سياسيون ومفكرون عالميون: الإمام الحسين قدوة الثوار وصوت الحق والعدالة عبر التاريخ
أعطى الإمام الحسين للحرية زخما روحيا وثوريا وإنسانيا قل نظيره، حيث مثّل خروجه ثائرا ضد الظلم والطغيان وكسر قيود العبودية ونشر راية الحرية، أسمى معاني التضحية في سبيل قضية دينية واجتماعية وأهداف سامية لم تكن تتعلق بمفهوم الشهادة وحدها ومعانيها، بل تتخطاها لتجسد بعدا يحذو حذوه الثوار المتمسكون بمبادئهم وأهدافهم النبيلة.
قدوة الثوار
وقد مثّلت مقولته الشهيرة: “كونوا أحراراً في دنياكم” لبنة أولى أسس بها بعدا ثوريا وإنسانيا ضد كل أنواع الظلم والاستبداد في جوانب الحياة كافة، وهي الحقيقة التي عبّر عنها الكثير من قادة الثورات العالمية الذين استلهموا من الإمام الحسين -عليه السلام- مبادئ وقيم الثورة والتضحية من أجل الانتصار لقضاياهم في الحرية والعدالة، وهو ما عبّر عنه الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا الذي قال انه يقتفي أثر الإمام الحسين “ع” في كفاحه ضد سياسة التمييز العنصري، ومن قبله الزعيم الهندي المهاتما غاندي الذي قال انه تعلم من الإمام الحسين كيف يكون مظلوما فينتصر.
ولأن مفهوم الحرية والعدالة في فكر الإمام الحسين جسّد وترجم مفهوما وحقا إنسانيا يتطلع إليه كل إنسان على وجه الأرض، حيث مثلت ثورته نهجا ثوريا لا ينحصر الاقتداء به على المسلمين فقط، بل تجاوزه ليشمل كل ديانات وشعوب الأرض التي اعتبرت أهداف ومبادئ ثورة الحسين مطلبا إنسانيا ينسجم مع فطرة الإنسان الذي يتوق للحرية ويرفض الظلم في مختلف الميادين، المعنوية، الاجتماعية، وهو ما عبَّر عنه الكثير من المفكرين العالميين.
أبو الشهداء
الأديب والمفكر العربي عباس محمود العقاد أصدر كتاباً بعنوان “أبو الشهداء الحسين بن علي” تحدث فيه عن مناقب الحسين واصفا مأساة كربلاء بأنها تجسيد للصراع الأبدي بين الحق والخير وبين الشر والظلم، وقال العقاد: “تعتبر حادثة استشهاد «الحسين بن علي» في «كربلاء» إحدى أهم المآسي الإنسانية على مر التاريخ؛ حيث يتجلى الصراع الأبدي بين الخير والحق من جانب وبين الشر والنفعية من جانب آخر، ولتتضح الصورة أكثر بأن ما قد يبدو محض صراع على السلطة بين طرفين متناحرين هو في الحقيقة صراع ثائر ضد الظلم والطغيان بُذلت فيه أغلى الدماء، فيتحدث العقاد عن «الحسين» حفيد النبي موازنًا بينه وبين خصمه اللدود «يزيد بن معاوية» لنقرأ تحليل العقاد للشخصيتين، والفرق بين ما أسماه هو «أمزِجتهما» لنفهم جذور خصومتهما حتى يصل بنا إلى معركتهما الفاصلة على أرض «كربلاء» العراقية التي تظهر أحداثها وحشية غير مفهومة لم تُرَاعِ نسب الحسين الشريف، ذلك البطل الذي سار لمصيره بثبات شجاع لا يضره من خذله؛ لتظل سيرته الخالدة نبراسًا، وتترك اللعنات لقاتليه.
الثبات على المبدأ
والمفكر المسيحي أنطون بارا تحدث عن ثورة الإمام الحسين فقال: “لم يسجّل التاريخ شبيهاً لاستشهاد الحسين في كربلاء ، فاستشهاد الحسين وسيرته عنوان صريح لقيمة الثبات على المبدأ، ولعظمة المثاليّة في أخذ العقيدة وتمثّلها، وهو الذي قال “لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية، ولأقمنا له في كل أرض منبراً، ولدعونا الناس إلى المسيحية باسم الحسين”، وعلى نهجه أسس الإمام الخميني “قده” ثورته ودعا الشعوب إلى التحرر والاستقلال وخلع الأغلال.
