سرقة وتهريب آثار اليمن.. جريمة أخرى لـ”سماسرة” دول العدوان
مع ما تتعرض له بلادنا من عدوان غاشم وحصار خانق، واستهداف ممنهج للبنى التحتية والخدمية، وما خلفته سبع سنوات من القتل والخراب والدمار وموجات النزوح التي كانت نتيجتها تشريد ما يقارب ثلاثة ملايين يمني، ناهيكم عن الآثار الإنسانية والصحية والغذائية المتردية والتي جعلت أكثر من 70٪ من السكان بحاجة ملحة إلى الغذاء والدواء.
وفي ظل أوضاع اليمنيين التي تزداد سوءاً يوماً عن يوم، خصوصاً مع ارتفاع نسب البطالة والفقر، واستغلال البعض ذلك في الاتجاه لنهب وسرقة حضارة اليمن وآثاره وبيعها لدول أقل ما يمكن وصفها بأنها دول “كرتونية” تحمل مسميات لكنها تفتقر لأدنى مقومات الوجود التاريخي والحضاري أو ما يعرف بالأصالة والامتداد التاريخي عدا عشرات السنين وهي لا تذكر في تاريخ الدول والشعوب.
يقول عبدالحميد الحجازي – صحافي اقتصادي :الدول التي شنت عدوانها الظالم، في مارس من العام 2015م، على اليمن الأرض والتاريخ والإنسان، أدركت منذ أول يوم أن حربها مع هذا الشعب خاسرة رغم الدعم اللوجستي والغطاء الدولي الذي أضفته على هذه الحرب دول إمبريالية عظمى، لذا فقد سعت دول تحالف العدوان إلى تكثيف هجماتها العدوانية التي لم تسلم منها أية منطقة في اليمن بما في ذلك المحافظات التي زغم العدوان أنه حررها، ولم تسلم أيضا من هذا العدوان المعالم والقلاع والحصون الأثرية، كقلعة القاهرة بتعز، وكذلك المدن التاريخية التي استهدفها طيران العدوان، كمدينة صنعاء القديمة ومدينة زبيد، إضافة إلى ما تعرضت وتتعرض له أرخبيل سقطرى من عبث إماراتي ضد البيئة الطبيعية ومحاولات نقل شجرة دم الأخوين وغيرها من النباتات التي تتميز بها سقطرى إلى الإمارات، بل إن الأمر وصل بها إلى محاولة نقل التربة كما وضحته بعض مقاطع الفيديو على منصات التواصل الاجتماعي.
مافيا منظمة
في المقابل حركت دول العدوان ” السعودية والإمارات” أدواتها وعملاءها داخل اليمن ممن اشترتهم بالمال – وللأسف هم كثر- لتهريب القطع الأثرية بمختلف أنواعها وبيعها عبر مافيا منظمة أوجدتها دول العدوان لهذا الغرض.
كما أن مهربي الآثار في اليمن وبسبب استمرار فترة العدوان لم يجدوا صعوبة تذكر في عملية التهريب، فقد سهلت سيطرة دول العدوان على الموانئ الجوية والبرية والبحرية اليمنية، كثيراً عمليات التهريب وإخراج تحف وسيوف وخناجر ومخطوطات أثرية دون أن يتم اعتراضها عدا القليل من تلك العمليات التي تم الكشف عنها والتي تعد عمليات فردية، حيث يستغل هؤلاء المهربون حالات الانفلات والفوضى التي أراد العدول لليمن ان يعيشها، وبحسب تحقيق صحفي نشره موقع ” لايف ساينس” وترجمه “المهرة بوست” فإن نحو 100 قطعة أثرية يمنية تم تهريبها من اليمن منذ العام 2021م تم بيعها في كل من الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية، علماً بأنه وخلال هذه الفترة لم تسجل أجهزة الأمن إلا القليل من حالات الكشف عن تهريب الآثار جلها تمت بالصدفة، كحالة التهريب التي كان يحاول القيام بها أحد التجار عبر مطار عدن في أغسطس 2018م وغيرها من حالات الكشف الهزلية التي لا توحي بأية جدية في مكافحة هذه الظاهرة المدمرة لثروات اليمن التاريخية والحضارية وبيع حضارة آلاف السنين بثمن بخس في سوق التهافت على هذه المكنوزات وإخفاء مدلولها وعمرها بل ونسبها زوراً لدول ومناطق لا تعرف سوى روث الابل.
اليوم وبعد أن فاحت آثار جريمة تهريب الآثار وسرقة الحضارات من اليمن ومن دول عربية أخرى كالعراق وسوريا، كجريمة مكتملة الأركان، نؤكد ان النظامين السعودي والإماراتي، هما المتهمان بدرجة رئيسية ومن يقف وراءهما ويعمل معهما في سرقة وتهريب وبيع الآثار اليمنية، وهذا ما أفصحت عنه وثيقة مسربة عن هيئة الرقابة السعودية، والتي اتهمت وزيراً يمنياً في حكومة الفار هادي ” الخائن معمر الإيراني” بالضلوع وراء عصابة منظمة لتهريب الآثار من اليمن.
