“سيف القدس” أصدق إنباء من الخطب!
بغداد – عادل الجبوري
“سيف القدس”.. ذلك العنوان الزاخر بالمعاني والدلالات العميقة، الذي أطلق على المواجهة الشاملة لأبناء الشعب الفلسطيني مع الكيان الصهيوني الغاصب، كشف عن حقائق كثيرة وكبيرة، وأماط اللثام عن خفايا ربما بقيت بعيدة عن دوائر الرصد والتشخيص لفترات طويلة، وسلط الضوء على أوهام لا أساس لها ولا وجود إلا في مخيلات المخادعين والمخدوعين.
“اسرائيل” الكيان الذي لا يقهر ولا يهزم، كما كان البعض يدعي ويروج ويتوهم، يترنح بعد أقل من أسبوعين من المواجهة تحت وقع صواريخ المقاومة، وتحت وطأة ضغوطات وأزمات اقتصادية حادة، وتصدعات اجتماعية خطيرة، وصرخات شعبية ونخبوية تدعو الى وضع حد لحماقات وتخبط الساسة الماسكين بزمام الأمور. وأكثر من ذلك، بينما تعمل الولايات المتحدة وأطراف التطبيع المذل جاهدة لحفظ ماء وجه الكيان الغاصب، راح آلاف الناس يخرجون في شوارع واشنطن ونيويورك ولندن وباريس والعديد من العواصم والمدن الغربية والعربية والاقليمية تنديدا بجرائم الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني.
ترسانة الأسلحة الضخمة التي يمتلكها الكيان الصهيوني، والدعم والإسناد الدولي الكبير الذي يحظى به، وانهزامية بعض الانظمة العربية وخضوعها له، والاعلام الواسع المروج لسياساته والصامت عن جرائمه، كل ذلك لم يكف لا ليحقق الانتصار، وانما لم يكف حتى ليتجنب الهزيمة والانكسار.
ويبدو أن وزير الحرب الاسرائيلي السابق افيغدور ليبرمان كان واضحًا وصريحًا وواقعيًا، حينما تساءل بقلق وتذمر واستياء، قائلًا “إذا كان الوضع هكذا أمام حماس فكيف سيكون وضع “إسرائيل” الحقيقي مقابل حزب الله وإيران؟”.
وقبل ليبرمان، تحدث ساسة وعسكريون وكتاب ومفكرون في الكيان الغاصب عن مخاطر ما يجري.. كل هذا والمطبعون العرب يصلون الليل بالنهار لإنقاذ نتنياهو وكيانه الإجرامي من المصير الأسود الذي ينتظره.
وهذه المرة، رغم أن الحراك السياسي والدبلوماسي الواسع، أفضى الى عقد هدنة محكومة باشتراطات المقاومة، إلا أن ذلك لا يعني أن كل شيء قد انتهى، وأن مرحلة ما بعد انتهاك حرمة المسجد الأقصى من قبل الجيش الصهيوني في التاسع من شهر أيار – مايو الجاري، لن تكون كمرحلة ما قبل الانتهاك.
هذه المرة، لا يبدو أن الأمور ستنتهي مثلما اعتاد الكيان الصهيوني الغاصب، بل إنه لن يكون بإمكانه أن يقرر إنهاء المواجهة بالكامل، كما بدأها هو بنفسه حينما انتهك حرمة المسجد الأقصى. فالمقاومة الفلسطينية ليست كما كانت في الماضي من حيث القوة والحضور والتأثير، والأيام القلائل الماضية أثبتت أنها رقم صعب جدًا، وأنها هي من ستوجه مسارات ومخرجات المواجهة، لا سيما وأنها تعد جزءا من محور المقاومة، وعنوانها بارز وشاخص فيه، وهذا ما ينبغي أن يدركه الكيان الغاصب ومن يدعمه ويسانده ويتعاطف معه.
ويوما بعد آخر.. كلما ازدادت وتنامت قوة وشعبية المقاومة الفلسطينية، انحدر الكيان الغاصب وتعمقت أزماته. والشواهد على ذلك ليست بالقليلة. وهنا فإن رئيس أركان الجيش الصهيوني الجنرال افيف كوخافي يقر ويعترف بقوة المقاومة، حينما يخبر رئيسه نتنياهو بـ”نفاد الحلول وتضاؤل الخيارات أمام كيانه في التعامل مع المقاومة المتحفزة والمتصاعدة والمتوسعة مع مرور الوقت”، ناهيك عما كتبته صحيفة (هاارتس) الاسرائيلية، من”أن الأحداث الأخيرة وحدت الفلسطينيين، وأظهرت أن الجيل الجديد أثبت أنه لن يقبل بالإذلال والخضوع”.
في الواقع، بينما أثبتت الأحداث الأخيرة قوة المقاومة الفلسطينية ووحدة كل فئات الشعب معها، كشفت بشكل أكبر عن النزعة الدموية الاجرامية للكيان الصهيوني، الى جانب ضعفه وخوائه وهشاشته، فذلك الكيان مارس جرائمه ضد الشعب الفلسطيني المظلوم بوقاحة، وانتهك أبسط القوانين والمعاهدات الدولية وتعامل بكل ظلم وغطرسة، وعنصرية الكيان باتت هذه الأيام واضحة لكل العالم، وهجماته على المواطنين الفلسطينيين تعد جرائم ضد الإنسانية، ولا يمكن تجاهل الإرهاب الشامل المفروض على الشعب الفلسطيني، وما حدث في فلسطين المحتلة هو بمثابة جرائم منظمة ضد الانسانية وانتهاك صارخ لقوانين الأمم المتحدة، والصمت أمام الإرهاب الإسرائيلي يعني تشجيعا لوحشية واجرام الصهاينة.
ولا شك أن الهدنة المشروطة، سواء نجحت أو فشلت، وبصرف النظر عن سقفها الزمني، فإنها في واقع الأمر رسمت مسارات واضحة، وأشرت إلى معطيات مهمة، من بينها، أن المقاومة الفلسطينية ستكون طرفًا أساسيًا ومحوريًا في المفاوضات القادمة وبما يصب في خدمة عموم أبناء الشعب الفلسطيني وليس قطاع غزة فحسب، وهذا يستتبعه تحول استراتيجي فى التعامل مع قطاع غزة داخليًا وإقليميًا. ولا شك أن سكان القطاع والمدن الفلسيطينية الأخرى، سيلمسون تحسنًا في أوضاعهم الاقتصادية.
يقابل ذلك، المزيد من التصدع وفقدان الثقة في الشارع الإسرائيلي بزعاماته السياسية والحزبية، وتفاقم الأزمة السياسية الخانقة التي لم تفلح أربعة انتخابات في حلحلتها وإخراجها من عنق الزجاجة، ناهيك عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
والأكثر من ذلك كله، أن الانتصار الفلسطيني، مثل انتصارًا تاريخيًا لمحور المقاومة، وهزيمة للقوى الاستكبارية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية وقوى التطبيع، وبالتالي فإن الانتصار أسس لمعادلات جديدة لم تعد في صالح الكيان الصهيوني تمامًا.
بعبارة أخرى، أثبت “سيف القدس” أنه أصدق إنباء من الخطب!