سجون الإمارات في اليمن.. أسرار وحقائق غير متوقعة
الحقيقة/الوقت التحليلي
يبدو أن المجتمع الدولي غير مهتم إطلاقاً بما يجري في اليمن من انتهاكات بحق المدنيين وغير المدنيين، هذه الانتهاكات التي تتكشف لنا يوماً بعد يوم والتي تشرف عليها وتقودها كل من الإمارات والسعودية تحت حجج واهية لا أساس لها من الصحة، فتارة يدمّرون البنى التحتية لليمن ويضعون شعبه على حافة المجاعة تحت حجة إعادة الشرعية، وتارة يضعون كل من يقف في وجه طموحاتهم في السجون تحت ذريعة أنهم ينتمون لتنظيم القاعدة.
قبل خمسة أيام بالضبط تم توقيع اتفاق الرياض بإشراف السعودية والإمارات بين ما يسمى “الحكومة الشرعية” (لا نعلم كيف يمكن أن تكون حكومة شرعية ورئيسها وقادتها خارج اليمن وليس لديهم أي شعبية على الأرض)، وبين متمردي “المجلس الانتقالي الجنوبي” الذي تدعمه الإمارات وتشرف على عملياته الإجرامية والعسكرية والتي كان آخرها طرد رجال السعودية من جنوب اليمن، إلى أن شعرت أبوظبي بخطورة الموقف، خاصة وأن هذا الأمر تزامن مع كثرة التقارير الدولية التي تحدّثت عن انتهاكاتها التي لا حدود لها في اليمن، وبالتالي أعادت السعودية إلى واجهة الاحداث لكي تحمل عنها عبء هذه الحقائق التي قد تكلف اقتصاد الإمارات الكثير والكثير.
سجون الإمارات في اليمن
ضمن الاتفاق الذي تم التوقيع عليه ضمن الأسبوع الماضي لم يتم تسليط الضوء على أكثر الملفات تعقيداً وحساسية، ألا وهو سجون الإمارات في اليمن، والتي تجاوز عددها الـ18 سجناً تديرها الإمارات بنفسها وسط صمت دولي وعالمي مخيف حيال الفظائع التي ترتكبها الإمارات في هذه السجون.
مؤخرا أعلنت منظمات حقوقية عن سجون ومعتقلات سرية إماراتية جنوبي اليمن بغطاء من شركة توتال الفرنسية، لتكون أداة لفرض سيطرتها وإخضاع المناهضين لها بالإخفاء القسري والتعذيب والاعتداءات .
طبعاً أولى التقارير عن هذه السجون كانت في العام 2017، حيث كشفت وكالة “أسوشييتد برس” الأمريكية عن الجرائم التي ترتكبها الإمارات بحق السجناء وكيف تعرّضهم لأبشع أنواع التعذيب والذل، وقالت الوكالة حينها إنها حصلت على معلومات من شهود عيان ومعتقلين سابقين “تفيد بأن الحراس اليمنيين العاملين تحت إشراف ضباط إماراتيين استخدموا أساليب مختلفة للتعذيب والإذلال الجنسي في خمسة سجون سرية على الأقل تديرها الإمارات في اليمن”، متهمة ضباطاً إماراتيين بالتورط في اغتصاب معتقلين.
وأكد فريق الخبراء الأممي بشأن اليمن وجود حالات من العنف الجنسي في مركز الاعتقال في البريقة، بين عامي 2017 و2019، وقال إنه وثّق منها حالات “اغتصاب ستة رجال وصبي واحد، بالإضافة إلى حالات اعتداءات جنسية وعري قسري أخرى”، مؤكداً رفض القوات الإماراتية التعاون والسماح بالوصول إلى تلك السجون.
كما أكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن الإمارات احتجزت تعسّفاً وأخفت قسراً عشرات الأشخاص، مشيرة حينها إلى أنها وثّقت حالات 49 شخصاً، من بينهم 4 أطفال تعرّضوا للاحتجاز التعسفي أو الإخفاء القسري في محافظتي عدن وحضرموت، العام الماضي.
