سِجْنُ الغاراتِ العشْر !
عين الحقيقة/ كتب/ د/مصباح الهمداني
اليوم دنيا وغدًا آخرة، تذكروا هذا جيدًا، وتذكروا أنَّنَا أمامَ عدوٍ، باعَ أهله وسجَنهم، ولم يُراعِ حرمةً لرحِمْ، ولا يقيم وزنًا لمواطِنْ، عن الملِكِ الخرِفْ وابنه أتحدَّث.
لكني أحدِّثُكم أنتم يا يمنيين في مشارق الأرضِ ومغاربِهَا!
وأخاطبُ كل عربيٍ حرٍّ، وكل مسلمٍ غيور، وكلِّ إنسانٍ شريف!
لن أتحدَّثَ عن الحربِ وجرائمها التي ما عُدنا نستطيع عدَّها، ولا إحصاء ضحاياها، إنما سأحدِّثكم عن جريمة الأمسِ لما لها من دلالاتٍ مهمة…
لقَدْ حدَّثتكم مرارًا وتكرارًا أن مملكة آل سعود السلالية الكهنوتية تقصِفُ مرتزقتَها في الخضراء ونهم وميدي والخوخة، لكنَّ ما حدَثَ بالأمسِ أكثرُ بشاعةً، وأكثرُ خساسةً، وأكثرُ نجاسة؛ فماذا حدَثْ؟
كما هي عادة اليمنيين أن يجدوا طُرقًا للصلحِ حتى في أحلكِ الظروف، وكانت قضية الأسرى هي من أكثر الطُّرق تمهيدًا للصُّلحِ ولملمة القلوبِ، فالأسيرُ المُحَرَّر ينقلُ صورةً واقعية عن الطرفِ الآخر وتعامله وتفاعله، ومدى إمكانية الوئام.
كان المبنى الذي قصفته الطائراتُ بالأمسِ هو سِجن الشرطة العسكرية؛ وهوَ مُخصَّص للأسرى، وقد زارت هذا المبنى واطلعت على أحوال الأسرى منظمة الصليبَ الأحمر الدولي ومنظمات أخرى كثيرة، وأكثرُ من هذا فقد كان الأسرى يتواصلون مع أهلهِم ومع قياداتهم، بلْ وزارهَم أهاليهم في نفس المبنى.
سبعُ غارات أيها الإنسانيون على هذا المبنى والذي يضم أكثر من 150 مرتزق أسير؛ وكلما ذهبت غارة، جاءت أختها، لماذا كل هذا الحِقد على هذا المبنى الذي يعرفه الجميع بأنه مليء بالأسرى!
ستِجدون الجواب في نجاح الحكمة اليمنية، وفسادَ وحِقدَ وكِبر وغرور المملكةِ الشيطانية؛ فقد نجحتْ لجان الأسرى في الطرفين، في تحرير الكثير من الأسرى هُنا وهُناك، وتمَّتْ تلكَ الصَّفقات بعيدًا عن أعيُنِ الغزاة، وما إنْ أدركَ السَّعاودة اللئام بأن اليمنيين في طريقهم إلى الطريق الصحيح، وأن هؤلاء الأسرى في هذا المبنى سيكونَون بينَ أهلهم، وعند ذويهم بعدَ ساعاتٍ أو يومٍ أو أيامٍ قليلة؛ لهذا قاموا بهذه الجريمة عمدًا وعدوانًا، ومزقوا السُّجناء إلى أشلاء، وجعلوا من بعضِهِم جُثَثًا مُتفحمة، وحضَرَ الأهالي؛ علَّهم يتعرفون إلى قريبٍ مُتفحِّم أو ولدٍ مُقطَّع الأشلاء!
وكم كانت العناية الإلهية حاضرة، في حضرةِ محرقةٍ نازيةٍ ملتهبة، اهتزَّ لها سكان صنعاء جرَّاء تلك الصواريخ الصهيوسلولية، وظن الجميع بأن أحجار المبنى قد ذابتْ فضلاً عن عظام السجناء، لكن اللهَ سبحانه أنقذَ بعض الأسرى؛ ليكونوا شُهودًا على مملكةِ الشيطان، ورُسُلاً إلى أهلهِم وقادتهم العسكريين بأن التَّحالف لا يُقيمُ وزنًا لمُرتزقٍ مُحارِبْ ولا لأسيرٍ على وشك الإفراج!
إنَّ توثيق هذه الجرائم بكل التفاصيل، من الصور إلى الشهادات، إلى الأسماء، يجبُ أن يكون باحترافيةٍ عالية وليسَ كتقريرٍ تلفزيوني أو صحفي، ويجبُ حضور لجان تقنية من الداخلية والمنظمات الحقوقية والإنسانية، وبمراجعة فرقٍ حقوقية مؤهلة بشكلٍ كبير.
العدو السعودي يحملُ حِقدًا على اليمن، بجميعِ أطيافه وأحزابه ومذاهبه وقبائله ورجاله، ولكنَّهُ يقتُل البعض بالأموال، ويقتل البعض بالتجنيد في ما وراء حدوده، ويقتُل البعض بالأماني والأمنيات، ويقتل البَعض بالتعبئةِ الفائضة بالكراهيةِ المستوردة، ويقتُل مرتزقته بالطيران في ساحات المعركةِ إن تراجعوا، وفي السجونِ إن تم أسرهم!
إن القصف الأخير، والضربات المتخبطة هي آخر ما في ذيل العدوان المهزوم المندحر البائس!
ولقد تم إحصاء أكثرَ من عشرِ جرائم، في ثلاثةِ أيامٍ فقط؛ للطيران الصهيوسعودي، وفي كل واحدةٍ منها أبرياء سقطوا تحت سقفِ مستشفى أو في أسواقٍ بعيدة أو في طرقٍ مُسبَّلة، وقبل الأخيرة كانت في الخوخة؛ حيث قام الطيران بسحق مرتزقته وإحراقهم، وكأنهم جراد يتم رشها بالسُّم؛ في جريمة تنهدُّ لها الجِبال…
لكنَّ آخر الجرائم بالأمسِ ليلاً هي أم البيِّنَات لإخواننا اليمنيين الشرفاء في الطرفِ الآخر، وهي دلالة واضحة لكل من ألقى السمعَ وهوَ شهيد!