“سيف القدس”: تصاعد دور المقاومة في فلسطين والمنطقة
سركيس ابوزبد
خرجت المقاومة الفلسطينبة من حرب أيار 2021 رافعة إشارة النصر، رغم التدمير الهائل الذي أصاب غزة، ورغم الخسائر البشرية. ثمة قناعة واسعة على الساحة الفلسطينية، بأن “معركة سيف القدس” شكلت محطة مفصلية، وأربكت كل المعادلات: الضفة الغربية “التحمت” مع غزة وجبهة الداخل اشتعلت للمرة األولى. القضية الفلسطينية عادت الى طبيعتها الحقيقية، حيث تغلّبت الهوية الوطنية الأصلية لفلسطينيي الداخل، وكل “فلسطين التاريخية” أصبحت قابعة على “برميل بارود”.. خيار المقاومة برز بقوة داخل فلسطين وامتد أيضًا إلى العالمين العربي والإسلامي بخوضها المعركة من أجل القدس والمسجد الأقصى.
التظاهرات الداعمة والمتضامنة اجتاحت دولًا عدة في العالم، والمجتمع الدولي أعاد مركزية القضية الفلسطينية إلى أجنداته. هذه الجولة فرضت على الكيان الصهيوني إعادة حساباته والتفكير مليًا قبل أي إعتداء على الفلسطينيين في أي مكان. وبالتالي تكون معادلة غزة ـ القدس هي واحدة من أهم المعادلات الجديدة التي انبثقت عن هذه الجولة وغيّرت في قواعد الإشتباك.
كما ظهر مشهد الإنقسام السياسي والسجال “الإتهامي” داخل الكيان الإسرائيلي، حيث بدأت أصوات المعارضة ترتفع وتتحدث عن الفشل وإخفاق استخباري أولًا في تقدير قدرات “حماس” الصاروخية ونيتها في المبادرة الى البدء بجولة قتالية.
الإخفاقات السياسية الإستراتيجية ليست أقل شأنًا: سياسة نتنياهو هي التي أدت الى تعاظم قدرة غزة عسكريًا وفشل العدو في استعادة قوة الردع.. من جهة أخرى، للمرة الأولى يطالب أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي – بعضهم من الحزب الديمقراطي – الرئيس الاميركي أن يُظهر مزيدا من عدم الانحياز في الطريقة التي يتعامل بها مع الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، والانتقادات لـ”اسرائيل” من قبل الحزب الديمقراطي الاميركي هي الاعنف، وإدارة بايدن مارست ضغوطًا كبيرة على الكيان الإسرائيلي لحملها على وقف عمليتها ضد غزة، ولوقف الضغوط الكبيرة من دول عربية وأوروبية، ولوقف التآكل الذي بدأ في الرصيد السياسي الدولي لكيان العدو .
بمعزل عن حسابات الربح والخسارة، من الواضح أن الجولة الأخيرة أسفرت عن تداعيات ونتائج ومتغيّرات سياسية يمكن إيجازها في النقاط التالية:
1- إستعادة القضية الفلسطينية لـ”مكانتها واعتبارها” كقضية مركزية في المنطقة، بعدما ضاعت في غياهب وزواريب حروب المنطقة وقضاياها المستجدة.
2- إضطرار إدارة بايدن الى تعديل سياستها في المنطقة، وإيفاد وزير الخارجية أنطوني بلينكن لهذه الغاية في أول خروج له الى الشرق الاوسط، وعلى أساس خطة أو أجندة عمل تتضمن: تثبيت وقف النار وإسناده الى أسس سياسية، إطلاق عملية إعادة إعمار غزة.. وتحضير الظروف لاستئناف المفاوضات.
3- العودة الى مشروع “حل الدولتين” أساسًا للتفاوض وإلي حل سياسي عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وبالتالي طي صفحة “صفقة القرن”.
4- تأكيد مصر دورها المحوري على الساحة الفلسطينية وتحضير الأجواء لاستئناف حوار “فتح” ـ “حماس” في القاهرة.
5- خلط الأوراق الحكومية في الكيان الصهيوني: من جهة تزايدت العقبات في وجه الرئيس المكلف مائيرلبيد بعد طغيان أجواء التطرف ورفض التعاون مع النواب العرب في الكنيست، ومن جهة ثانية حصل تقدم في حظوظ نتنياهو الذي شرع في عملية تفكيك لمعسكر خصومه في اليمين واستقطاب نواب في كتلتي “بنيت وساعر” ومحاولة إجتذاب “غانتس” مجددا شريكه في حرب غزة. وخطة نتنياهو واضحة في الدفع الى حكومة يمينية برئاسته أو الذهاب الى انتخابات حامية يتوقع ان يربحها ويحسمها هذه المرة.
