سيد اليمن: ما الذي يمتلكه ليهدد إسرائيل ويخاطب أمته الإسلامية؟
الحقيقة/عيسى محمد المساوى
القى السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي كالعادة خطابا بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف غير أن لغة الخطاب بدت هذه المرة موجة للأمة الاسلامية أكثر منها الى الداخل اليمني في تطور لافت حرص من خلاله السيد الحوثي على أن تُظهر اليمن – رغم محنتها – ارتباطها الوثيق بقضايا الأمة العربية والاسلامية انطلاقا من التزاماتها الاخلاقية والدينية وتجسيدا للمكانة التي تبوءتها عن جدارة خلال معركة الصمود الأسطوري في وجه أشرس حرب شنت عليها من قبل تحالف دولي بقيادة السعودية والولايات المتحدة الأمريكية وفي ظل تواطؤ عالمي وخذلان عربي واسلامي.
غير أن تلك الحرب الشاملة وبدلا من أن توصل اليمن الى أسوء مراحل الضعف والاستسلام إذا بها تحول اليمن الى قوة لا يستهان بتماسكها الداخلي وبقدراتها العسكرية المتطورة التي باتت تستهدف بنجاح أهم ما في العمق السعودي وتتصدر مسرح العمليات العسكرية مجبرة المجتمع الدولي على الاعتراف بالفشل العسكري لتحالف العدوان على اليمن الذي يجلس اليوم مرغما على طاولة مفاوضات سرية مع أنصار الله للخروج بماء الوجه من مستنقع اليمن وهو ما يجعل إنهاء هذه الحرب العدوانية مسألة وقت لا أكثر.
هذا ما أراد أن يؤكد عليه السيد الحوثي الذي بدا في خطابه أكثر وثوقا وهو يعرج بشكل مقتضب على الشأن الداخلي ناصحا تحالف العدوان وعلى رأسه السعودية بوقفٍ جادٍ للعدوان والحصار وإلا فستكون المخاطر كبيرة والعواقب وخيمة، في إلماحة الى أن الوقف الجزئي للحرب غير كاف وأن فرصة الخروج بماء الوجه قد تضيع وسيكون البديل عنها باهض الكلفة.
غير أن ما يسترعي الانتباه أكثر هو الانتقال الى الفضاء الأوسع بمضامين غير مسبوقة توجه بها السيد الحوثي الى أمته الإسلامية وعدوها الأول اسرائيل في رسالتين بالغة الدلالة:
الرسالة الأولى: التأكيد بالفم المليان على أن الموقف من العداء لإسرائيل ككيان غاصب هو موقف مبدئي إنساني أخلاقي والتزام ديني في الوقت الذي تنبطح فيه كثير من الأنظمة العربية والاسلامية تحت اسرائيل، والأقوى من ذلك على الاطلاق هو تحذير العدو الاسرائيلي أنه اذا تورط بأي حماقة ضد اليمن ” فإنَّ شعبنا لن يتردد في إعلان الجهاد في سبيل الله ضد هذا العدو، كما لن نتردد في توجيه أقسى الضربات الممكنة لاستهداف الأهداف الحسَّاسة جداً على كيان العدو الإسرائيلي “.
هنا يكشف السيد الحوثي الذي يعرفه اليمنيون بأنه رجل القول والفعل ولأول مرة عن امتلاك اليمن لقدرات عسكرية متطوره تستطيع ليس الوصول الى عمق العدو الاسرائيلي فحسب بل وتسديد ضربات قاسية للأهداف الحساسة جدا، تاركا الباب مفتوحا لتخيل عدد المواقع الحيوية التي قد يشملها بنك الأهداف.
إن المتحدث هنا ليس السيد نصر الله المتواجد على تخوم الكيان الاسرائيلي بل السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي الذي تفصله عن الكيان الاسرائيلي مسافة قد تتجاوز 2000كم وهنا بيت القصيد ومكمن الرعب الذي لا ينتهي، وهنا قد نجد البعض بفعل الصدمة يحاول الانكار او التقليل من هذا التطور العسكري اليمني بحشر أنف ايران كما فعلوا عقب الضربة النوعية التي استهدفت منشآت ” بقيق وخريص” إلا أن ذلك لن يغير من حقيقة أن القوة العسكرية اليمنية باتت قادرة على الوصول الى عمق الكيان الاسرائيلي وليس بمقدور أحد أن يدحض ذلك وقد تحدث به سيد القول والفعل.
بهذا التصريح الصاعق يعلن السيد الحوثي أن اليمن المحارب والمحاصر بات قوة اقليمية وازنة ومؤثرة وهو ما يدفعنا الى تساؤل محوري مفاده: كيف سيكون عليه حال اليمن بعد وقف الحرب والحصار؟!! إنه السؤال الذي يقض مضاجع الصهاينة وحلفائهم العرب وتقوم قيامتهم كلما تذكروا أن المارد اليمني تحرر من محبسه ولم يعد بوسع أحد أن يكبله من جديد، صحيح أن السيد الحوثي جعل التهديد لاسرائيل مقصورا هذه المرة على الحالة الدفاعية لكن من يتتبع مركزية القضية الفلسطينية في خطابات السيد الحوثي يستطيع التنبؤ بأن السلاح اليمني الاستراتيجي قد يتحول في المستقبل الى رأس حربة في رسم ملامح الانتصار لمظلومية الشعب الفلسطيني.