آخر التقارير المنتشرة حول سجون الإمارات في اليمن
آخر ما كشف عن تلك السجون، عبر صحف ومنظمات غير حكومية فرنسية، في 7 نوفمبر 2019، بعدما كشفت عن وجود سجن سري استخدمه الإماراتيون في 2017 و2018، داخل موقع لاستخراج الغاز في مدينة بلحاف جنوبي اليمن، تستغل جزءاً منه مجموعة “توتال” الفرنسية.
وقالت منظمات مرصد التسلح و”سموفاس” و”أصدقاء الأرض”، في تقرير، إنها حصلت على تلك المعلومات “بحسب مصادر متاحة وشهادات، حيث يؤوي منذ 2016 مليشيا قوات النخبة في شبوة، تحت إشراف دولة الإمارات”.
استغلال حقول الغاز
آخر الانتهاكات الإماراتية في اليمن، ما كشفته صحيفة “لوموند” الفرنسية عن وجود سجن سري في قاعدة عسكرية أقامتها الإمارات منتصف عام 2017 على جزء من حقل للغاز جنوبي اليمن، متسترة بمجموعة توتال الفرنسية لتكون جزءاً منه.
السجن الإماراتي الذي كشفت عنه صحيفة “لوموند” الفرنسية يقع في قاعدة عسكرية أقامها الإماراتيون على جزء من حقل لاستخراج الغاز في مدينة بلحاف جنوب اليمن، والذي جرت السيطرة عليه بطلب من الحكومة اليمنية.
وأكد تقرير صدر عن ثلاث منظمات غير حكومية (مرصد التسلح وسموفاس وأصدقاء الأرض) أن الموقع يضم مصنعاً للتسييل ومحطة لتصدير الغاز الطبيعي المسال، ولكنه توقف عن العمل في 2015 بسبب الحرب في اليمن.
وقالت المنظمات في التقرير إنه “حسب مصادر متاحة وشهادات، فإن السجن يؤوي منذ 2016 مليشيا قوات النخبة في شبوة، تحت إشراف الإمارات، والشهادات تتحدث عن معاملات غير إنسانية ومهينة تتمثل في الحرمان من الرعاية والتعذيب، ارتكبها جنود إماراتيون”.
وأشار إلى أن “الأشخاص المسجونين فيه متهمون بصورة عامة بالانتماء إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” بالاستناد “غالباً إلى شبهات لا أساس لها أو إلى انتقام شخصي”.
تستر فرنسي وغياب للمحاسبة
تستغل الموقع الذي يوجد فيه السجن الإماراتي، الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال التي تملك توتال 39.6% منها، بالإضافة لشركات أمريكية وكورية.
وتنصّلت مجموعة توتال الفرنسية في بيان لها من القضية، قائلة “لا معلومات محددة لدينا لناحية استخدام التحالف العسكري للجزء الذي نملكه” و “لا سلطة لنا على الشركة اليمنية التي تستغله”.
ولم يعفِ تنصل الشركات الأجنبية من مسؤوليتها وجود جريمة ترتكبها الإمارات التي تدير 18 سجناً سرياً جنوبي اليمن، حسب ما كشفته صحيفة لوموند، التي أشارت إلى مشاركة محققين أمريكيين داخل هذه السجون في استجوابات لسجناء يمنيين، نُقل بعضهم إلى السعودية أو الإمارات.
كما كشف تقرير آخر لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية وفي حزيران 2018 تعرّض المئات من المعتقلين اليمنيين للتعذيب والانتهاكات الجنسية من قبل ضباط إماراتيين في سجن سري.
وحذّر رئيس المكتب السياسي لمجلس الحراك الثوري فادي حسن باعوم من خطورة “الانتهاكات التي تمارسها الإمارات والسعودية في مدن الجنوب”، معتبراً أن “خطف الرياض وأبوظبي النشطاء السياسيين والزجّ بهم في سجون سرية، جريمة يجب ملاحقة مرتكبيها، ومنع تكرارها بكل السبل المتاحة”.