أما الكاتبة الإنجليزية ــ فريا ستارك فقالت: (وعلى مسافة غير بعيدة من كربلاء خرج الحسين إلى جهة البادية، وظل يتجول حتى نزل في كربلاء وهناك نصب مخيمه… بينما أحاط به أعداؤه ومنعوا موارد الماء عنه.
وأضافت الكاتبة: وما تزال تفصيلات تلك الوقائع واضحة جلية في أفكار الناس إلى يومنا هذا كما كانت قبل أكثر من (1257) سنة وليس من الممكن لمن يزور هذه المدن المقدسة أن يستفيد كثيراً من زيارته ما لم يقف على شيء من هذه القصة، لأن مأساة الحسين تتغلغل في كل شيء حتى تصل إلى الأسس وهي من القصص القليلة التي لا أستطيع قراءتها قط من دون أن ينتابني البكاء…).
أبلغ معاني التضحية
المستشرق والكاتب الألماني كارل بروكلمان وصف استشهاد الإمام الحسين في كتابه (تاريخ الشعوب الإسلامية) قائلا: “الحق أن ميتة الشهداء التي ماتها الحسين بن علي قد عجلت في التطور الديني لحزب علي، وجعلت من ضريح الحسين في كربلاء أقدس محجة).
أما عالم الآثار الإنجليزي وليم لوفتس فقال في كتابه (الرحلة إلى كلدة وسوسيان): (لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تاريخ الإنسانية، وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذة).
وفي كتابه (رحلة إلى العراق) قال الباحث الإنجليزي جون أشر: “إن مأساة الحسين بن علي تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي…”.
ووصف المستشرق الهنغاري اجناتس غلولد تسيهر ساحة الاستشهاد في كربلاء في كتابه (العقيدة والشريعة في الإسلام): بالقول “قام بين الحسين بن علي والغاصب الأموي نزاع دام، وقد زودت ساحة كربلاء تاريخ الإسلام بعدد من الشهداء.. اكتسب الحداد عليهم حتى اليوم مظهرا عاطفيا..”.
الجيش الأموي ضد الحسين
المستشرق الفرنسي هنري ماسيه تحدث في كتابه (الإسلام) عن المعركة التي خاضها الإمام الحسين ضد الجيش الأموي بقوله : “في نهاية الأيام العشرة من شهر محرم طلب الجيش الأموي من الحسين بن علي أن يستسلم، لكنه لم يستجب، واستطاع رجال يزيد الأربعة آلاف أن يقضوا على الجماعة الصغيرة، وسقط الحسين مصابا بعدة ضربات، وكان لذلك نتائج لا تحصى من الناحيتين السياسية والدينية…”.
أما الكاتب الإنجليزي توماس لايل فوصف مواكب كربلاء في كتابه (دخائل العراق ص56 ـ 57) بقوله: “فشعرت في تلك اللحظة وخلال مواكب العزاء وما زلت أشعر بأنني توجهت في تلك اللحظة إلى جميع ما هو حسن وممتلئ بالحيوية في الإسلام، وأيقنت بأن الورع الكامن في أولئك الناس والحماسة المتدفقة منهم، بوسعهما أن يهزا العالم هزا فيما لو وجها توجيها صالحاً وانتهجا السبل القويمة ولا غرو، فلهؤلاء الناس واقعية فطرية في شؤون الدين…”.
وقال عالم الآثار الإنجليزي ستيون لويد في كتابه (الرافدان): “حدثت في واقعة كربلاء فظائع ومآس صارت فيما بعد أساسا لحزن عميق في اليوم العاشر من شهر محرم من كل عام… فلقد أحاط الأعداء في المعركة بالحسين وأتباعه، وكان بوسع الحسين أن يعود إلى المدينة لو لم يدفعه إيمانه الشديد بقضيته إلى الصمود، ففي الليلة التي سبقت المعركة بلغ الأمر بأصحابه القلائل حدا مؤلما، فأتوا بقصب وحطب إلى مكان من ورائهم فأحضروه في ساعة من الليل، وجعلوه كالخندق ثم ألقوا فيه ذلك الحطب والقصب وأضرموا فيه النار لئلا يهاجموا من الخلف.. وفي صباح اليوم التالي قاد الحسين أصحابه إلى الموت، وهو يمسك بيده سيفا وباليد الأخرى القرآن، فما كان من رجال يزيد إلا أن وقفوا بعيدا وصوبوا نبالهم فأمطروهم بها.. فسقطوا الواحد بعد الآخر، ولم يبق غير الحسين وحده، واشترك ثلاثة وثلاثون من رجال بني أمية بضربة سيف أو سهم في قتله ووطأ أعداؤه جسده وقطعوا رأسه”.
