“شيفرة” المقاومة عصية على التفكيك..
.. إذا قلو مثلا لاقيني عند جب البلان تبع أبو طنجرة حد الشجرة تبعيت أبو دجاجة شو بدو يعرفو الإسرائيلي؟ …”، هذا كلام سابق للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حيث كان يشرح قدرة المقاومة على التمويه والتخفي وصعوبة واستحالة فك شيفرات عملها العسكري والأمني من قبل العدو الاسرائيلي، هذا بالطبع جانب من سرية عمل وتعمية العدو من قبل المقاومة وتشفير بعض الرموز خلال التحضير لمواجهة او خلال المواجهة مع العدو. لكن ماذا عن شيفرة حزب الله كمنظومة مقاومة في مختلف المجالات؟ عسكريا وأمنيا واجتماعيا وثقافيا وبيئيا…
شيفرة تحاول جهات عديدة سرا أو علنا العمل على تحليلها وفك رموزها واستنباط واستقراء وتوقع مستقبلها وكيفية عملها وقراءة ما بين سطور أسلوب تفكيرها والآليات التي قد تعتمد في يومياتها وأطرها وما شاكل من مسائل قد تعجز عنها كبرى وكالات الاستخبارات الاستكبارية المعادية.
وبادئ ذي بدء، بالنسبة لمن ينتقد او انتقد العمل الذي تقوم به المقاومة في مختلف المجالات، يكون الرد عليه واضحا وبسيطا بأنه بالإمكان رؤية ما يجري اليوم لإدراك ضرورة العمل على مختلف الصعد وليس فقط الإكتفاء بالميدان الجهادي والعسكري البحت، لأن الأعداء اليوم -وعلى رأسهم الإدارات الأميركية المتعاقبة ومعها العدو الاسرائيلي بكل أجهزتهما ومن معهما من أدوات في المنطقة- يعملون على محاصرة المقاومة ثقافيا وإجتماعيا وبيئيا وأمنيا وإعلاميا واقتصاديا وماليا وسياسيا وبكل مجال متاح او يخطر على بالنا او قد لا يخطر على البال أيضا، فالأعداء لهم قدرات واسعة ومتطورة ويستخدمون كل ما بوسعهم بدون هوادة لحصار المقاومة وبيئتها الحاضنة وإنزال الخسائر بها، وقد سمعنا بعض الاصوات الاعلامية مؤخرا تؤكد ان “الهجوم على المقاومة في الفترة المقبلة سيكون اكثر شراسة باستخدام كافة الاسلحة وبدون محرمات وقد نرى فبركة ملفات… “، وبالسياق، فقد وصف رئيس المجلس السياسي في حزب الله السيد ابراهيم أمين السيد الحملة على حزب الله والمقاومة “بالحرب القذرة على المستويين الداخلي والخارجي”، ورأى أنها “حرب الفاشلين والمهزومين ضد المقاومة القوية والمنتصرة”، ولفت الى ان “كل هذا الضجيج لن يؤثر على المقاومة ولا على قراراتها ومشاريعها..”.
وبالتالي يبقى السؤال كيف كان سيكون وضع المقاومة وأهلها لو أهملت قيادتها العمل على مختلف الجوانب واكتفت فقط بالعمل العسكري والامني كما قد يطالبها البعض؟ والسؤال الأكثر إلحاحا هو كيف سيكون الوضع لو ركنت المقاومة الى رهط من المطالبين -سواء عن علم او عن جهل- بالتراجع وتسليم السلاح والتوقف حتى عن العمل العسكري والتحضير والإعداد لزيادة مستوى القوة وردع العدو الاسرائيلي وحماية لبنان وسيادته أمام أي عدوان صهيوني أو ارهابي؟؟
ولذلك لمن يجهل هذه المقاومة وفكرها وعقيدتها، هل بالإمكان لهؤلاء فعلا فك شيفرة المقاومة وبالتحديد حزب الله؟ هل يمكن لهؤلاء معرفة العلاقة الروحية التي تربط مثلا المقاومة بهذا الشعب الذي يعيش بعضه في “مناطق البؤس”، كما كانت توصف في محيط العاصمة بيروت لا سيما في الضاحية الجنوبية، وكذلك في البقاع المحروم والمتروك بدون إنماء منذ عشرات السنين أو بالجنوب الذي كان محتلا وحرر بسواعد المقاومين من كل الفصائل اللبنانية والاسلامية، ومن ثم كل ما عاناه في مرحلة ما بعد التحرير مرورا بعدوان تموز والأضرار المادية والبشرية التي لحقت به، ومع كل ذلك صمد أبناء القرى الحدودية في أرضهم بفضل معادلات الردع التي ثبتتها المقاومة بدماء الشهداء وفي مقدمتهم الشهداء القادة من الشيخ راغب حرب في شباط 1984 الى السيد عباس الموسوي في شباط 1992 وصولا الى الشهيد القائد الحاج عماد مغنية في شباط 2008، ومعهم وبينهم ثلة من الشهداء الذي قدموا دمهم حيث يجب ان يقدموه وامام كل عدو يهدد سيادة لبنان وأمنه واستقراره.
