صحافة عربية : غزّة تتعرّف إلى اليمن: «الحوثيون أهلنا»
رغم أن الموقف الشعبي في قطاع غزة، منقسم في النظرة إلى عملية «طوفان الأقصى»، فإن الشارع، بكل أطيافه وتوجهاته، سواء أكان مع المقاومة أو ضدها، وجد أن اليمنيين لم يتردّدوا في تسجيل موقف مساند للقطاع، وخاضوا مغامرة لم يحسبوا فيها حساباً حتى للولايات المتحدة، على طريق الضغط لوقف إطلاق النار.حتى ما قبل السابع من أكتوبر، كان الشارع الغزي بالعموم، منساقاً في النظرة إلى «أنصار الله» وراء ما علق في أذهانه من قشور عمليات التشويه الممنهج، من مِثل: «الشيعة الذين قصفوا الكعبة» أو «الانقلابيين الذين سرقوا ثورة اليمن». وفيما كان الجميع منشغلاً بالهموم اليومية، لم تكن الغالبية العظمى مستعدّة للبحث عما يصوّب تلك النظرة. حتى التضامن الصادق الذي تحمله المسيرات الجماهيرية التي تُنظم في العاصمة اليمنية في كل مناسبة، لم تحظ بالإعلام المحلي الذي يقدّمها بالحجم الذي تستحقّ.
غير أن كل ذلك تغيّر الآن؛ إذ تعرّف الشارع الغزي، لأول مرة، إلى شخصية اليمني الفقير المعدم، الغني بالمقاومة والاستعداد المطلق للتضحية، في سبيل قضية لم يكن يعرف الفلسطينيون عموماً أن لها كل هذه المكانة العقائدية في وجدان اليمنيين. وعلى وقع القصف الأميركي – البريطاني الذي تعرّضت له المدن اليمنية ليل الخميس – الجمعة، تضاعفت حالة الإيمان والتعاطف مع الشعب اليمني. حسين أحمد، وهو معلم حكومي التقته «الأخبار» في مخيم جباليا، يقول معبّراً عن موقفه: «الحوثيون أهلنا، سندنا الأقرب، لديهم دَين في رقابنا. إننا لم نحاول الاقتراب منهم أكثر في السنوات التي شنّ فيها الأعراب الحرب عليهم، في هذه المحنة، كانوا أول من ناصر وساند، وأول من استعدّ للذهاب إلى النهاية في سبيل وقف الحرب».
لم يجد ألدّ الخصوم ما يمكنهم قوله أمام شعب خرج من الحرب والمجاعة، وعاد إليها نصرة للمقاومة في غزة
أما الحاجّ رمضان منصور، الذي يسكن حي تل الزعتر، وأضاف إلى قائمة رموزه الوطنية أسماءً جديدة، فيقول لـ«الأخبار»: «والله يطربني صوت يحيى سريع، يعجبني محمد البخيتي حينما يقصف جبهات الضيوف ويستهزئ بهم، أحب المشاط، هؤلاء هم الجنود الذين أمدّ الله بهم المقاومين هنا، فاجؤونا بإخلاصهم وصدقهم وبساطتهم… الله يحميهم». في الشارع، يتحدّث الأهالي عن «أناس يشبهوننا» في العناد والصبر والجلد، وحتى «الجنون» الذي يجد له مؤيدين دائماً. يقول الحاج أبو رائد لـ«الأخبار»: «والله يا عم، ما حدا بيشبهنا إلا أنصار الله، ما حدا بتغيب عنده حسابات المنطق وردة الفعل عند الشعور بأن هناك مقدّساً يجب الدفاع عنه، إلا إحنا في غزة وأهلنا في اليمن».
في مواقع التواصل الاجتماعي، كان التضامن مع اليمن، عابراً للتباينات الأيديولوجية والسياسية. «عزيز يا يمن»، جملة جابت آلاف الحسابات في «فيسبوك»، فيما تداول النشطاء أيضاً مقاطع لسيطرة القوات المسلحة اليمنية على السفينة الإسرائيلية، وتحدّثوا عن بأس اليمانيين وعزمهم. هكذا، أعادت الضربة الأميركية – البريطانية غسل حقيقة «أنصار الله» من غبار التشويه الذي علق بها طوال سنوات، بينما لم يجد ألدّ الخصوم ما يمكنهم قوله أمام شعب خرج من الحرب والمجاعة، وعاد إليها نصرة للمقاومة في غزة.