رفع المظلومية عن اليمن واجب ديني وإنساني…بقلم/محمد الرصافي المقداد*
عنوان عزّ للشعب اليمني أنه من تقاليده العريقة حريص على امتلاك أسلحته الفردية الدفاعية، وقد تعوّد على إقامة سوق لها يتزود منها أهله أسلحة وذخيرة، خاصية تميّز بها وحده من دون بقية الشعوب العربية، وهذا عامل أسهم في أن يكون اليمني أحرص على هذا التقليد الجاري العمل به ولم ينقطع أبدا، رجولة وشجاعة اليمني ليست شعارا.
فيما تبدو المعطيات العسكرية الدالة على قرب تحقيق اليمن انتصاره الحاسم، على قوى العدوان على أرضه وشعبه واضحة، عاكسة حقيقة ميدانية، ترفض احتمالا آخر من شأنه أن يشكّك في هذه النتيجة المرتقبة، ويعيد الأوضاع على الساحة اليمنية إلى كانت عليه من قبلُ، مهيعا لغزو جاهلي تعدّدت جنسيّاته، من قطاع طُرُق ثورة الشعب اليمني، تحت قيادة أمريكية متجاهلة جميع القوانين الدّولية، وضاربة بالقيم الإنسانية عرض الحائط، ظاهرة واقعا بقفازات سعودية، وصمت أُمَميّ مُريب عما جرى ولا يزال يجري من جرائم بلغت حدّا لا يمكن مواصلة السكوت عليه، وأساسها محاولات المتآمرين على مستقبل اليمن، إعادة عجلة التاريخ تطوي الزّمن كما كانت من قبل، على عهد علي عبد الله صالح، يَمَنًا منتجَعًا للنظام السعودي، في كل ما يريده أسياده، على حساب شعب مستضعف، عبّر عن رفضه لمسار التبعيّة الذي كان ينتهجه عملاء بلاده، بعدما أطاحت بهم الثورة الحقيقية، لشعب رافض لسياسات حكامه السابقة.
ليست هذه هي نقطة التحوّل الأولى، ومفتتح خارطة الأوضاع العسكرية على أرض اليمن، فاليمن منذ حوالي ثلاث سنوات، قد قلب الطاولة على متآمريه، ومن مرحلة استيعاب وتحمّل ضربات طائرات العدوان عليه، دخل مرحلة تلقينهم دروسا في الرجولة والشجاعة والبأس، على ميدان المعارك الدائرة، وردّ الصّاع صاعين لمرتزقة العدوان، ويبدو أن مسألة إنهاء الحرب (العدوان) على اليمن، لم تعُدْ بيد النظام السعودي وشركائه، ولا حتى أمريكا صاحبة مؤامرة شنّ العدوان عليه، والتي لها مصلحة أساسية استراتيجية، بالسّيطرة على مضيق باب المندب، الهام جدّا لها على المستوى التجاري والعسكري.
هذا العدوان السّافر، الذي لم يجد من يندّد به ويستنكره، على مدى وقوعه وبدء أحداثه الخطيرة على السلم والأمن العالميين، غير العارفين بخفاياه والمُدْرِكين لحقيقته وأهدافه، فهو ليس حربا عبثيّة، كما وصفها الإعلامي الكبير (جورج قرداحي)، ذلك أن الغرب وعملاءه عادة، لا يعبثون في تخطيطهم لأي عمل، سواء كان سياسيا أو عسكريا، وإن كانوا حريصين على إخفاء أهدافهم، لتكون تتويجا لنجاحهم، إذا ما أفلحوا في مشروع بدأوه وأنهوه كما يرغبون، وإذا ما فشلوا فتبقى تلك الأهداف غير معلنة، إلا بعد كشفها من طرف خارج عن إطارهم.