6- إنتعاش محور المقاومة بعدما أسفرت المواجهة الفلسطينية ـ الاسرائيلية عن ربح طرف ثالث هو إيران التي تُعّد “الرابح الأكبر”، في المحور الممتد من إيران الى بغداد ودمشق وبيروت وغزة، والذي سيشهد لاحقًا عملية تعزيز لقدرات القوى المنضوية فيه، ويشهد قريبًا عملية مصالحة بين “حماس” وسوريا وطي صفحة الخلاف الذي نشب إبان الحرب السورية، وفتح صفحة للاتفاق الذي أوجدت ظروفه حرب غزة.
7 – عودة “حماس” إلى العالم العربي بعدما فرضت نفسها لاعبًا محوريًا على الساحة الفلسطينية، ولا يمكن تجاهلها لا في عملية إعادة الاعمار لأنها هي الموجودة على أرض غزة، ولا في المفاوضات التي تملك قدرة تعطيلها، ولا في دورها وتأثيرها على القرار الفلسطيني.
علاقة حماس مع مصر موجودة ولكنها ستشهد مزيدا من التداخل والتفاعل والخطوط المباشرة المفتوحة والزيارات المتبادلة. ويصل وفد من حماس قريبا الى القاهرة، وحيث ُعلم أن الهدف من المحادثات التي ُدعيت إليها حماس في مصر هو مناقشة إمكانية تهدئة طويلة الامد وقضية الاسرى والمفقودين في غزة، فيما حدد العدو شرطَين للمحادثات: الأول أن تجري في قناتين منفصلتين، والآخر أن كل تقدم في إعادة إعمار غزة سيكون مشروطًا بإحراز تقدم في قضية الأسرى والمفقودين. في موازاة السعي إلى هدنة تستمر لمدة خمس سنوات على الأقل. ولا تهدف المساعي المصرية إلى ضمان هدنة في غزة فحسب، بل هي مرتبطة أيضًا بعملية إعادة الإعمار التي يُتوقع أن تلعب فيها القاهرة دورًا كبيرًا مع الدوحة، ولا سيما عبر تحويل معبر رفح ليكون المنفذ الرئيس لإدخال المساعدات.
الأردن يتهيأ لفتح أبوابه لـ”حماس”، وكان الملك قد استبق زيارة الوفد الأميركي بعقد مشاورات مع طواقمه التشريعية والتنفيذية، ركزت على مطالب المملكة المتمثلة في هدنة ممتدة، ومنح الأردن دورًا في إعادة الإعمار في القطاع. مع تأكيد الدور الأردني في الحرم القدسي، وهذا بالضرورة بترتيب مع القطريين الذين دعموا الوصاية الهاشمية في مجال مناكفتهم السعوديين، وكان معهم في المحور تركيا.
التطور الأهم يتعلق بمسألة عودة حماس الى سوريا. وبعد سنوات من القطيعة، تستعد “حماس” لاستثمار الإشارات الايجابية الصادرة عن الرئيس بشار الأسد، في شأن السماح لـ”الحمساويين” بالعودة إلى الأراضي السورية بعد سنوات من مغادرتها. وكان نائب الأمين العام لـ”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” أبو أحمد فؤاد، قد كشف قبل أيام عن الموقف السوري خلال لقاء الرئيس الاسد بفصائل المقاومة الفلسطينية، عندما قال: “أبواب سوريا مفتوحة لكل فصائل المقاومة بغض النظرعن تسمياتها”، ُمو ّجها التحية إلى مقاومي حماس و”الجهاد الاسلامي” وكل الفصائل. وعلى الفور، جاء رد أسامة حمدان، القيادي في “حماس”، إيجابيا، بالقول: “هذا الموقف ليس غريبا وليس مفاجئا، والمقاومة تعرف هذا الموقف، ومن يرد علينا بتحية نرد عليه بمثلها بل وخير منها، ونأمل أن تظل دمشق كما كانت عاصمة للمقاومة وداعمة للحق الفلسطيني”.
باختصار من أهم نتائج “معركة سيف القدس” وحدة وتفعيل المقاومة في فلسطين وتعزيز دور محور المقاومة.