وهنا وأمام جريمة تهريب التاريخ والحضارة اليمنية التي تعد ملك اليمنيين جميعاً بأجيالهم المتعاقبة، وهي جريمة لا تقل عن جرائم القتل والتدمير والخراب والدمار الذي خلفه عدوان آل سعود وآل زايد على يمن الإيمان والحكمة، فجميعنا مطالبون بالوقوف مع وطننا والدفاع عن تاريخنا وحضارتنا الإنسانية والمادية، والمطالبة بمحاكمة كل من تورط وسهل وشارك من اليمنيين في الخارج والداخل في هذه الجريمة، وتبنى جريمة تهريب الآثار، ضمن جرائم العدوان الجسيمة بحق الشعب اليمني، مع السعي لاستعادة الآثار اليمنية المهربة بشتى الوسائل الممكنة، ضمن الأولويات الوطنية في الوقت الراهن وفي المستقبل.
خمسة عقود من النهب المنظم
يقول الصحفي رياض الزواحي: بالرغم من كون اليمن السعيد -كما يطلق عليه- من أهم بلدان العالم التي ذكرت في صفحات التاريخ الإنساني القديم وحتى الحديث والمعاصر في شتى أنحاء العالم، وأشارت إلى ذلك مختلف الدراسات التاريخية في مختلف الجامعات العالمية باعتبار الحضارات القديمة التي سكنت أرض اليمن على مدى قرون طويلة تمثل جزءاً مهماً وفريداً من تاريخ الحضارة الإنسانية ككل، مما جعل الكثير من مدنها ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي، إلا أن معالمها الأثرية وتاريخها الضارب جذوره في أعماق التاريخ لم يشفع لها أمام بعض اليمنيين الخونة من تجار ومافيا التهريب على مدى الخمسة عقود الماضية، فلم تتعرض أية حضارة إنسانية على سطح الكوكب لنهب وسرقة وتدمير مثلما تعرضت له حضاره اليمن وأرض سبأ وحمير وقتبان وحضرموت وشبوة وغيرها من الدول القديمة التي سكنتها .
ويتابع الزواحي : الأغرب في هذا الجانب أن حكايات كثيرة ومؤلمة عن نهب أثار اليمن لم ترو بعد ولم يسمح أن تظهر على السطح في وسائل الإعلام، لأنه كما يقال في المثل الشعبي اليمني (حاميها حراميها ) وهذا جزء من قتامة الواقع اليمني واختلافه عن غيره في دول العالم .
ويضيف بالقول :بالطبع يعرف الكثيرون في العالم أن تاريخ اليمن القديم حافل بحضارات إنسانية عظيمة وفريدة وحافل أيضا للأسف الشديد بحكايات نهب منظم ومستمر لآثارها وتراثها الحضاري المتميز ومع أن عصابات ومافيا تهريب الآثار قد تنشط في بعض الدول العربية والدول الأخرى و تقودها عصابات متخصصة إلا أن تجارة الآثار في اليمن (بدون مبالغة ) تعرضت للنهب والتهريب للخارج بشكل ممنهج من قبل الدولة أو بالمعنى الأصح من قبل رموز وكبار قادة الدولة وقادة الجيش ومشائخ ووجهاء هذا البلد في الانظمة السابقة خلال الخمسة العقود الماضية.
وزير في حكومة المرتزقة يهرِّب الآثار
وأشار إلى مثال قريب بالقول :على سبيل المثال قبل أيام كشفت وثائق مسربة من الخارج عن تورط أحد وزراء حكومة ما تسمى الشرعية في تهريب قطع أثرية إلى الخارج، فلم يكن الأمر مستغرباً لدى الكثيرين لاسيما المختصين في مجال الآثار وحتى بعض الصحفيين ممن يعرفون منهجية النهب المنظم لآثار اليمن من قبل رموز النظام السابق ويعرفون أيضا أن معمر الارياني لم يكن أول من تورط في تهريب آثار يمنية إلى الخارج ولن يكون الأخير في سلسلة المسؤولين في حكومة ما تسمى بالشرعية كرموز كانوا ولا يزالون في رأس نظام صالح وخلفه هادي (دون تسييس للحقيقة).
وواصل حديثه بالقول :فخلال السنوات الأخيرة تم ضبط كميات كبيرة من القطع الأثرية النفيسة التي لا تقدر بثمن في منازل عدد من كبار المشائخ في شمال اليمن، بل حتى قادة عسكريون كبار استغلوا سلطاتهم التنفيذية في تهريب أهم نفائس التراث الإنساني الموجود في بلاد العربية السعيدة التي تكتنز تاريخاً وارثاً حضارياً كبيراً وقديماً جعلها من أكثر دول الشرق الأوسط التي تحوي آثاراً ومعالم تاريخية لا تحصى، خلفتها عشرات الدول والحضارات القديمة التي سكنت أرض اليمن على مدى قرون طويلة تمتد إلى ما قبل الميلاد وبداية نشأة الحضارات الإنسانية، وهذه الحقيقة المؤلمة التي لا يمكن وصفها وقد يصعب تصديقها لاسيما القصة والحكاية أكبر من مجرد تاجر وقطعة أثرية تنتزع جزءاً من التاريخ وتبتر أعماق الماضي من أجل المال، نعم في اليمن القصة مؤلمة ومختلفة والتاريخ ينزف بلا رحمة.
(الثورة)