يحتفل لبنان في ٢٥ أيار من كل عام بمناسبة عيد المقاومة والتحرير. وبعد أن تبنتها السلطة اللبنانية وأصبحت مناسبة رسمية سنوية، ستبقى ذكرى مشرِّفة في التاريخ اللبناني، تعبيراً عن الوفاء لأبطال وشهداء، بذلوا ولا يزالون الغالي والنفيس لحماية لبنان، وتقديرًا لقيمة ما حققته المقاومة في ٢٥ أيار عام ٢٠٠٠ ، لناحية تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي.
أهمية وقوة هذه المناسبة هذا العام، أنها تزامنت تقريبًا مع ملحمة بطولية خاضتها فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، والتي بدأت على خلفية اعتراض الشعب الفلسطيني – مدعومًا بجبهة عريضة من أطراف محور المقاومة – رفضًا للاعتداءات على الحقوق والمقدسات في القدس وفي المسجد الأقصى الشريف، وتنديدًا بمخططات التهويد التي يعمل لها ويمارسها العدو في أغلب الأراضي في فلسطين المحتلة، فكانت هذه الملحمة – “عملية سيف القدس” – وبعد التطورات الدراماتيكية التي شهدتها المواجهات الواسعة مع العدو، نقطة ارتكاز غير عادية، وبداية لمسار جديد في المواجهة، حتمًا سيكون له تداعياته وتأثيراته على الصراع مع العدو بعد اليوم.
هذا المسار المنتظر من التغيير في مستوى ومضمون وشكل المواجهة ضد العدو بعد عملية “سيف القدس”، هو بالمبدأ لن يكون بعيدًا أو مختلفًا عن المسار الذي سبق ورافق المواجهات التي خاضها حزب الله ضد الاحتلال قبل عام 2000، والذي توِّج بالتحرير الذي نحتفل به اليوم في 25 أيار من ذلك العام الاستثنائي في تاريخ لبنان. وما يدفعنا لقول ذلك، ويعطينا الثقة بأن هذا الصراع مع العدو في فلسطين المحتلة، يحمل الكثير من المعطيات الأكيدة، والتي سوف تساهم في النهاية باذن الله، بتحرير الأراضي المحتلة في فلسطين، تمامًا كما تحرر لبنان عام 2000.
في متابعة دقيقة لمسار المواجهة الأخيرة في فلسطين المحتلة بين المقاومة في غزة وبين العدو، كان طيف حزب الله موجودًا بقوة في أغلب صور هذه المواجهة التاريخية، وكان يمكن وبكل وضوح، تلمّس هذا الطيف في النقاط التالية:
في التحضير للمواجهة وأثناءها: ظهرت غزة قلعة صمود ومقاومة، مدينة تحت الأرض، تعج فيها الأنفاق الهجومية والدفاعية وأنفاق الحماية وغرف العمليات ومسارب الاتصال السلكي الآمن، أنفاق مرتبطة ببعضها بعضا بشكل اخطبوطي، من عشرات المداخل والمخارج والفتحات الجانبية، مشاغل للتدريب الفردي والجماعي، على اطلاق الصواريخ والمناورة بقواعدها في أنماط مختلفة وفي توقيتات غير مفهومة وغير منتظرة، فأصابت هذه القواعد من القبة الحديدية العدوة مقتلًا، ورغم القصف الجوي العنيف والمركز بالقاذفات المتطورة وبالمسيرات القناصة، لم تتوقف قواعد الإطلاق عن استهداف عمق العدو وقواعده العسكرية، في مشهد وكأنه تمامًا، نفس مشهد عدوان تموز عام 2006، حين هزم حزب الله العدو الاسرائيلي شر هزيمة، ملقنًا إياه درسًا ما زال يعيش صدمته.
في الجرأة وكسر المعادلات: ما ساهم في ارتباك وضياع العدو في عملية “سيف القدس”، أنه لم يكن ينتظر أو يفكر، بأن المقاومة الفلسطينية تملك الجرأة الكافية لإطلاق العنان للمناورة الصاروخية الصادمة التي اعتمدتها، أولًا بالتوقيت التحذيري الذي وضعته، والتزمت به رغم كل الاستهدافات المعادية العنيفة، وثانيًا بالشكل والنمط والأسلوب التكتي غير المألوف، الأمر الذي نتج عنه نجاح هذه المقاومة في كسر أكثر من معادلة، طالما كان العدو يعتبرها – “قبل سيف القدس” – محصنة وثابتة.
نتكلم أولًا عن معادلة استهداف أحياء وشوارع “تل ابيب” مقابل استهداف الأبراج المدنية في غزة، والتي جاءت مماثلة لتلك المعادلات التي كان فرضها حزب الله على العدو في المواجهات التي سبقت التحرير عام 2000، واستطاع من خلالها تحييد المدنيين، وانتزع في ذلك من العدو قدرته على الضغط والتأثير عند المواجهات.
المعادلة الأخرى التي استطاعت المقاومة الفلسطينية كسرها، والتي ستشكل نقطة مفصلية في الصراع، هي معادلة الردع بشكل عام، والتي تقوم على فرض استراتيجية ثابتة ومستدامة خلال كل مواجهة، في استهداف صاروخي دقيق ومركز على أهداف حيوية داخل عمق العدو، بمعزل عن الفارق الكبير بين قدرات الاخير وبين قدرات المقاومة، وبمعزل عن الدمار الذي يلجأ اليه دائما العدو في كل اعتداءاته، فكسرت هذه المعادلة مسارًا طويلًا من المواجهة كان العدو يفرض فيها ايقاعه، مستغلًا قدراته الضخمة المدمرة، تمامًا كما استطاع حزب الله فرض معادلة ردع بمواجهة “اسرائيل”، وأصبحت ثابتة من ثوابت قواعد الاشتباك معها، أصبحت المقاومة الفلسطينية اليوم، وبعد عملية سيف القدس، تملك القدرة والقرار والثقة على فرض معادلة مماثلة بوجه العدو.
من هنا، وأمام هذا المسار الاستثنائي في مواجهة العدو، والذي انطلق مع عملية “سيف القدس”، مع هذا التصميم والثبات الذي أظهرته فصائل المقاومة الفلسطينية، تحضيرًا وتجهيزًا وتنفيذًا، مدعومًا من كل أطياف فلسطين، في مناطق احتلال عام 48 أو في الضفة الغربية والقدس المحتلة، وطبعًا في غزة، مع دعم غير محدود من محور المقاومة قولًا وفعلًا، ومع النجاح في فرض المعادلات المذكورة، مع ما يمكن إضافته إلى كل ذلك لناحية الميزة اللافتة التي ميزت عمل المقاومة في غزة، في التحضير والتجهيز والعمل الآمن والمحصن في قطاع ضيق ومحاصر بالكامل، كل ذلك يشكل الانطلاقة الثابتة والأساسية للوصول إلى معادلة أكيدة، عنوانها الانتصار على العدو وتحرير الأراضي المحتلة منه باذن الله.