رجعة الامام علي….بقلم/ صلح الدكاك
تصل المحاضرات الرمضانية شبه اليومية لسيد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، ما انقطع من مسيرة الثورة القيمية المحمدية التي تحيَّن إقطاعيو ومنافقو مكة والمدينة في وفاة النبي محمد عليه وعلى آله أزكى الصلوات، فرصة سانحة للإجهاز عليها وجعلها محض رافعة لأهوائهم ومصالحهم غير المشروعة، فاصطدموا بزخم استمراريتها في نهج الإمام علي وأنصاره، ليندلع الصراع الأشرس – قياساً بحاله إبان فجر الدعوة – بين الحق والباطل، وبين جوهر الدين وقشوره، وبين الدعوة المحمدية كنهج قيمي يتجلى في مسلك الإمام علي وأنصاره، من جهة، والدعوة كدعوى ذرائعية جوفاء كما هي الحال لدى رموز الإقطاع والمنافقين حينها من جهة مقابلة.
حديث الإيمان في محاضرات سيد الثورة، طبقاً لهذا الوعي الناصع بملابسات الصراع، وبالدعوة في طور نقاء مقاصدها القيمية الأول، لا يعود حديثاً وعظياً يتملق كسل أذهان السامعين مفرغاً من جدل تناول الحقائق في غمرة اشتباكها مع التدليس والقص والتغييب والتحوير على أيدي مؤرخي البلاط، كما أن المضمون الإيماني لهذا الحديث لا يعود مضموناً مثقلاً بالمحاذير الدنيوية يتلمس طريقه بكياسة منافقة بين سياط الجلادين وظهور المستضعفين، فيمرهم الظهور بترياق الحث على الطاعة المطلقة، ويؤازر السياط بمأثورات التثبيت والسداد والدعاء بالغلبة المديدة وطول العمر.
إنه حديث جريء في نقده وفرزه للمجريات التاريخية واستدعاء المسكوت عنه منها والمجاهرة بالمغضوب عليه رسمياً وسلطوياً فيها، كما هو إيمان يتكئ على صدقية وفدائية وقوف ومواقف صاحبه من طواغيت ومنافقي اللحظة الراهنة، مستنهضاً همم المستضعفين والمقهورين في مواجهة جلاديهم، باعتبار هذا (التحرك) هو الركيزة الجوهرية للدعوة المحمدية، والمجلى الأبرز لعظمة الإمام علي عليه السلام وأنصاره، إذ إنه دون هذا التحرك، لا يبقى من الإسلام إلا قشور دين تغلِّفُ كبائر المجرمين والطغاة بالغفران، وتدجن الضحايا على عبادة خوفهم وحرصهم على مزايا الحياة بذلٍّ، عوضاً عن عبادة (الرزاق ذي القوة المتين).
إن تعليل عدم (التحرك والنهوض) – طبقاً لتبيان سيد الثورة – بشح الحيازات المادية وتفاوت ميزان الإمكانات لجهة تفوق العدو، هو تعليل مرتابٌ في حقيقة نفاذ وعود الله لعباده بالنصرة في مقام مجابهتهم لمحاولات الطغاة تعبيدهم لغير وجه الله، وتلك عملية حسابية كانت ستجهض مسيرة الدعوة المحمدية في طورها الجنيني لو جرى تحكيمها كمعيار للمضي أو النكوص.
يقدم الصدام العسكري الأول في (بدر الكبرى) بين قوى الإيمان وقوى الطاغوت والنفاق، شواهد بيِّنةً لمدى ما يمكن لقلة مؤمنة أن تحدثه من تحول في موازين القوى القائمة حينها على رهانات الكثرة والغلبة ووفرة العتاد وحميَّة العصبيات العشائرية..
حين يستدل سيد الثورة بهذه المعركة الفاصلة، لا يستدعي تاريخاً ميتاً مقطوع الشواهد بتاريخ المواجهات العسكرية بعدها، فما يخوضه شرفاء وأحرار اليمن في الراهن الحي من مواجهة مختلة بكل المعايير المادية لجهة ضخامة إمكانات العدو وحيازته الحربية، أنموذج ناصع الدلالة على الطاقة الجبارة واللامحدودة للإيمان المطلق بالله واستشعار عظمته في مقابل وهن وضآلة كل ما سواه من قوى توصف بـ(العظمى)، وانتفاء كل كثرة أمام التسليم العميق بواحدية الله ومطلق قدرته.
وتطرح رمضانيات سيد الثورة وبهاء حضوره شبه اليومي مع أنصاره وجماهيره ومحبيه، هي الأخرى، براهين عملية حية على نجاعة سلاح الإيمان في مقام العمل والحركة، فالسيد لا يغترف محاضراته خلالها من ثنايا المدونات الملحمية التي قد تستهوي السامعين وتروقهم، لكن بالتوازي مع رسوخ يقينهم بأنها (حديث خرافة) و(وقائع ربما حدثت في السابق، إلا أنها باتت مستحيلة الحدوث في الراهن).
يتحدث سيد الثورة – إذن – من موقع المؤمن العامل المستيقن الفاعل، وفيما تتلو شفاهه الحروف، تسطر أنامله الملاحم كقائد يتصدر دفة ملحمة قل نظيرها في مواجهة عالم طواغيت (ما بعد الحداثة والمعلوماتية) برمتهم، وفي وقت يتشمم خلاله جحفل المسابير والمجسات الكونية الرقمية، آثار نعله طلباً لاصطياده بأي ثمن.
من فاته أن يشهد (صفين) و(كربلاء) حيث لا مرية في انتصار الحق على الباطل وانتصار الدم والسيف معاً، فليشهدهما اليوم في وقائع ملحمة أنصارية يمانية يقف على رأسها الإمام علي حياً غامراً والإمام الحسين ظاهراً على عدوه تجلياً في بهاء حضور سيد الثورة السيد عبدالملك الحوثي قولاً وعملاً وسيرة ومسيرة.
(هكذا تصبح الديانة فتحاً
أبدياً وثورةً واقتحاما).