رئيس اتحاد الإعلاميين اليمنيين عبدالله علي صبري يكتب عن :الحـبيشي ونداء الـوطن
كان إذا اقتنع بقضية انخرط في الدفاع عنها بكل قوة وصلابة مشفوعتين بمنطق موضوعي وبقلم مطواع لم يخذله يوما، ومع أن مشواره الإعلامي كان على الدوام في كنف السلطات السياسية المتعاقبة، إلا أن الفقيد أحمد الحبيشي كان منحازا للوطن وللمبادئ التي يؤمن بها قبل أي شيء آخر، وقد كان من الإعلاميين القلائل الذين يفرضون أفكارهم ويصبغون أي عمل إعلامي يتولونه برؤيتهم الشخصية وإن بدت في بعض الأحيان خارج النص المرسوم، كما هو المتعارف عليه في الصحف ووسائل الإعلام الرسمية..
وقد أمكن لفقيد الصحافة اليمنية وأحد أبرز فرسان الكلمة في بلادنا أن يثير الكثير من الجدل حول ما يسطره من أفكار أو ما يسلكه من دروب سياسية ربما كانت في بعض المراحل على الضد من بعضها البعض، وإلا كيف أمكن لليساري العتيق أن يحظى بثقة اليمين المحافظ- إن جاز التعبير- ويعهد إليه بتولي مناصب سياسية وإدارية حساسة، فيبرع ويبدع وينجح ويتجدد أيضا..!
على أن الحبيشي لم يكن ماهرا في لعبة الحبال السياسية على النحو الرخيص الذي رأيناه في أناس كانت مواقفهم تبعا لرياح المصلحة الشخصية لا أقل ولا أكثر..
صحيح أن الراحل تنقل من هذا الطرف السياسي إلى ذاك، بيد أن هذا التغير كان يدل في الأساس على شخصية ترفض الجمود أو التقيد بالقوالب الحزبية، ولكنه حيثما ارتحل كان هو نفسه أحمد الحبيشي المنحاز لفكره ومبادئه مهما كان الثمن.
وفي محطته الأخيرة التي جلبت له الكثير من النقد والتحريض سنرى أن الحبيشي لم يندفع إلى موقف الأحرار في مواجهة العدوان السعودي الأمريكي عن تكتيك أو مراوغة سياسية كما هو حال البعض من النخبة الإعلامية والسياسية، كما أنه لم يوفر جهدا في سبيل الدفاع عن الوطن وسيادته واستقلاله وعن تبيان انحيازه للقوى الوطنية المناهضة للعدوان وعلى رأسها أنصار الله.. ولعلنا نسأل: ما المصلحة الشخصية التي كان يتوخاها من هذا الموقف؟
لقد شن تحالف العدوان على اليمن حربا ضروسا استهدفت كل فئات الشعب اليمني، وكان كل الأحرار تحت خطر القصف والتهديد اليومي، وكل الحسابات المنطقية كانت تقود إلى الجزم بحسم المعركة عسكريا لصالح العدو، مع الاختلاف فقط حول تقدير الوقت المطلوب لإنجاز المهمة، وفي الجهة المقابلة فإن أكثر المتفائلين في القوى الوطنية التي قررت خوض غمار التحدي والصمود والثبات لم يكن يظن أن بمقدور صنعاء أن تصمد سنة واحدة أمام الحرب وتداعياتها، وهو التقدير الذي جعل البعض ممن لم يلتحق بالرياض وبعواصم تحالف العدوان، والتزموا ما يسمى بالحياد يحجمون عن المغامرة والوقوف إلى جانب الطرف الذي ظنوا أنه يصارع في معركة معروف مصيرها سلفا..
فما الذي كان يتوخاه الحبيشي من مصلحة مادية، وقد انحاز منذ اللحظات الأولى بشكل كلي إلى الطرف الذي بدا أنه الأضعف في المعادلة العسكرية ؟
باختصار نقول: لقد لبى الراحل نداء الوطن واختار أن يسلك مع رفاقه الأحرار درب الصمود مهما كان موحشا، فوظف خبرته الصحفية الكبيرة في مواجهة العدوان، كجندي في الجبهة الإعلامية معرضا عن المناصب والمغريات، ومعليا من شأن الكلمة الحرة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء.