رئيس تحرير صحيفة “الوسط” يتساءل : هل استوعب بن سلمان رسالة مسيرات الثبات والتصدي ؟
هل استوعب بن سلمان رسالة مسيرات الثبات والتصدي؟
مثلت (مسيرات ثابتون مع غزة والتصدي لأمريكا ومن تورط معها) بكل هذه الحشود غير المسبوقة استفتاء وتفويضاً لمتغير يتجاوز التفاوض السياسي الى الفعل العسكري باتجاه المملكة تحديداً.
أما ماله علاقة بالموقف تجاه غزة فقد تم تجاوز الاستفتاء إلى ترجمة عملية قلبت موازين القوى متخطية كل الحدود الحمراء فأوجعت ولا زالت وستستمر.
تكمن مشكلة بن سلمان أنه لا يراكم تجارب عاشها وعانى منها ليتعظ، مستعيضاً عنها بالاعتماد على عشرات المستشارين الغربيين، ممن كانوا مسؤولين في بلدانهم قبل تقاعدهم، وهؤلاء ربما نجحوا في إحداث نوع من التغيير في مجال الاقتصاد وترميم ما تصدع من علاقة بين الرياض وأمريكا والغرب بسبب أفعاله المشينة والمتهورة، مع عدم إغفال بروز روسيا والصين كقوتين منافستين في هذا النجاح،
إلا أن هؤلاء فشلوا في تحقيق أي إنجاز في ماله علاقة بالصراع مع اليمن لجهلهم بالتعقيدات المجتمعية والقبلية التي لا يمكن حلحلتها أو التأثير في أوساطها وشراء ولاءاتها بتخييرها بين الجزرة أو العصا، إذ أن كل ما سبق ثبت فشله في كل مراحل الصراعات في اليمن، في حال كان الثمن التفريط ببلدهم وسيادتها، وهو ما لمسه نظام الحكم السعودي عقّب سنوات من الحرب على اليمن.
مع ذلك لم يستفد بن سلمان، إذ اعتمد المخاتلة والخداع وقدم وعوداً في إطار ما قال عن سعيه لتحقيق السلام في اليمن، والكف عن تبني ودعم كل ما يسبب الأذى لصنعاء والالتزام بمعالجة وإصلاح كل ما تسببت به حربه على اليمن وجبر الضرر
ومن أن هذه الصحوة هي نتاج لفقدان نظامه الثقة بأمريكا بعد تخليها عنه وثبوت غدر أبوظبي وخداعها.
وما حصل واقعا هو استبدال بن سلمان وعوده بلقاءات مجاملة ووعود تضاف إلى سابقاتها مطمئنا لما اعتبره نجاحاً في تنويم الجانب اليمني، مراهناً على الوقت حتى تنفذ السلطة الأمريكية وعودها بمد السعودية بأحدث الأسلحة وجعلها دولة نووية وإبرام اتفاق دفاع مشترك بين البلدين مقابل التطبيع مع إسرائيل وحينها أكد الطرفان على أنهم يوشكون على توقيع الاتفاقية.
وتحت هذا الوهم التزمت الرياض لأمريكا بإرغام صنعاء بتحقيق ما فشلت على تحقيقه الولايات المتحدة وحلفاؤها بالتخلي عن مساندة غزة.
وكان أن بدأت السعودية تتجاوز حيادها تدريجياً في ما يخص البحر الأحمر بتصريحات خجولة نائية بنفسها عن التصعيد.
وبدلاً من تصدرها المباشر لتنفيذ المؤامرات استخدمت أدواتها التي صنعت منهم مسؤولين للقيام بالمهمة وظهرت على شكل قرارات اقتصادية أصدرتها الحكومة التي تقاسمتها ابوظبي والرياض لتلحق الضرر بأغلب أبناء الشعب اليمني كعقاب لهم على خروجهم الأسبوعي المندد والرافض للمجازر الصهيونية التي تطال الأبرياء في غزة.
وتم ربط معاناتهم أو حلها، بوقف الهجمات على السفن التي تمول الكيان الصهيوني الذي يحاصر ويجوع أبناء غزة.
وطلب مثل هذا كانت قدمته السلطة الأمريكية لصنعاء بطريقة واضحة عبر وسطاء
أصدقاء ومقربين من أن إنهاء التوتر سيكون مقابله سلام وحل كل المشاكل العالقة
وتم رفض الصفقة بصرامة.
ليتبع ذلك التصعيد الأمريكي السعودي بقفازات المجلس العميل الذي تولى إصدار قرارات الحصار التي لم تتوقف.
إلا أن الأكثر مهانة لأدوات الرياض تمثل بتوجيههم بالقيام بالرد على التهديد والتقريع الذي طال بن سلمان من السيد عبد الملك الحوثي، واستخدم بن سلمان لسان العليمي وفقا للقول السائد( ذًل من لا سفيه له) حين أكد على استمرار قرارات الحصار ضد صنعاء في كلمته بمناسبة عيد الأضحى كرد على تهديد القائد
بجعل بن سلمان يدفع ثمن الاستمرار بالتصعيد بالقول (مطار الرياض مقابل مطار صنعاء والموانئ بالميناء والمطار بالمطار).
واللافت أنه ومع التزام الحكومة السعودية الصمت إزاء ما نال رئيسها من توبيخ
فقد استمر السيد في تعنيف الفاعل الحقيقي موجها التهديد لبن سلمان بما يعنيه من تتفيه للمرتزقة المعينون بقرار سعودي، وحشر بن سعود في خيارين لا ثالث لهما إما أن يعود إلى جادة الصواب أو خسارة الاستقرار الاقتصادي الذي لازال جنيناً.
جمال عامر : رئيس تحرير صحيفة الوسط
نقلاً عن المساء برس