اليمنية مدلولها ألّا خطوط حمراء إن استمر العدوان في الإجرام، وهي رسالة للعالم المتواطئ مع تحالف العدوان مفادها أن الضرر سيصيب كل متواطئ وإن كان بعيداً جغرافياً، وأن هذا القصف ما هو إلا مجرد إنذار وتحذير يجب فهمه واستيعابه قبل فوات الأوان، وأن اختيار دبي ليس عشوائياً، إذ إن ضرر استهداف العاصمة أبوظبي محصور على دويلة الإمارات وحدها، أما قصف دبي فستصل شظاياه إلى كل دول التحالف ومن يقف وراءها، كونها المركز المالي العالمي الأول في الشرق الأوسط، وهذا يعني انهيار سوق المال العالمي ومساس دول كبرى عدة في هذه الخسارة التي سيصرّح المتضررون منها بقلقهم وخوفهم مهما كابر أمراء النفط وحجبوا ضوء الشمس بغربالهم الأجوف.
جوم للجيش اليمني بطائرة بلا طيار يستهدف مطار دبي
ما هي أهداف وتداعيات الهجوم اليمني على القلب الاقتصادي لدولة الإمارات؟
في حين أن التحالف العدواني للهجوم على اليمن بقيادة السعودية، فشل لفترة طويلة في التقدّم في ميادين الحرب، كما أن جهودهم المكثفة في الأشهر الماضية للهروب من الهزيمة الحالية من خلال السيطرة على ميناء الحديدة الاستراتيجي، واجهت مقاومة اليمنيين المنقطعة النظير، وفي كل يوم تنتشر أخبار انتصارات قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية في اليمن على مسرح المعارك، الأمر الذي يشير إلى ضعف جبهة المعتدين وزيادة القوة العسكرية اليمنية ويدهم العليا في لعبة الشطرنج المعقدة للمعادلات العسكرية والسياسية.
وفي السياق ذاته، انتشر نبأ الهجوم الصاروخي للجيش اليمني بطائرة من دون طيار على مطار دبي في الإمارات، في وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية بسرعة، وعلى الرغم من أن الأسبوع الماضي شهد انتشار المزيد من الأنباء عن الانتصارات الميدانية لقوات الجيش اليمني وأنصار الله في اليمن، مثل نجاح وحدة القنص التابعة للجيش في استهداف عدد كبير من القوات السعودية وميليشياتها، فضلاً عن تنفيذ هجمات ضد مواقع الغزاة على الساحل الغربي، إلا أن الهجوم على مطار دبي مهم جداً من نواح كثيرة.
رسالة تحذير لمنع الهجمات الإرهابية
على مدى الأسابيع الماضية ونتيجة الهزائم التي تلقتها القوات المعتدية للتحالف ومرتزقته، من الجيش اليمني وأنصار الله، شهد العالم هجمات غير إنسانية وانتقامية ويائسة لطائرات التحالف استهدفت المدنيين اليمنيين وخصوصاً الأطفال، بحيث قتل على الأقل وفي مرحلتين حوالي 70 امرأة وطفلاً، ففي الهجوم الذي وقع في 9 من أغسطس واستهدف حافلة أطفال المدارس في ميناء الحديدة، استشهد ما لا يقل عن 60 شخصاً، وفي هجوم آخر وقع الخميس الماضي على سيارة تقلّ أطفالاً ونساءً في منطقة الدريهمي، والتي تقع على بعد 20 كم جنوب ميناء الحديدة، قتل 26 طفلاً و 4 نساء بوحشية، هذه الهجمات التي تشبه الإبادة الجماعية – لأنه مع الكشف عن تطور الصواريخ التي استخدمت في هذه الهجمات، فمن المستحيل أن تكون الهجمات خاطئةً- ومع تواصل صمت وتقاعس الحكومات الغربية والمجتمع الدولي لوقف الهجمات السعودية والإماراتية، فلا يبدو أنه من الممكن إنهاءها من خلال عقد الآمال على إمكانية اتخاذ مجلس الأمن لقرارات رادعة في هذا المجال، حتى أن مجلس الأمن رفض القبول بإجراء تحقيقات مستقلة، وبالتالي ومن خلال فهم هذه الظروف، يرى اليمنيون أن معاقبة المعتدين من خلال تنفيذ هجمات صاروخية في العمق السعودي والإماراتي، هو الخيار الأفضل والأكثر نجاعةً لمنعهم من تكرار الجرائم ضد المدنيين، والهجوم على دبي من حيث حساسيتها واستراتيجيتها بالنسبة لدولة الإمارات، وكذلك الهجوم على الرياض وجدة، والمرافق النفطية لأرامكو في الأشهر الأخيرة، يجب اعتبارها في نفس السياق.
