رئيس الوزراء اليمني يكتب عن :أكذوبة تحرير مدينة عدن.. شهادة للتاريخ من شاهد عيان…
تشهد أزمنة الحروب على مستوى العالم وفي وطننا مجموعة من الدعايات والأقاويل والأكاذيب والشائعات، ولكنها سرعان ما تتبدد وتظهر الحقائق على سطح الواقع، وتنجلي معها ضبابية اطلاق الأسلحة بأنواعها، بانجلاء (ضباب) المعركة التي تحجب على المشاهد الرؤية بالعين المجردة ولو لبضعة أمتار من أمام المشاهد.
ما هي مناسبة إثارة هذه البديهيات كمدخل لمقالنا هذا؟، وهل هناك ضرورة لإثارة ذلك الأمر في هذه اللحظات من زمن العدوان السعودي _ الإماراتي _الأمريكي على الجمهورية اليمنية؟، وخاصة ونحن في نهايات زمن العدوان، أي أننا قد تعايشنا مع زمن الهدنة على مراحل.
أتذكر أنني في يوليو 2015م كنت في مدينة عدن، وكنت محافظاً لهذه المدينة الجميلة، وكنت مع نفر من الأخوة الكرام الأعزاء، وهم قادة عسكريين ومدنيين، نشاهد جحافل من العساكر الغريبة ينزلون بآلياتهم ومدرعاتهم وجنودهم من على ضفاف ساحل عَمران جهة مدينة عدن الصغرى (البريقا)، وقد اُبلغنا كقيادة مدنية وعسكرية يومها من قِبل عناصرنا الاستخبارية العسكرية المنتشرة في أرجاء المحافظة بالمعلومات الدقيقة والمباشرة من عين الحدث بالمعلومات عن القوى الغازية التي أُنزلت على الشاطئ أعلاه والمكونة من القوى الآتية:
ـ أولاً: إنزال جنود بأعداد تفوق الآلاف من جنود الجنجويد السودانيين بعث بهم الرئيس السوداني المسجون حالياً في الخرطوم المدعو/ عمر أحمد البشير، وهي عبارة عن عدد من الألوية العسكرية واللوجستية المقاتلة ويقودها الجنرال المدعو/ عبدالفتاح البرهان.
ـ ثانياً: إنزال قوات بشرية وعددها بالمئات من ذوي البشرة والسحنة الأوروبية والأسترالية ومن أمريكا اللاتينية، وحال التأكد من هذه القوات، اتضح أنها من القوات الأمنية الأمريكية من شركة (بلاك ووتر)، وشركات أخرى.
ـ ثالثاً: إنزال مجموعة بالعشرات وهم قادة عسكريون من دول مجلس التعاون الخليجي من المملكة السعودية، ومشيخة الإمارات، وإمارة قطر والمملكة العظمى في البحرين.
ـ رابعاً: تم إنزال الآلاف من الآليات المؤللة والمدرعات والمصفحات والأطقم العسكرية المحمّلة بالأسلحة المتوسطة والثقيلة.
ـ خامساً: استمر القصف الجوي المكثف والمتواصل ليل نهار من قِبل طيران دول العدوان مجتمعة على وحداتنا العسكرية للجيش اليمني واللجان الشعبية.
ـ سادساً: استمر القصف من البوارج الحربية والزوارق العسكرية التي تقترب من سواحل مدينة عدن، وزاد نشاطها وعملياتها في لحظات وزمن الإنزال.
ـ سابعاً: تم تسخير ووضع الأقمار الصناعية الأمريكية وربما جُل النظام الفضائي للأقمار الاصطناعية التابع لحلف الناتو لهدف الإنزال العسكري.
وبعد أن تأكدت القيادة السياسية في صنعاء من كل تلك المعلومات العسكرية من على أرض واقع المعركة ومن عين الحدث، صدر القرار التاريخي الشجاع بانسحاب قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية من مدينة عدن تجنباً من سفك الدماء، وكي لا يسقط المزيد من الضحايا من الأبرياء من سكان مدينة عدن.
وعلى القارئ اللبيب التمعن بدقة وبصيرة في عناصر غزو الأعداء لمدينة عدن، التي لولاها لبقينا آمنين سالمين في المدينة حتى يومنا هذا، لكنها إرادة الله كي نتعلم من دروس التجربة، وأن عدن منذ ذلك التاريخ المشؤوم أصبحت محتلة من قِبل المملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة ومعهم مرتزقة يمنيون هم الأرخص والأدنى قيمة وسعرا من بين مرتزقة الدنيا.
