“سيف القدس” بمواجهة “حارس الأسوار”: يد فلسطين العليا
الحقيقة/إيهاب شوقي
إذا كان العدو قد اختار اسم “حارس الأسوار” لعدوانه على غزة، فإن المقاومة اختارت “سيف القدس” للرد والصمود. وبين الاسمين مبارزة سياسية كبرى حيث تعكس إستراتيجية العدو وهدفه، كما تعكس فطنة المقاومة لهدف العدو وإستراتيجيتها لإفشاله.
وهذه المبارزة بين الدلالتين هي التي تحكم مستقبل الوساطات الراهنة للتهدئة ويمكن اعتبارها مقياسًا لنوايا ومواقف الوسطاء.
وقبل شرح وتوضيح ما نود قوله، لا بد أولًا من إعادة الاعتبار لأصل القضية ومنهج العدو الذي يمكن رصده من تراكمات السياسات، وبالتالي الوصول إلى العقدة الراهنة والتي تتوقف عليها الخطوات القادمة والتي تتحكم بالتهدئة أو التصعيد وتقييم مواقف الدول وسياساتها.
وسنحاول شرح ما نود إلقاء الضوء عليه باختصار في ما يلي:
أولًا: مسار التصفية الذي اتبعه العدو:
مع رصد التطورات في السنوات الماضية، يمكن استكشاف منهج العدو في تصفية القضية، حيث البدء بتقزيم الصراع وجعله فلسطينيًا إسرائيليًا، ثم تسييد فكرة ابتلاعه بقية فلسطين التاريخية داخل الخط الأخضر معتمدًا على أن أقصى طموحات العرب رسميًا هي حدود 67، ثم تقسيم بقية فلسطين إلى غزة والضفة والقدس، ثم خلق بؤرة للتنازع بين الضفة وغزة عبر سلطة وحكومة منزوعة السيادة لخلق تنازع داخلي، ثم ابتلاع القدس تجاوزًا حتى لرسميات العرب التي قبلت تقسيم القدس إلى شرقية وغربية، ثم التلويح بضم الضمة والجولان.
ثانيا: حسابات العدو وأوهامه:
هذا المسار الصهيوني اعتمد على مزيج من الحقائق والأوهام، وتمثلت الحقائق في التفريط الرسمي العربي الذي يغري بالمزيد من التصفية، وانقسام فلسطيني داخلي رعته أيضًا قوى خارجية بالتمويل وتوسيع الفجوات وقطع الطريق على الالتئام والتفاهم، وتراجع لزخم القضية بفعل غزو ثقافي و(ربيع عربي) اختلطت به المفاهيم وافترقت به قوى السياسة بعد أن كانت القضية الفلسطينية عاملًا مشتركا – ربما وحيدا- بينها.
أما الأوهام والتي شكلت الخطأ القاتل للعدو الصهيوني، فهي القناعة بأن المقاومة وهنت واستسلمت، وأن التطبيع يمكن أن يشكل ضربة قاضية لحمية الشعوب ووجدانها، وأن الشعب الفلسطيني استسلم لمنطق التقسيم وأصبح كانتونات معزولة يائسة، والوهم الأكبر والذي نزل كالصاعقة على رأس العدو، هو عرب 48 والذين تعامل معهم العدو باعتبارهم إسرائيليين بحكم الأمر الواقع، حتى فوجئ بعروبتهم وإسلامهم وانتفاضتهم والتي وجهت أكبر ضربة سياسية لتعلقها المباشر بصلب دولة الكيان وشرعيته.
ثالثا: سيف القدس وإفشال أوهام العدو:
هنا شكلت انتفاضة المقدسيين أولى الضربات للعدو باعتبارها كسرت وهم الاستسلام الذي بنى عليه العدو حساباته، ثم جاءت صواريخ غزة، لتنزل كالصاعقة على مسار التصفية، قبل أن تنزل على عسقلان أو تل أبيب أو مدن فلسطين المحتلة، لأنها ربطت غزة بالقدس في خط مباشر استدعى بدوره الربط مع الضفة، وكللته ثورة عرب 48 بتاج الوحدة لفلسطين التاريخية من البحر إلى النهر.
هنا انطلقت عملية العدو الذي فقد لبه ليسميها “حارس الأسوار” في دلالة واضحة على تكريس وحراسة مخططه التقسيمي الذي يريد به كانتونات فلسطينية معزولة تحت أسوارها، وإن كان البعض يرى أن التسمية دينية، إلا أنه لا تعارض بين الفهمين حيث ابتلاع القدس هدف نهائي للمخطط لتسويغ الشرعية الدينية للاحتلال، لتنطلق معه عمليات المقاومة والتي أسمتها “سيف القدس” لتكريس الربط بين غزة والقدس وإفشال مخطط العزل وهدم أسوار التقسيم والقضاء على أوهام العدو.
رابعا: عقدة التهدئة وإشكالية الوساطة:
هنا تمر الوساطات التي تسعى للتهدئة ووقف إطلاق النار، بعقدة رئيسية، يمكن تلخيصها في العبارة الافتتاحية في المناجاة الفردية التي نطق به الأمير هاملت في “مشهد الراهبات” من مسرحية “هاملت” للأديب العالمي “وليم شكسبير” وهي: “أكون أو لا أكون”.
فالعدو لا يقبل بشروط من غزة تتعلق بالقدس، لأن هذا يعني سياسيًا الربط وفشل مخطط الابتلاع، والمقاومة لا ترضى بشروط منفصلة عن القدس تكرس الانفصال وترسخ انتصار العدو وردعه وتلقي بالإحباط واليأس على العرب والفلسطينيين وعلى رأسهم المقدسيون، وتهدر المكاسب والتضحيات.
كل ما رشح من تسريبات عن الوساطات يفيد بعدم تنازل العدو عن ابتلاع القدس وفصله، أو عدم تنازل المقاومة عن القدس.
وكل ما يفعله العدو من جرائم حرب يعلن أنها “تعزيز للردع”، بينما هي جنون وانتقام وغضب من فشل مخطط أنفقت عليه مليارات الدولارات الأمريكية والخليجية، ويراه العدو مهدرا مع أول صاروخ من غزة يحمل دعما للقدس، وما تلاه من انزلاقات للحرب في الضفة والقدس وداخل الخط الأخضر.
هنا يمكن الحكم على خطاب الدول والوسطاء ومساعيهم، وهل هم بصدد تكريس انفصال القدس عن غزة وبالتالي المساهمة في تصفية القضية، أم أنهم بصدد المساعدة في تكريس معادلة فلسطين الموحدة.
فلنراقب ولنحكم وفقا لهذه المقاربة، بينما المقاومة ليست مأزومة والوقت في صالحها، ولا حاجة للضغط لإنقاذ العدو من الانهيار.