من هذه الأرضية الصلبة التي يقوم عليها بنيان اليمن الجديد الآخذ بالتعاظم وجه السيد الحوثي رسالته الثانية مخاطبا أمته الاسلامية بضرورة ” أخذ الحيطة والحذر في تعاملها مع مشاكلها بما لا يفتح ثغرةً للأعداء” والتسلح بالوعي والحكمة في مواجهة الادوار التخريبية لأمريكا واسرائيل، وفي سياق هذا الخطاب الاسلامي وجه السيد الحوثي دعوة للحكومات للاضطلاع بدورها تجاه الشعوب بكل أمانة ومسؤولية محذرا من عواقب الفساد والأداء الفاشل في تفاقم الازمات، ومقدما لأمته الاسلامية شعوبا وحكومات مجموعة من النصائح لمواجهة التحديات الماثلة واعتماد الوسائل والخيارات العملية ازائها.
هكذا قدم خطاب المولد النبوي الشريف السيد الحوثي قائدا استثنائيا للشعب اليمني وشريكا مستقبليا لشعوب أمته الاسلامية التي ظلت على الدوام تشغل حيزا مهما من تفكيره واولوياته وكانت جوهر مشروعه المتطلع الى أمة اسلامية متحررة من هيمنة قوى الإمبريالية العالمية التي نالها نصيبا وافرا من الهجوم في خطاب المولد، ولسائل أن يسأل: من هو السيد الحوثي وما الذي يمتلكه حتى يهدد اسرائيل ويخاطب الأمة الاسلامية موجها النصائح والتعليمات وكأنه زعيم اسلامي؟
إنه ذات التساؤل الذي برز لأول مرة في 2004م مع اندلاع الجولة الأولى من الحرب الأهلية شمال اليمن فيما بات يعرف بحروب صعدة الست، إذ كان السؤال السائد آنذاك: من هو هذا الحوثي حتى يواجه سلطة الدولة ويخاطب اليمنيين من موقع القيادة؟؟
غير أن واقع الصراع مع انتهاء الحرب السادسة في 2010م تولى بدوره الإجابة مُزيحا الستار عن فشل الخيار العسكري في القضاء على تلك الحركة الثقافية التي نجحت في اثبات ذاتها وتحقيق ما كان يعتقده البعض مستحيلا واجبرت الدولة اليمنية على الاعتراف بها كمكون يمني وازن بات يعرف باسم حركة أنصار الله. ومن وحي انتصار مشروعها التحرري الأول انطلقت حركة أنصار الله في مشروعها التحرري الوطني لاستعادة الدولة اليمنية من قبضة قوى الهيمنة السعودية والأمريكية وتصدرت الحركة بقيادة السيد الحوثي ثورة شعبية نجحت في تحقيق سلسلة من الانتصارات على مراكز النفود التابعة لقوى الهيمنه كانت تبدو مستحيلة بنظر الكثيرين وحولتها الثورة الشعبية الى حقائق ماثلة للعيان، وفي كل محطة من محطات هذا المشروع التحرري المتطور كانت ذات التساؤلات تعاود الظهور من جديد ويتولى واقع التطورات المتسارعة تقديم الاجابات المتتالية على نجاح رهانات السيد الحوثي الذي حقق بزمن قياسي تحولات كبرى نقلت اليمن من دولة ضعيفة مسلوبة السيادة والقرار الى دولة فتية خلاقة تواجه بكل بسالة واقتدار اشرس عدوان شهدته المنطقة وتصنع من معاناتها وعوزها انجازات عسكرية نوعية باتت قاب قوسين من اعلان الانتصار في معركة استعادة القرار اليمني المستقل،
وها هي اليوم تتقدم بخطى واثقة لتتبوء مكانتها كقوة اقليمية وازنة بفضل ما تمتلكه من ترسانة عسكرية متطورة وثروات طبيعية وقوة بشرية ومواقع استراتيجية بالغة الأهمية ورصيد حافل بتجارب العبور الناجح من أخطر الأزمات والتحولات، وعلى رأس هذه المكتسبات قيادة استثنائية بملكات استثنائية وعزيمة فولاذية ما إن اكملت أهم محطات مشروعها التحرري على المستوى الوطني حتى أخذت ترسم ملامح مشروعا تحرريا للنهوض بالأمة وتغيير واقع الخنوع والاستسلام لقوى الاستكبار العالمي، فمشروع طموح كهذا لم يعد بنظر السيد الحوثي مشروعا مستحيلا بعد أن قدمت التجربة اليمنية الأدلة القاطعة على امكانية الانتصار على قوى الاستكبار.
إن ما بين السطور في خطاب السيد الحوثي آنف الذكر يحمل الكثير من الإشارات على مرحلة جديدة يجري التمهيد لها من خلال شد أنظار الشعوب الإسلامية الى التجربة اليمنية التي طوعت المستحيلات وكسرت غطرسة قوى الاستكبار واصبحت اليوم قوة لا يستهان بها في محاولة لبعث همم حركات التحرر الاسلامية للاستفادة من التجربة اليمنية، والى أن تعلن اليمن رسميا انتصار مشروعها التحرري سنكون على موعد مع خطابات أخرى ترسم بصورة أوضح ملامح الدور المستقبلي لليمن في محيطه العربي والإسلامي.