لكن وللأمانة التاريخية فإن من كانوا يقاتلون الجيش اليمني واللجان الشعبية في مدينة عدن هم خمس مجموعات مسلحة فحسب، وهم:
ـ أولاً: مجاميع مسلحة تتبع تنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين وما يسمون أنفسهم بالسلفيين الأصوليين، وهؤلاء هم من استماتوا يقاتلون في شوارع عدن بهمة وشجاعة.
ـ ثانياً: مجاميع مسلحة ممن كانوا يُسمّون باللجان الشعبية البدوية وهم القادمون من أبين وشبوه، قاتلوا بشجاعة وبسالة.
ـ ثالثاً: مُقاتلون شباب مدنيون من أبناء مدينة عدن تم التغرير بهم وتزويدهم بالأسلحة والمؤن، وحشدهم لقتالٍ شرس وقوي وشجاع في شوارع المدينة وضواحيها ضدّ الجيش اليمني واللجان الشعبية.
ـ رابعاً: مجاميع منظمه من مقاتلي مليشيات حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمين)، كانوا يقاتلون بانتظام وقوة وشجاعة.
ـ خامساً: مجاميع من مختلف الشرائح الاجتماعية ومن المحافظات اليمنية المختلفة وهم الفصيل المسلح من بقايا الانفصاليين الجنوبيين (المناطقيين) الذين يحلمون بعودة دولتهم المندثرة، والتي لو حمَّلهم الشعب اليمني جرائمهم البينة في مرحلة السبعينات من القرن العشرين لتواروا خزياً وعاراً وخجلاً.
هذه هي القوى والتجمعات الشبابية العسكرية التي يدعون أنها (المقاومة الجنوبية) مع أنها ليست كذلك مطلقاً، ولكن هذا هو قمَّة الزيف البين والأكاذيب الفاحشة التي يسوقونها يومياً ببلادةٍ وسذاجة عبر وسائل إعلامهم المموَّلة من مشيخة الإمارات، لكن كُل تلك الأقاويل لم ولن تنطلي على شعبنا اليمني العظيم.
لكن السؤال العريض الموجه للقوى الانفصالية التي أنشأتها وصنعتها مشيخة الإمارات العربية المتحدة ومن خلفها العجوز بريطانيا (العظمى) كيف تحولت مدينة عدن ومؤسساتها الحكومية والخاصة بعد رحيل الجيش اليمني واللجان الشعبية؟، ألم تتحول هذه المدينة الوادعة المسالمة إلى مدينة (حارة كل من اِيدُه إلُهْ) كما صورتها الدراما العربية السورية في أحد أعمالها، وحولتموها إلى أشبه بـقرية تابعه لقرى يمنية مجاوره بعينها، هذا ما أنجزتموه طيلة زمن العدوان، ألم تعذبوا وتشردوا منها الشعب اليمني من محافظات عظيمة كـتعز، وإب والبيضاء بطريقة ساذجة وسخيفة وغير إنسانية؟، كم سيحمِّلهم الشعب اليمني من أقصاه إلى أقصاه كل تلك المثالب والسقطات الكبيرة.
اليوم ونحن على مشارف عهد سلمي جديد، يتطلع فيه الشعب اليمني كله إلى مرحلة سلمية نتجاوز فيه كل آلام جرائم العدوان، ونقبل بسلام الشجعان وعودة الحق إلى نصابه، والابتعاد عن لغة التحريض المناطقي والجهوي والمذهبي، وتعظيم لغةٍ راقية شامخة مستقاة من انتصار الشعب كل الشعب اليمني العظيم هو الطريق القويم للعزة والكرامة والإباء.
الخلاصة: إن مفردات الكذب والتدليس والتزييف التي تتوالد في الحروب لا يمكن أن تبنى عليها حقائق للاستنتاج الموضوعي المنطقي، وخاصة بعد أن تنجلي الغمة وتذوب سحب الضباب القاتمة الناتجة عن الاستخدام المفرط للأسلحة الفتاكة، ومنها سلاح البروبجندا لتزييف الوعي، ولذلك نقول إن عدن اليوم تقع تحت الاحتلال الأجنبي، ومن شروط اتفاق السلام المزمع توقيعه في الأيام القادمة بإذن الله تعالى هو انسحاب القوى الأجنبية الغازية من كل شِبر من الأرض اليمنية الطاهرة بما فيها مدينة عدن، وجمهورية ومن قرح يقرح.
وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ
أ. د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
رئيس مجلس وزراء حكومة الإنقاذ الوطني – صنعاء