عام 2003 قرر التحالف بقيادة الولايات المتحدة ارسال أكثر من 170 ألف جندي لغزو العراق تحت ذريعة امتلاكه لأسلحة دمار شامل. وفي حرب صنفت من بين أطول الحروب في التاريخ الأميركي قُتل أكثر من مليون ضحية وأصيب الملايين إضافة للخسائر التي قدرت بتريليونات الدولارات وما زالت البلاد تدفع فاتورتها الباهظة إلى اليوم. يومها، صرّح وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد جازماً “نعرف أين أسلحة الدمار الشامل، إنها في المنطقة حول تكريت وشرقها وغربها وجنوبها وشمالها”. ووقف وزير الخارجية الأميركي كولن باول يدافع بحماس عن الأدلة الاستخباراتية القوية التي وصلته عن امتلاك بغداد لأسلحة الدمار الشامل.
في أيلول 2005، أي بعد ما يقارب الـ 3 سنوات اعترف باول نفسه ان “دفاعه عن تقرير بلاده حول وجود هذه الأسلحة في العراق أمام المتحدة كان وصمة عار في مسيرتي السياسية…هذا الأمر مؤلم بالنسبة لي”.
بعد حوالي 18 عاماً، تعيد السعودية السيناريو نفسه مضيفة عليه شيئاً إضافياً من الغباء والسخافة. حيث ان التحالف بقيادة الرياض نشر مشاهد زعم أنها “مشاهد لـ”موقع تجميع وتركيب الصواريخ الباليستية في ميناء الحديدة”، ليتبيّن لاحقاً أنها مشاهد مقتطعة من فيلم “Severe Clear“، وتحديداً بعد ساعة و9 دقائق و54 ثانية من بدء الفيلم.
ولم تكن هذه السقطة الأولى للتحالف، فقد نشر قبل أيام أيضاً مقطع فيديو تمثيلي زعم فيه أنه لقيادي من حزب الله في لقاء مع رئيس هيئة الاستخبارات في الجيش اليمني عبدالله يحيى الحاكم الملقب بـ “أبو علي الحاكم”.
فعلياً. فإن الأمر أبعد من تزوير أدلة وتضليل للرأي العام الدولي، بل إنه انكشاف واضح لحجم الترهل الاستخباراتي لدى قوات التحالف مجتمعة لدرجة اضطرارها للاستعانة بمشهد من فيلم أميركي بعد عجزها عن تأمين آخر حقيقي حسب زعمها بوجود هكذا مصانع في الميناء. وهذا يقابله تفوق استخباراتي كبير لقوات صنعاء بعد نجاحها باحتجاز السفينة الإماراتية “روابي” المحملة بشتى أنواع الأسلحة والآليات وضبطها سالمة دون الاضطرار لاستعمال الخيار العسكري بعد تتبع مسارها كاملاً.
إصرار الرياض على هذه الذرائع لا يعدو كونه محاولة لصنع نصر مزيف بعد الخسائر المتتالية التي مُني بها وهو ما وصفه رئيس الوفد اليمني المفاوض محمد عبد السلام بالـ” فضيحة” حيث اعتبر في تغريدة له على حسابه على تويتر “من فضيحة إلى أكبر ومن إفلاس إلى آخر باستعراض ناطق التحالف ما يدّعيه أنه موقع لصواريخ في ميناء الحديدة، ليتبيّن أنه مشهد من فيلم جرى اجتزاؤه وتقديمه إلى الرأي العام على أنه إنجاز استخباري لتحالف يريد تعويض خسائره الميدانية بانتصارات إعلامية استخبارية مصطنعة ومختلقة ومثيرة للسخرية”.
قبل 18 عاماً وقف الرئيس الأميركي باراك أوباما -وكان وقتها سيناتور ولاية ألينوي- مصرحاً “لا أعارض جميع الحروب، بل أعارض الحرب الغبية. حرب لا تتأسس على سبب، بل على الرغبة، لا مبدأ لها، بل تتأسس على السياسية”. اليوم، يعيد التحالف نفس الحرب العبثية على اليمن، بأدوات وأسلوب غبي ودونما سبب. ربما سيقف تركي المالكي بعد حين من الزمن ليعترف بإحدى مذكراته “لقد كنا أغبياء حقاً”.