وهذا زمن لم يعد فيه بالإمكان إخفاء الحقائق، ذلك أنّ لها أهلا لا يساومون من أجل إظهارها، وليس فقط مجرّد نشر متعلّقاتها بين شعوب العالم- الذي أصبح في هذا المجال الإفتراضي، عبارة عن قرية صغيرة تتوارد عليها أخباره حسب مصداقية الوكالات مِنْ عدمِها- بل وتبنّيها والإنتصار لها، كقضية إنسانية تستحق المتابعة والتّبني والمؤازرة، وهذا أساسا يكون بتوعية الشعوب المستضعفة، وتحذيرها من المخاطر التي تحدق بها، فلا يأتينّ عليها يوم تندُّمٍ، تقول فيه كما جاء في الأثَرِ ما قال الثورُ الأحمرُ (أُكِلتُ يوم أُكِلَ الثورُ الأبيض)(1)
مظلومية الشعب اليمني يجب علي كل إنسان حرّ شريف، أن نظهرها بمختلف الوسائل والسّبل، ولا يجب أن يخشى فيها لومة لائم، كان معتديا يريد الإستمرار في التغطية على عدوانه والوصول به إلى مبتغاه، أو مشتبها عليه أمره، بحُكْمِ حملات التضليل الإعلامي الذي تمارسه القوى الغربية المهيمنة على وكالاته العالمية، ففوق العدوان العسكري حصار أدّى إلى مجاعة حقيقية، أصبحت تتهدد ملايين اليمنيين شمالا وجنوبا(2)، قد تفشت فيهم الأوبئة مع انعدام البنى التحتية الصحّية، (كهرباء وماء ومحروقات)، والخدميّة مستشفيات ومراكز رعاية أساسية، مقصوفة جميعها منذ بداية العدوان، وتبدو تقديرات منظمة الصحة العالمية للأوضاع في اليمن بأن المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية بلغ 24 مليون نسمة بما يعادل ال80% من مجمل سكان اليمن(3).
هي جرائم إبادة تتكرر كل يوم، والمستهدف فيها الشعب اليمني وليس الحوثيين كما يدّعون، ولو أنّ الحوثيين يمثّلون مكوّنا من مكوّنات الشعب اليمني ولهم الحقّ في مشاركة شعبهم آمالهم وآلامهم ومقاسمته خياراته الثورية المستقبلية، ولم يعُدْ اليوم بالإمكان التغاضي عن وجودهم عناصر فاعلة على الميدان، قد إلتفّت حولها قبائل يمنية عديدة، آمنت بأنّها طالبة حقّ فانضمّت إليها مدافعة عن بلادها من مؤامرة دوليّة، تسعى لإعادة اليمن إلى وضع أسوأ مما كان عليه من قبلُ.
أقولها بكلّ أسف إنّنا جميعا مسؤولون أمام الله، بهذا التجاهل والصمت عمّا يجري في اليمن، كأنّ ما يتعرّض له على أيدي قوى العدوان لا يهمّنا، وهو في صلب حياتنا كأشقّاء، تجمعنا أواصر الدين والدّم، والبقاء على هذا الموقف السّلبي المُدان أخلاقيا، سيُحمّلنا تبعات خذلان أهل الحق، وقد يأتي الدور على بقية شعوبنا، لترِدَ نفس الموردِ، وتشرب من نفس الكأس زعافا، كما شرب منه الشعب اليمني، وهذا من تحصيل حاصل، والأمريكيون وحلفاؤهم لن يرضوا منا بغير الحلبِ ثم السّحلِ والسّحق، فنحن رقم لا قيمة له، طالما تعلّقت سياسات حكامنا بهم تعلّق الغريق، ومن لم يمتلك أدوات الدفاع عن نفسه، فمثله كمثل الثور الأحمر سياتي عليه الدّور، بل لعلّه أقرب إلى ان يكون حمارا من أي حيوان آخر.
أحرار اليمن من جيش ولجان شعبية سينتصرون عاجلا أم آجلا، قدَرٌ من الله في نصر عباده المظلومين، وويل لم أعان عليهم وسكت على مظلوميتهم وهو يعلم أنهم كذلك مُعتدى عليهم، خيبة النّائمين في ظلّ أوهام أمريكا والصهيونية آتية لا محالة، ويومها يُعرف الجيّدُ مِنَ الرّدِيء، مازالت هناك فرصة لمن لم يفته الرّكب، وهي الاستفاقة من زيف الإعلام الفاسد الذي يقتات من سُحتِ الغرب وأذنابه.
المصادر
1 – أُكِلتُ يوم أُكِل الثور الأبيض: مقولة عربية، منسوبة للإمام علي بن أبي طالب ومثل يضرب عند الشعور بالندم على التفريط والتهاون https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – تصاعد مخاطر المجاعة في اليمن | أخبار الأمم المتحدة (un.org)
3 –الصحة | UNICEF اليمن
* المصدر : رأي اليوم