صبرا وشاتيلا .. أربعون عاماً بلا عقاب والقتلة يتفاخرون !
Share
نادر عز الدين “أخضر” هي كلمة السر و”بدون عواطف، الله يرحمه” هو الشعار. الخطة وضعت منذ اليوم الأول لغزو لبنان عام 1982، أما الهدف فهو تصفية أكثر من 3000 فلسطيني ولبناني من المدنيين العزّل. قبل غروب شمس يوم الخميس 16/9/1982 ينطق آرييل شارون رئيس الوحدة الخاصة ( 101 في الجيش الإسرائيلي آنذاك) بكلمة السر معلناً أن الطريق إلى الدم أصبح مفتوحاً، الميليشيات العميلة تتقدم وتبدأ المجزرة!
انتهت المهمّة في 36 ساعة وحقق الهدف. ففي مثل هذا اليوم من العام 1982 كان جيش العدو وعملاؤه قد انتهوا من تنفيذ واحدة من أفظع جرائم التاريخ، إنها مجزرة صبرا وشاتيلا.
شهود على المذبحة..
“المجزرة بدأت بعد ظهر يوم الخميس، فبعد الإعلان عن مقتل بشير الجميّل كنا نسير أنا وأصدقائي باتجاه المدينة الرياضية في الساعة السابعة والنصف صباحاً ولم نكن على علم بوجود شيء، وعند وصولنا إلى هناك رأينا دبابات وكاسحات ألغام إسرائيلية تحاصر المخيّم فجرينا نحو المخيم وبدأنا بتبليغ الناس عما يجري في الخارج، واتجهنا بعدها نحو مدخل المخيّم من جهة منطقة بئر حسن، فسمعنا الناس حينها تصرخ مجزرة .. مجزرة .. عندها توجهنا نحو مستشفى غزّة لمساعدة المصابين”. أحداث رسخت في ذاكرة “ناصر القاضي” أحد الناجين من مجزرة صبرا وشاتيلا، فهو يذكر جيداً ما حصل وكأنه يحدث اليوم حسبما قال لـ”الانتقاد” وتابع القاضي “نهار الجمعة دخلت قوات العميل سعد حداد والكتائب إلى المستشفى وقاموا بسحب الجرحى وقتلهم ببرودة وأجبروا أربعين مريضاً على الصعود في الشاحنات ولم يعثر على أي منهم فيما بعد، بعدها بدأوا باغتصاب الممرضات وقتلهن حتى أن هناك سائق سيارة إسعاف يدعى زياد زياد وقف بوجههم وأصرّ على أن ينقل الجرحى فقتلوه وقطعوا جثته ورموها في المدينة الرياضية. عندها هربت للتفتيش عن أبي وكان عمري 19 سنة، فقال لي بعض الناس إنه مختبئ عند سيدة مسيحية داخل المخيم، فذهبت إليها لإنقاذه وتمكنت من ذلك في اللحظات الأخيرة بعدما كان القتلة قد وصلوا إلى مقربة من المنزل، فرأيتهم بأم عيني، أشخاصاً بالزي العسكري ويضعون على ملابسهم أرزة خضراء ولم يكونوا صهاينة كما ادعى البعض، فقد تقاسموا الأدوار، الصهاينة بقوا على أبواب المخيم وأمنوا لهم الطريق برمي القنابل المضيئة، أما العملاء فاغتصبوا النساء وهدموا المنازل وقتلوا الناس وذبحوهم حتى اللبنانيين منهم فقط لأنهم يعيشون في وسط الفلسطينيين”.
ويضيف القاضي “يوم السبت توجهت نحو المدينة الرياضية بعد دخول الصليب الأحمر وطمأنته لنا، إلا أن القتلة كانوا لا يزالون هناك ورأيتهم مرّة أخرى ببدلاتهم وأرزتهم فأطلقوا عليّ النار وأصابوني في قدمي تحت أنظار الصليب الأحمر”.