فهل يمكن لهؤلاء “الجهلة” إدراك معنى المقاومة والتضحية التي سبقت حزب الله وقادة المقاومة من السيد عبد الحسين شرف الدين والامام المغيب السيد موسى الصدر والسيد عباس الموسوي والشيخ راغب حرب والحاج عماد مغنية بمئات السنين، هذه التضحية التي تعمدت بالدم والتضحية وكل معاني الايثار في “واقعة الطف” بعاشوراء في العام 61 للهجرة، فهذا الشعب يرتبط روحيا وقلبيا وعمليا بشعارات الحرية ورفض الانصياع والذل والوقوف بوجه المخططات ولو غُلفت بكلام “الحق الذي يراد به باطل”، هذا الشعب تربى على “هيهات منا الذلة .. والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل .. أرضيت يا رب؟ خذ حتى ترضى”، وغيرها من النظريات السياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية الاستراتيجية التي سنتها أقوال وسيرة الرسول محمد(ص) وآل بيته الأطهار(ع) ومن معهم من الأصحاب وصولا الى يومنا هذا حيث عاش ويعيش الشعب تجليات المواجهة بمختلف وجوهها عسكريا وسياسيا وأمنيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا…
ويكفي للبعض ممن يريد ان يفهم ماهية المقاومة ومجتمعها ان يراجع الذاكرة ومدى التضحية والايثار لأهل المقاومة ومنها تجربة حرب تموز 2006 ولنا في ذلك المثال الواضح لاحدى العزيزات الحاجة كاملة سمحات التي قالت في عز الحرب وعلى ركام منزلها في بئر العبد بالضاحية الجنوبية: “مش هيدا بيتي راح.. فدى إجر المقاومة…”، ويكفي مراجعة أرشيف بعض ما تقوله أمهات الشهداء عند تشييع فلذات أكبادهن لفهم بعض من هذا العشق الممتد من كربلاء الى آخر الزمان..
وبالعودة الى الواقع اللبناني ومحاولات البعض للانتقاد و”التنقير” على المقاومة، يمكن إجراء المقارنة البسيطة بين النموذج الذي قدمته المقاومة طوال هذه السنين، وبين النموذج الذي قدمته المنظومة الفاسدة التي حكمت في لبنان منذ العام 1992 وما قبلها وكيف بات حال البلد وكيف باتت أحوال المقاومة؟ ومع ذلك نرى من ينتقد المقاومة على نجاحاتها ويحاول تحميلها وزر تقصير الآخرين بدل الاستفادة من هذه التجربة المضيئة في تاريخ لبنان كله حديثا وقديما.
واليوم من جديد، كما في الماضي هناك من يحاول ضخ الفتن المتنقلة وإثارة القلائل بغية إحداث خروق لم يستطع ان يحدثها في حروب بشتى أشكالها، ولكن على هؤلاء ان يدركوا ان هناك قيادة حكيمة وواعية وشعب أبي محترم وملتزم وثابت وصابر لا تأخذه في الله لومة لائم، كما لا يميل مع كل ريح ولن ينخر في جسده سوس الباطل والتحريض والاستفزاز، هذا الشعب الصامد صابر حتى يمل الصبر من صبره، أبناء هذا الشعب يعرفون ان الفرج قادم وينتظرون عاملين لا خانعين، لا يعيشون على الاحلام وهم يصنعون بدمهم وعرقهم وتعبهم انتصارات أزلية بوقائع مثبتة بالأرواح لا بشعارات فارغة وبنظريات غير قابلة للتطبيق، وهم يدركون ان الاعداء يعدون العدة ليل نهار ليس فقط لفك هذه الشيفرة العصية على التعطيل وانما لضرب البيئة والجسد والفكر المقاوم متى استطاعوا ذلك، فالمواجهة لن تنتهي بهذه السهولة والأفعى ستواصل تغيير لونها وجلدها في محاولة للاختراق بشتى السبل ولكن ما علينا إلا العمل والصبر والاتكال على الله.
ولذلك يأتي هذا العام موعد ذكرى القادة الشهداء كما في ككل سنة بظرف دقيق وحساس حيث “يتكالب” الأعداء على هذه المسيرة ويحاولون النيل من المكتسبات وعناصر القوة وتشويه الصورة بشتى الطرق، ولكن أبناء هؤلاء القادة على العهد باقون وسائرون دون كلل بانتظار انبلاج الصبح مرددين كلام العزيز الجبار “أليس الصبح بقريب”.
المصدر: موقع المنار