سفير اليمن في سوريا عبدالله علي صبري يكتب عن:ثورتا سبتمبر واليمن الجمهوري
يسطّر اليمن الجمهوري اليوم ملحمة الصمود والدفاع عن الأرض والكرامة والسيادة والاستقلال، وتبشّر ثورته بنهوض كبير يعتمد بعد عون الله وتسديده على القرار اليمني ورفض أي نوع من التدخلات والإملاءات الخارجية.
في أجواء الذكرى السابعة لثورة 21 سبتمبر، وعلى مقربة من الذكرى الـ59 لثورة 26 سبتمبر، يتساءل البعض: كيف يمكن لحكومة صنعاء أن تحتفل بالعيدين، رغم أن أحدهما قد يكون نافياً للآخر، بزعم مرتزقة العدوان السعودي الذين يذرفون اليوم دموع التماسيح على الجمهورية، فيما كبار الخونة منهم يتلحفون رداء الرجعية السعودية الإماراتية؟
وفي محاولة منا لتفكيك حديث الإفك حول ثورة 21 سبتمبر الفتية، يمكن القول ابتداء أن لا خطر على الجمهورية إلا في أذهان من نهبوا ثروات اليمن، وتفرَّدوا بتقرير شؤونه الداخلية والخارجية، وأبقوا شعبه في دائرة الفقر والتخلف الحضاري، لكن باسم الجمهورية نفسها.
لقد حطَّم شعبنا اليمني قيود الفردية والاستبداد حين وضع حداً للدولة المتوكلية التي انحرفت بالنظرية الزيدية في الإمامة، وأدارت ظهرها لمتغيرات العصر، فكانت ثورة 26 سبتمبر وقيام الجمهورية العربية اليمنية شمالي البلاد في العام 1962م، في قفزة كبيرة لا يمكن نكران دورها في النهوض باليمن وانفتاحه على العالم، مهما قيل عن الانحرافات التي أصابته في المراحل الأولى، ثم في المرحلة الأخيرة من نظام علي صالح.
وقبل الحديث عن الانحراف الأهمّ والأخطر الَّذي جاءت ثورة 21 سبتمبر وعالجته من جذوره، يتعيَّن التذكير – إن نفعت الذكرى – بمسار توريث السّلطة والوظيفة العامة كسلوك ممنهج طبع المرحلة الأخيرة من نظام صالح والمؤتمر الشعبي العام؛ ذاك النظام الذي لطالما تغنى بالجمهورية وقمع معارضيه بذريعة الدفاع عن الثوابت الوطنية. وحين انكشفت حقيقة توريث السلطة بالأسماء والوثائق، وبهت الذي كفر، قام نظام “صالحان” وشنّ 6 حروب دامية على صعدة وكلّ من تضامن مع الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي في عموم اليمن.
وما زلت أتذكَّر أنَّ أحد أبواق التوريث دعا إلى ما أسماه “ذكاء القطيع”، الذي عليه أن يقبل بتوريث السلطة لنجل صالح عبر صندوق الاقتراع. وبهذا، نكون قد كسبنا الديمقراطية، وفق زعمه. ونسي هذا وأمثاله أنَّ عملية انتخابية كهذه كانت ستكون صورية وشكلية، كما حدث لاحقاً مع عبد ربه منصور هادي في العام 2012. وبهذا، نكون قد خسرنا الجمهورية، ولم نكسب الديمقراطية.
لقد كان التوريث بمثابة آخر مسمار في نعش النظام السابق. وحين هبَّت الثورة الشعبية الشبابية في العام 2011م، كان ثمة إجماع وطني على ضرورة الانتقال باليمن إلى عهد جديد لا علاقة له بصالح ونظامه وحزبه، إلا أنَّ “أخونة الثورة” سمحت بالتعاطي الإيجابي مع المبادرة الخليجية، التي كان هدفها الأكبر كبح جماح التغيير في اليمن.