الحاج أبو أحمد
وللرجل التسعيني أبو أحمد قصة أيضاً مع المجزرة. ولعلّ ما حصل معه هو الأغرب. يقول أبو أحمد “اجتمعنا أنا و5 مسنين من أصدقائي في منزل أبو أحمد الصعيد وقررنا التوجه نحو مدخل المخيم لنرى إن كان بإمكاننا التفاهم مع القوات العسكرية الموجودة هناك، فوضعنا قماشة بيضاء على السيارة وذهبنا ولم نكن ندري بعد ما الذي كان يحدث، فقد سمعناهم يطلبون منا عبر مكبرات الصوت أن نتوجه إلى مدخل المخيم ليختموا لنا هوياتنا ويخرجونا من هناك وقد ادعوا أنهم عناصر من الجيش اللبناني. وقبل أن نصل إلى مقصدنا بمسافة قليلة تفقدت هويتي ولم أجدها معي، فطلبت من أصدقائي أن أعود راجلاً حتى لا يوقفوني وهذا ما حصل، فعدت إلى المخيّم وسلمت أما هم فقُطعوا”. ويتابع أبو أحمد “عندما توقفت المجزرة ذهبت إلى هناك ولم أجد أثراً لهم سوى البلطة التي قطعوهم بها فأخذتها واحتفظت بها، ولكننا عدنا ووجدنا قدم زوج شقيقتي علي الدوخي الاصطناعية مرمية في مقبرة الشهداء أما أشلاء جثته وجثث أصدقائي فلم نعثر عليها أبداً”.
ويضيف أبو أحمد “كانت الآثار التي تركتها وراءها قوات العميل سعد حداد والكتائب والقوات شنيعة جداً، وقد بدت آثار التعذيب جليّة على جثامين الشهداء، فمنهم من قُطع ومنهم من هرس بالجرافات وآخرون تم حرقهم بمادة الإسفلت، وبعض العائلات استشهدت تحت ركام منازلها التي هدمت فوق رؤوس قاطنيها”.
الحاجة أم فؤاد
أم فؤاد السبعينية تتذكر ما حصل معها منذ 40 سنة وكأنه كابوس مرعب فتقول “عندما بدأوا بإطلاق القذائف هربنا ومئات العائلات إلى الملجأ واختبأنا هناك حتى أتى شخص اسمه ابراهيم وأبلغنا أن العملاء أصبحوا قريبين منا طالباً إخلاء الملجأ بسرعة فلجأنا إلى المسجد وقضينا الليلة هناك. في اليوم التالي توجهنا إلى المنزل لأخذ بعض الأغراض إلا أنهم رأونا ونادوا علينا لتسليم أنفسنا مدعين أنهم إخواننا وكانوا يتكلمون اللهجة اللبنانية، فهربنا منهم زحفاً وتحت القصف متجهين إلى المسجد مرّة أخرى. انتظرنا حتى اليوم الثالث لنذهب إلى المنزل مرّة أخرى ونأتي ببعض الحاجيات، وفي طريق عودتنا رأينا جثث الناس إلى جانب الطريق وعند وصولنا إلى المسجد وجدنا جثّة امرأة مذبوحة عند بابه فأصبت بانهيار عصبي متخيلة مصيري لو استطاعت يد الإجرام أن تطالني”.. تسكت أم فؤاد للحظات وقد ملأت عينيها الدموع ثم تقول في حرقة “حتى اللحظة لم نفهم لماذا ذبحنا!”
في صبرا وشاتيلا قُتل الناس دون رحمة، فاغتصبت النساء وذبح الأطفال وقطع الشيوخ، في غياب تام لما سمّي بالضمانات الدولية لحماية المدنيين الفلسطينيين. آنذاك رفع أهالي المخيّم الأعلام البيضاء إلا أن من رفعها كان من الضحايا الأوائل في المذبحة، وفي مقدمتهم أكثر من خمسين امرأة ذهبن للإعلان عن استسلامهن وللقول إنه لا يوجد مسلحون في المخيم فاغتصبن وقُتلن جميعاً. وبعد الانتهاء من تنفيذ المهمّة قامت الجرافات بحفر المقابر الجماعية في وضح النهار حيث دفن القتلة خطاياهم ورقصوا فوق أشلاء الشهداء محتفلين مع الصهاينة بمناسبة السنة العبرية الجديدة!
فإلى متى ستبقى وصمة العار التي دمغت جبين السلطة اللبنانية في حينه واضحة المعالم وفي ظل غياب من يحاسب ومن يحاكم؟ ألا يستحق أكثر من 3200 شهيد فلسطيني ولبناني محكمة دولية للاقتصاص ممن قتلهم أم أنه زمن المفاخرة بالعمالة.. حتى “البلطات” ؟ (*) من ذاكرة “العهد”