عصبة الإيمان
المستشرق الإنجليزي برسي سايكوس قال في كتابه (تاريخ إيران ص542): “إن الإمام الحسين وعصبته القليلة المؤمنة عزموا على الكفاح حتى الموت، وقاتلوا ببطولة وبسالة ظلت تتحدى إعجابنا وإكبارنا عبر القرون حتى يومنا هذا..).
وأضاف وهو يصف أبطال معركة كربلاء: “حقا إن الشجاعة والبطولة التي أبدتها هذه الفئة القليلة، كانت على درجة كبيرة بحيث أنها دفعت كل من سمعها إلى إطرائها والثناء عليها لا إرادياً، هذه الفئة الشجاعة الشريفة جعلت لنفسها صيتاً عالياً وخالدا لا زوال له إلى الأبد”.
وتحدثت الباحثة الإنجليزية جرترود بل في كتابها (من أموراث إلى أموراث) عن كربلا فقالت: “لقد أصبحت كربلاء مسرحا للمأساة الأليمة التي أسفرت عن مصرع الحسين…”.
وقال العالم الإيطالي الدو مييلي في كتابه “العلم عند العرب”: “نشبت معركة كربلاء التي قتل فيها الحسين بن علي، وعرضت الأسرة الأموية في مظهر سيئ.. ولم يكن هناك من يستطيع أن يحجب آثار السخط العميق في نفوس القسم الأعظم من المسلمين على السلالة الأموية والشك في شرعية ولا يهتم..”.
أهمية كونية
المستشرق الأمريكي كوستاف غرونيبهام قال في كتابه (حضارة الإسلام): إن: “الكتب المؤلفة في مقتل الحسين تعبّر عن عواطف وانفعالات طالما خبرتها بنفس العنف أجيال من الناس قبل ذلك بقرون عديدة، وأضاف قائلاً: إن واقعة كربلاء ذات أهمية كونية، فلقد أثرت الصورة المحزنة لمقتل الحسين، الرجل النبيل الشجاع في المسلمين، تأثيراً لم تبلغه أية شخصية مسلمة أخرى..”.
وقال الكاتب والمفكر الهندي سيد أمير علي (إن مذبحة كربلاء قد هزت العالم الإسلامي هزا عنيفا، ساعد على تقويض دعائم الدولة الأموية..).
أما المستشرق الأمريكي فيليب حتى فقال: (أصبح اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي يوم حداد ونواح عند المسلمين.. ففي مثل هذا اليوم من كل عام تمثل مأساة النضال الباسل والحدث المفجع الذي وقع للإمام الشهيد وغدت كربلاء من الأماكن المقدسة في العالم، وأصبح يوم كربلاء وثأر الحسين صيحة الاستنفار في مناهضة الظلم..).
روح الإسلام وهراطقة يزيد
المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون وصف بجملة صغيرة كل ما شهدته كربلاء بقوله: (أخذ الحسين على عاتقه مصير الروح الإسلامية، وقتل في سبيل العدل بكربلاء..).
وقالت الباحثة الإنجليزية أ.س. ستيفينس: (على مقربة من مدينة كربلاء حاصر هراطقة يزيد بن معاوية وجنده الحسين بن علي ومنعوا عنه الماء ثم أجهزوا عليه، إنها أفجع مآسي الإسلام طرا.. جاء الحسين إلى العراق عبر الصحراء ومعه منظومة زاهرة من أهل البيت وبعض مناصريه.. وكان أعداء الحسين كثرة، وقطعوا عليه وعلى مناصريه مورد الماء.. واستشهد الحسين ومن معه في مشهد كربلاء، وأصبح منذ ذلك اليوم مبكى القوم وموطن الذكرى المؤلمة كما غدت تربته مقدسة.. وتنسب الروايات المتواترة إلى أن الشمر قتل الحسين لذا تصب عليه اللعنات دوما وعلى كل من قاد القوات الأموية ضد شهداء كربلاء.. فالشمر صنو الشيطان في الإثم والعدوان من غير منازع..).
وقال توماس ماساريك: (على الرغم من أن القساوسة لدينا يؤثرون على مشاعر الناس عبر ذكر مصائب المسيح إلا أنك لا تجد لدى أتباع المسيح ذلك الحماس والانفعال الذي تجده لدى أتباع الحسين -عليه السلام- ويبدو أن سبب ذلك يعود إلى أن مصائب الحسين لا تمثل إلا قشة أمام طود عظيم).
إمام الحق