تكاليف يدفعها المعتدون لا تُعوَّض
حرب اليمن التي اتخذت مساراً استنزافياً بالنسبة لتحالف المعتدين لأكثر من ثلاث سنوات ودون الوصول إلى أهدافهم الأولية، تجلب تكلفتها وفي كل يوم يمر، مزيداً من الضغوط على الاقتصادين السعودي والإماراتي، حيث يعتقد الخبراء وفي الحالة الأكثر تفاؤلاً أن تكلفة الحرب تصل إلى 200 مليون دولار في كل يوم بالنسبة إلى السعودية، هذا الرقم يصل في العام إلى 72 مليار دولار، ووصل على مدى السنوات الثلاث الماضية إلى 216 مليار دولار، وقد أجبر هذا الأمر السعودية على الاقتراض من البنوك الأجنبية لأول مرة في العقود الأخيرة، وزيادة الأسعار، وحتى فرض الضرائب على إيرادات العمال الأجانب، الذين يقدر عددهم بما لا يقل عن 8 ملايين، وهذا ينطبق على الإمارات أيضاً، إذ تمت المصادقة على قوانين ضريبة القيمة المضافة في هذا البلد، اعتباراً من بداية السنة الجديدة، وانسحب هذا على إمارة دبي أيضاً، والتي تشتهر بقواعد العمل الخاصة وإعفاء الأنشطة التجارية من الضرائب.
وعليه، فإن أحد أهم أهداف اليمن في مهاجمة مطار دبي، هو ضرب الشريان الاقتصادي لدولة الإمارات، وهو الهدف الذي تحقق بالكامل من خلال هذا الهجوم، ذلك أن اقتصاد دبي هو اقتصاد زجاجي، يعتمد على السياحة والفنادق والبناء والعقارات وتمركز المراكز المالية العالمية، وهذا النوع من الاقتصاد لديه درجة عالية من التشابك مع مسألة الحفاظ على الأمن (أكثر من الاقتصادات الصناعية والإنتاجية). لذلك، فإن الهجوم على مطار دبي تمّ نتيجة الوعي الكامل بهذا الضعف، ومن أجل ضرب الركيزة الأساسية للحفاظ على اقتصاد دولة الإمارات. وبهذا الهجوم انهار تماماً الجدار الأمني السميك الذي يدعيه الإماراتيون، للحفاظ على رؤوس الأموال في دبي خلال ظروف الحرب على اليمن، وسنرى بمرور الوقت هروب رؤوس الأموال من دبي وإلحاق أضرار جسيمة باقتصادها.
وفي هذا الصدد، يمكن أن يكون للهجوم على شركة أرامكو السعودية للنفط نفس الرسالة للسعوديين بالضبط، إدراكاً بذلك، قال العميد “عزيز راشد” مساعد المتحدث العسكري باسم الجيش اليمني: إن الهجوم الخاص على مطار دبي الدولي كان بمثابة عملية تحذير أخرى بعد الهجوم على شركة أرامكو السعودية، إذ إن أرامكو هي القلب الاقتصادي للسعودية، وهي الآن في مرمى صواريخ الجيش اليمني وأنصار الله بالكامل.
مناورة اليمنيين لاستعراض قدراتهم
من زاوية أخرى، فإن الهجوم على مطار دبي بعد هجمات الشهر الماضي على أبو ظبي وناقلات النفط السعودية في مضيق باب المندب، وكلها أهداف استراتيجية، تحوَّل الآن وفي ظل التقدم الصاروخي اليمني إلى مظاهر القوة اليمنية أمام الجيشين السعودي والإماراتي المدججين بالسلاح، وفي الحقيقة، لم يظهر اليمنيون ومن خلال تنفيذ هذه الهجمات، استعدادهم لمواصلة مقاومة المعتدين فحسب، بل طعنوا أيضاً في مصداقية ومكانة القوة العسكرية السعودية والإماراتية أمام دول المنطقة والعالم، وهما من بين أعلى الإنفاقات العسكرية العالمية.
الوصول إلى العمق السعودي والإماراتي من خلال تقدم اليمن في صنع الطائرات من دون طيار البعيدة المدى والقادرة على تنفيذ هجمات صاروخية مثل طائرة “صماد 3″، جنباً إلى جنب مع تطوير القدرات الصاروخية والدفاعية، وهو الأمر الذي سيقلل من التفوق الجوي لتحالف المعتدين، أوراق رابحة بيد اليمنيين يمكن أن تمنع تحالف العدوان من قبول المجازفة بمواصلة الحرب