وكان لافتاً أن القوى التقليدية بمختلف مشاربها استجابت للوساطة السعوديّة، وهو ما كشف بجلاء أنَّ الرياض كانت ذات اليد الطولى في اليمن بتأثيرها في صناعة القرار السياسي، وفي الوجاهات الاجتماعية والقبلية والشخصيات الحزبية والثقافية وغيرها. وهكذا، تجاوز اليمن فخّ التوريث، لكنّه لم يتحرّر من شراك الوصاية السعوديّة حتى حين.
تقودنا هذه النتيجة إلى الحديث عن السنوات الأولى لثورة 26 سبتمبر والنظام الجمهوري الوليد، فقد شنّت السعودية عدوانها على الثورة والجمهورية، ودعمت فلول المرتزقة والملكيين، وتمكنت من الوصول إلى شخصيات جمهورية كانت ناقمة على الإدارة المصرية للملف اليمني.
وفي الأخير، وبعد نكسة 1967، وتراجع الدعم المصري، وانكشاف الجمهورية التي كادت تنهار فعلياً حين حاصرت القوى الملكية العاصمة صنعاء لمدة 70 يوماً، لولا استبسال المقاومة الشبابية التي فرضت انتصار الجمهورية، ثم فشلت في الحفاظ على مفاعيل النصر العسكري واستثماره سياسياً، حين برزت قيادات جمهورية رأت الحل في “المصالحة الوطنية” والانفتاح على السعودية، كانت المصالحة بمثابة حصان طروادة الذي أتى على الجمهورية من الداخل، إذ لم تعد السعودية بحاجة إلى ولاء بقية الملكية والملكيين، ما دام الجمهوريون الجدد بهذه المرونة التي لم تتوقعها.
وهكذا، أصبح السفير السعودي صاحب القرار الأول في صنعاء مع متغيرات طفيفة بين فترة وأخرى. ومنذ ذلك اليوم، أصبح اليمن تحت الوصاية السعودية. وحين كان على ثورة الشباب أن تضع حداً للتوريث والوصاية الخارجية، فإنَّها، وقد نجحت في المهمة الأولى وفشلت في الثانية، انتظرت موجة ثانية للثورة تعلي من شأن السيادة والاستقلال، وتضع حداً للوصاية الخارجية، وهو ما بشرت به ثورة 21 سبتمبر باختصار.
هكذا، أفاقت السعودية على يمن جديد ومختلف عن يمن السبعينيات الذي عرفته وقولبته بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، لكن بدلاً من التعاطي بحكمة وواقعية مع المتغير الجديد، استنفرت الرياض أدواتها الداخلية، وسهلت فرارهم إلى أراضيها، وشكّلت تحالف العدوان السعودي الأميركي على اليمن تحت عدة أهداف ومسمّيات زائفة، كالدفاع عن الجمهورية واستعادة الشرعية ومحاصرة النفوذ الإيراني.
وقد ثبت بعد 7 أعوام على الثورة، أنها كلها عناوين تضليلية حاولت إخفاء حقيقة العدوان. والحقيقة الجليّة أن السعودية أرادت بعدوانها العسكري على اليمن إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء. ولا شكّ في أنها خسرت هذه المعركة، وخسرت معها مكانتها وهيبتها في المنطقة، بينما بات اليمن على مشارف النصر والاستقلال.
يسطّر اليمن الجمهوري اليوم ملحمة الصمود والدفاع عن الأرض والكرامة والسيادة والاستقلال، وتبشّر ثورته بنهوض كبير يعتمد بعد عون الله وتسديده على القرار اليمني ورفض أي نوع من التدخلات والإملاءات الخارجية، على أنَّ هذه التضحيات الكبيرة التي تثمر انتصارات متوالية لا يمكن أن تسمح بأيِّ حال من الأحوال بالعودة إلى الوراء، كما يزعم المرجفون، فكما أنَّ ثورة 21 سبتمبر انتصرت، وما زالت، للسيادة والكرامة والوطنية، فإنها ملتزمة بالثوابت الوطنية واليمن الجمهوري الَّذي لا مكان فيه للفردية والاستبداد أو الظّلم والاستبعاد.