صنعاء | لم تكتفِ صنعاء بمساندة الشعب الفلسطيني ومقاومته بشنّ هجمات جوية طاولت عمق الكيان الإسرائيلي، ولا بتعقّب سفنه التجارية والعسكرية بهدف ضربها إن عبرت المياه الإقليمية لليمن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، بل بدأت الإعداد لمواجهة عسكرية برية محتملة في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، على رغم استمرار القيود المفروضة من الدول العربية التي يمكن أن يَعبر منها اليمنيون في اتّجاه فلسطين. وبعد أيام من تعهّد قائد حركة «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، بإرسال عشرات الآلاف من المقاتلين اليمنيين لمساندة المقاومة في قطاع غزة، أطلقت وزارة الدفاع في صنعاء عملية تشكيل قوات شعبية للتعبئة والإسناد، بعرض عسكري كبير في مدينة ذمار لمناسبة تخرّج دفعة «طوفان الأقصى» من المتطوعين.
وعلمت «الأخبار» من مصدرَين، أحدهما مقرّب من وزارة الدفاع، أن هذه الدفعة التي أنهت مهمّة التدريب العسكري في ذمار تشكّل نواة قوات التعبئة والإسناد، وستليها دفعات أخرى في مختلف المحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة صنعاء. ورأى المصدران أن هذه القوات قد تتحوّل إلى فيالق عسكرية لنصرة الأقصى بعد اكتمال تشكيلها، لافتَين إلى أن قوام الدفعة الأولى عشرة آلاف مقاتل، مؤكدَين أن هناك استجابة كبيرة من قِبل المجتمع اليمني للقتال إلى جانب المقاومة الفلسطينية. وأشارا إلى أن تلك القوات ستبقى في حالة جهوزية وتدريب مستمرَّين إلى أن يتمّ رفع كل الحواجز التي تحول دون مشاركتها في القتال ضدّ جيش الاحتلال.
وأكد عضو «المجلس السياسي الأعلى» الحاكم في صنعاء، محمد علي الحوثي، في خطاب أمام خرّيجي الدفعة، أن هذه الأخيرة «ستنطلق بروح إيمانية وثابتة، وبشكل تلقائي، وبعتاد شخصي، لم يكلّف الدولة أو الجيش أيّ تجهيزات»، مشيراً إلى أن «الشعب اليمني يتوق إلى مواجهة العدو الصهيوني والأميركي وجهاً لوجه، وأصبح في طليعة الشعوب المدافعة عن القضية الفلسطينية، في ظلّ الخذلان العربي المخزي». وخاطب الإسرائيليين والأميركيين بالقول إن «عليكم أن تُخرجوا اليمن من رهاناتكم، فاليمن لا يتوجّه بتوجيهاتكم، ولا يسمع تهديداتكم»، مذكّراً بأن «صواريخ طوفان وبركان، والطائرات المسيّرة التي تصل اليوم إلى عمق الكيان الغاصب في مدينة أمّ الرشراش (إيلات)، كانت بدايتها عبارة عن مجموعة صغيرة لا تتجاوز العشرات الذين ساروا خلف الشهيد القائد (حسين بدر الدين الحوثي)، فيما يتحرّك اليوم شعب كامل، ويهتف بصوت واحد في وجه أميركا وإسرائيل».
دفعة أولى قوامها عشرة آلاف مقاتل تدرّبت في ذمار على القتال ضدّ إسرائيل
في موازاة ذلك، نفّذت قوات الاحتياط التابعة لحرس الحدود اليمني، مسيرة راجلة قطعت خلالها 45 كيلومتراً مشياً على الأقدام، تعبيراً عن الجهوزية العالية لمواجهة إسرائيل، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الرسمية «سبأ» في صنعاء. وطالب المشاركون في المسيرة الشعوب العربية بالضغط على حكامها لفتح المعابر لنصرة أبناء غزة في مواجهة ما يتعرّضون له من جرائم وحرب إبادة جماعية من قِبل العدو الإسرائيلي. وتزامنت هذه الاستعدادات مع استمرار التهديدات الإسرائيلية باستهداف صنعاء ردّاً على الهجمات الجوية التي نُفّذت بواسطة طائرات انتحارية وصواريخ باليستية على أهداف إسرائيلية داخل فلسطين المحتلة. في هذه الأثناء، تراجعت حدّة التوتر في البحر الأحمر وقبالة مضيق باب المندب بين قوات صنعاء البحرية من جهة، والقوات الأميركية والميليشيات الموالية لـ«التحالف» من جهة أخرى، بعد إعادة تموضع المدمّرة الأميركية «توماس هادنر» في البحر. وقالت مصادر ملاحية في صنعاء، لـ«الأخبار»، إن المدمّرة التي اقتربت قبل أيام من مضيق باب المندب، وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية أنها تعرّضت لهجوم بواسطة طائرة مسيّرة يمنية، أعادت التمركز في أقصى الشمال من البحر الأحمر قبالة السواحل السعودية – المصرية – الأردنية، وهو ما وصفته المصادر بأنه انسحاب تكتيكي عكَسَ رغبة واشنطن في تجنّب التصعيد في باب المندب، لإدراكها أن صنعاء تمتلك القوة الكفيلة بالدفاع عن مياهها الإقليمية. وجاء ذلك بعدما بعث «التحالف البحري» بقيادة الولايات المتحدة، برسائل تحذيرية إلى كل السفن المتوقّع مرورها من باب المندب والبحر الأحمر، يطالبها فيها بالابتعاد عن المياه الإقليمية اليمنية إلى أقصى مسافة ممكنة، ويوصي بالعبور ليلاً والإبلاغ عن أيّ تهديد. وكشفت المصادر أن «التحالف البحري» الذي تشارك فيه دول مشاطئة للبحر الأحمر، أنشأ خطاً ساخناً على مدار الساعة لهذه الغاية.