وكشف باعوم في أيلول الماضي عن “عمليات تعذيب طالت قيادات من المجلس الثوري، في سجون تديرها الإمارات والسعودية في مدن الجنوب”، ولفت إلى أن “السبب فقط يكمن في انتقاد سياسات التحالف على مواقع التواصل الاجتماعي، أو المشاركة في وقفات تضامنية سلمية مع المعتقلين”.
جرائم حرب بالجملة
قالت ميليسا باركي، عضو الفريق الأممي المعني برصد انتهاكات حقوق الإنسان باليمن، إن العدد الحقيقي للقتلى المدنيين الذين سقطوا بنتيجة مباشرة للمعارك يقدّر بعشرات الآلاف “وهناك ملايين آخرون ممن تضرروا بشكل غير مباشر نتيجة الصراع، وشمل ذلك تعرّضهم للمجاعات، وحرمانهم من المساعدات الإنسانية، فضلاً عن صعوبة حصولهم على الخدمات الصحية”.
وأوضحت باركي أن هناك 24.1 مليون يمني (80% من السكان) بحاجة عاجلة للمساعدات من أجل البقاء على قيد الحياة، مضيفة إن قصف قوات التحالف لمركز علاج الكوليرا التابع لمنظمة “أطباء بلا حدود” يمكن اعتباره جريمة حرب محتملة.
ويوجد مراكز اعتقال سرية يصعب الوصول إلى بعضها، حسب المسؤولة الأممية التي أشارت إلى أن الإمارات لديها مثل هذه الأنشطة لا سيما جنوبي اليمن.
في السياق ذاته، انتقد التقرير الحقوقي السنوي الذي تصدره الخارجية الأمريكية، وترصد فيه واقع حقوق الإنسان في مختلف الدول عبر العالم، سجلّ السعودية والإمارات في حرب اليمن.
من جانبهم، أشار محققو الأمم المتحدة الذين عيّنهم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في عام 2017، في تقرير إلى “جرائم حرب” محتملة مع انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان بما في ذلك أعمال قتل وتعذيب وعنف جنسي في اليمن، حسب وكالة فرانس 24.
ولا تقتصر جرائم الحرب التي ارتكبتها الإمارات في اليمن على المعارضين والمدنيين، بل طالت عناصر الجيش اليمني، إذ أكدت منظمة “رصد” للحقوق والحريات اليمنية أن “دولة الإمارات ارتكبت انتهاكات تصنّف كجرائم حرب لن تسقط بالتقادم، ضد عناصر الجيش اليمني بعد قصفهم بالطائرات بمدينتي عدن وأبين، وقتلها للمئات من الجنود”.
وما يؤكد انتهاكات الإمارات في اليمن، شهادة المعتقل السابق لدى الإمارات في سجون عدن، عادل سالم الحسني، الذي قال في منتصف أيلول الماضي إن “كل ما أورده التقرير الدولي عن انتهاكات الإمارات في السجون صحيح”، لافتاً إلى أنه “ظل في سجن تديره الإمارات في عدن ما يقارب عامين، مارس ضدّه ضباط إماراتيون شتّى أنواع التعذيب”.
وأضاف الحسني أنه “رأى معتقَلين في سجن بئر أحمد ينزفون دماً بعد تحرُّش ضباط إماراتيين بهم بآلات حديدية”، مشيراً إلى أن “الفريق الدولي لم يتمكن من رصد كل السجون السرية التابعة للإمارات والسعودية في مدن الجنوب، ومن تلك السجون سجن بئر أحمد والجلاء وقاعة وضاح، ومنزل مدير أمن عدن شلال شايع، وسجن 7 أكتوبر والوحدة، إضافة إلى سجن مطار الريان”.
وكانت القيادة العامة للقوات المسلحة في الإمارات أعلنت الشهر الماضي، سحب عناصرها من مدينة عدن اليمنية وتسليمها للقوات السعودية، بعد سنوات من التدخل والانتهاكات التي خلّفت “ذكريات سوداء وجروحاً غائرة” في قلوب اليمنيين.