سوريا اليوم وسوريا غداً
علي أحمد شرف الدين
ما حدث في سوريا ليس أمرا هينا، بل زلزال اجتاح المنطقة، وستكون له ارتدادات كثيرة في المنطقة، ولعل أسباب ما حصل ستظل حينا من الدهر تمثل علامات استفهام كبيرة، فنحن أمام انهزام متسلسل، منذ أول طلقة تحركت بعدها الجماعات المسلحة، تحت شعارات التحرير، فالجيش العربي السوري ليس مؤسسة مفككة، ولم يشهد صدامات داخلية، ولا انقلابات متتالية، بل كانت الأوامر تأتيه بالانسحاب، مدينة تلو الأخرى، حتى وصلت هذه الانسحابات إلى القصر الجمهوري، دون معرفة مصدر هذه التوجيهات الانهزامية، في ظل غياب مطلق لرأس الهرم في السلطة عن المشهد، فالرئيس السوري بشار الأسد لم يقم بأي دور، ما يضع حول دوره ومصيره الكثير من علامات الاستفهام، تبدأ من احتمال الانقلاب الصامت عليه داخل المؤسسة دون إعلان رسمي بذلك، وتنتهي باغتياله في وقت سابق، يتزامن مع ساعة الصفر التي انطلقت فيها الحملة العسكرية المنسقة بالرعاية التركية، ولكن كل هذا لا يصنع أي فارق في الواقع اليوم، وهو الواقع الذي يضعنا أمام أسئلة المستقبل الأكثر أهمية من هذه التساؤلات التي يثيرها الفضول البشري أمام أي مجهول.
أما عن المستقبل فماذا عن مستقبل سوريا؟ هل ستشهد توافقا على شكل السلطة؟ وهل ستجد المتناقضات بين الجماعات المسلحة نقطة التقاء بينها تتفق عليها، ابتداء من الكردي الذي يحلم بوطن مستقل وانتهاء بالتكفيري الذي يسعى إلى إعلان خلافة إسلامية لا تحدها الحدود المعروفة اليوم.
ليس شكل السلطة مهما بالقدر الكبير لنا، فهو شأن يقرره السوريون لو تركت لهم الأيادي الخارجية مجال الاختيار، ولكن المهم هو مواقف الدولة السورية المقبلة، فإلى أي حد تصدق هذه السلطة الجديدة في شعاراتها البراقة، وتصريحاتها المدنية الجذابة، والتي تتناقض مع خلفيتها التاريخية، وسوابقها في ميدان الصراع في المنطقة إبان المراحل الماضية.
أيضا؛ ما الموقف الصريح الذي ستعلنه الجماعات تجاه القضية الفلسطينية، هل ستتوجه إلى دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية بالمال والرجال والسلاح؟ وإسناد من يقفون معهم بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية والمذهبية؟ وهذا السؤال المهم ليس السؤال اليتيم، بل يتفرع عنه مجموعة من الأسئلة، ترتبط بالاستقلال والتبعية، والحريات العامة، والتوجهات الأساسية للدولة في المرحلة المقبلة، فهل سنشهد استمرار الموجة التحريرية التي ركبت على متنها الجماعات المسلحة، لتصل إلى طرد المحتل الأمريكي والإسرائيلي من الأراضي السورية المحتلة؟ فطالما كانت هذه الجماعات المسلحة تعاير النظام السابق بما تصفه بالتقاعس عن تحرير الأراضي السورية المحتلة. وإلى أي حد ستكون هذه الملفات ذات أولوية عند هذه الجماعات؟ إلا أن الخيبة الكبيرة ستكون حين يتبين للجميع أن هذه الجماعات المسلحة أضافت احتلالا تركيا جديدا في سوريا، سيكون له حظ الأسد من تركة نظام الأسد.
وأخيرا؛ أين سيكون محل وحدة التراب السوري من الإعراب في مستقبل سوريا، لا سيما تجاه المساعي التركية للقضاء على “قسد” في الشمال السوري، على خلفية عرقية طائفية، خشية قيام دولة كردية في شمال سوريا، تمنح العرقية الكردية في جنوب تركيا الأمل في انتزاع حكم ذاتي يحقق مصالحهم القومية، أليس أكراد سوريا سوريون لهم حق المشاركة في الحياة السياسية الجديدة؟ بكافة تفاصيلها، على أساس أننا أمام ثورة شعبية كما يراد لها أن تكون في وسائل الإعلام العالمية، لا ثورة تركية على المذبح الإسرائيلي الأمريكي، والمتوقع أن نشهد قريبا صراعا محتدما مع قوات قسد لا ريب، سيفضي إلى تقسيم الكعكة، وترسيخ التشطير.
أنا شخصيا لن أفرط في التفاؤل، فلن أتوقع أن أجد عدوا جديدا لإسرائيل جاء من معسكرات التدريب التركية، فالحقيقة الراهنة التي تفرض نفسها هي أن بشار الأسد قد دفع ثمن مواقفه القومية العروبية المناهضة للاحتلال بكل صوره، وهذا ظهر الأمة العربية قد انكسر، وليس ظهر محور المقاومة فحسب، والرابح الأكبر هو الأجنبي الأمريكي والتركي، وقبلهما الاحتلال الإسرائيلي، الذي سيستغل هذه الفرصة التي لا تعوض، وستتداعى آثار وارتدادات هذا الزلزال على المنطقة جميعا، ومحور التطبيع في المقدمة.