ذكرى ثورة الـ14 أكتوبر من منظور قائد الثورة
عامٌ خامسٌ فيه يُحْيي اليمنُ ذكرى ثورة الرابع عشر من أكتوبر ضد المستعمر البريطاني وهو يخوض ملحمة التحرير ضد الغزاة الجدد.. دأبُ الثوار لأجل الحرية متصل ونضالُ اليوم امتدادُ الأمس ووحدة السيادة والإرادة والاستقلال مستمرة، هذا ما نعيشه، أما ما يجبُ التقاطُه وما نستفيدُه منها في معركة صناعة الوعي والبصيرة وتحرير العقل والخلاص من عُقَدِ النقص وَالاستلاب تجاه العدوّ من جهة وما نحتاجه من جهة أُخرى ونحن في خضم العام الخامس من الجهاد المقدس ضد العدوان الأمريكي السعودي فنغترفه من خلال خطابين اثنين لقائد الثورة السيد عَبدالملك بدر الدين الحوثي.
المسيرة: عَبدالحميد الغرباني
إن أولَ ما تنبه إليه ذكرى ثورة الرابع عشر من أكتوبر ضد المستعمر البريطاني عام 1963 هو أن الغزو البريطاني لم يكن هو الغزو الأول لليمن ولم يكن الأخير، والشيء المهم هنا برأي السيد القائد في خطابه لمناسبة الهجرة النبوية وذكرى ثورة الـ14 أكتوبر 2015 هو أن يعي الشعب اليمني حقيقة أن “هذا البلد محط أطماع لقوى أُخرى في العالم وهي كثيرة، وعادة ما كان على مدى التاريخ وحاليا هذا قائم وربما في المستقبل كذلك أن يكون هناك من يتطلع إلى احتلال هذا البلد، من يطمع في احتلال هذا البلد، من يرغب في السيطرة على هذا البلد، وهذا هو حال أَيْـضاً بقية المنطقة التي أطبقت عليها حقبة الاستعمار في القرن الماضي”..
بعد ذلك نمسك من الخطاب الدلالةَ الأهمَّ لذكرى ثورة أكتوبر وهي أن المستعمر البريطاني لعق هزيمة كاملة وتهيئ طرده وهو في ذروة قوته عتادا وعدة وعديداً، يقول السيد في ذات الخطاب “المستعمر البريطاني كان قويا، إمبراطورية آنذاك، إضافة إلى ذلك كانت إمْكَاناته وقدراته هائلة على كُـلّ المستويات في مقدمتها الجانب العسكري، كان لديه أَيْـضاً الكثير من العملاء والمرتزِقة الذين اشتراهم في البلد في جنوبه، إضافة إلى ذلك تمكّن من احتلال أجزاء واسعة من البلد وتمكّن من اللبث فيها لمدة طويلة”..
هزيمة العدوّ الباسط سيطرته على مساحات شاسعة والمدجج بالإمْكَانات والقدرات والمسنود بالعملاء والمرتزِقة والخونة تهيأت برأي السيد القائد “عندما تحَرّك شعبنا اليمني العزيز بجد بصدق باهتمام كان النصر حليف هذا الشعب وكان ذلك المستعمر المحتلّ كان مهيئاً للهزيمة”..
هنا يستوقفنا الخطاب عند أهميّة هذه الحقيقة التاريخية فنجد من خلال الذكرى كُـلّ تجارب الشعب اليمني والسياق القيمي له مع الغزاة وعلى مدى تاريخه، سلاح مهم في وجه العدوان الأمريكي في حال فتشنا فيها عن ما نحتاجه من ذخيرة، وذكرى أكتوبر منفردة تطلق هنا قذيفة تاريخية في وجه ما يمكن وصفهم بطابور المرجفين والمهولين والجبناء الذين أناط بهم الاستعمار وظيفةَ ترسيخ روحية الاستسلام والوهن واليأس في أوساط الناس كجزءٍ من الحرب على الشعب اليمني؛ ولذلك يقول السيد القائد “في حقيقة الأمر ما هناك أيُّ مجال لليأس نهائياً، إن أية أمة أملُها بالله سبحانه وتعالى قبل كُـلّ شيء ولها رصيد كبير من التجربة على مدى التأريخ ولها قيم وفيها إحساس بالعزة والحرية لا يمكن أن تيأس أبداً”..
غيابُ دراسة حقبة الاستعمار: الأسبابُ وَالتداعيات
بحالة من التراتبية الهادفة يعود بنا الخطابُ إلى واقع منطقتنا كاملة في القرن الماضي لنلحظ أن حقبةَ الاستعمار كانت مُطْبِقةً وشملت المنطقة بكلها ومع أن المسافة قريبة ما بين حقبة الاستعمار والراهن الذي نعيشه، إلا أنها غائبة عن ذاكرة أجيال هذا القرن، ومَرَدُّ ذلك إلى ضعف التصدي لهذه الحقبة بالدراسة بما فيه الكفاية وعدم إخضاعها –كما يرى السيد القائد- لتساؤلات غايةٍ في الأهميّة من مثل “ما الذي هيأ بلداننا وأوطاننا أن تُستعمرَ على ذلك النحو وأن يلحقوا بشعوبنا وآبائنا وأجيالنا الكثير من الأذى والظلم والاضطهاد وأن يسلبوهم الحرية لماذا؟ ما هي الأسباب؟ كيف هي الأرضية التي تهيئ المجالَ للمعتدي والمحتلّ ليطمع وليتقدم وليحتل هذه البلدان؟”..
ثم السيد بعد ذلك يعتقد أن ضعفَ دراسة حقبة الاستعمار جرى عن سبق إصرار وترصُّد يقول: “أعتقد أن هذا كان أمرا مقصودا”، أما لماذا الضعف فجزءٌ من تداعيات الاستقلال الشكلي الذي عاشته البلدانُ والشعوبُ بعد ثورات التحرير يقول السيد: “شعوبنا لم تصل بعدُ إلى حالة من الحرية والاستقلال الحقيقي”، ويضيف: “الاستعمار ترك في منطقتنا آفات كثيرة ومشاكل كثيرة وفي ذات الوقت بقي له حضوره ونفوذه وتأثيره الكبير وُصُولاً إلى محاولته أن يعيد الكرة هذه المرة من خلال الأمريكان بدلا عن الغزاة القدامى من الأوروبيين”..
هذا من جهة، ومن جهة أُخرى انعكاسٌ لحالة الفراغ والخواء لدى الأنظمة المتعاقبة على الحكم التي خضعت لنفوذ المستعمر بعد أن طردته الشعوبُ ولم تضع استراتيجيةً شاملة تجاه أعداء الأمة، فعشنا -برأي السيد القائد-: “التغافل والتجاهل للماضي على مستوى المدارس على مستوى الإعلام على مستوى المناهج على كُـلّ المستويات ولم تحض حقبة الاستعمار بالدراسة الوافية لأخذ الدروس والعبر والاستفادة منها عملياً في السياسات والمواقف والمناهج وعملية البناء”..
وفي سياق بسطِ أسباب الهزال في تقصي حقبة الاستعمار وعزلها عن مناضد التشريح والبحث والتحليل، يوضح السيد القائد ما فوّتته هذه الكارثة والمؤامرة على البلدان والشعوب من مكسب استراتيجي هو التأسيسُ لجدار حصين وصلب في وجه كُـلّ ما استجد وتعاقب من مؤامرات الأعداء وَ”بما يعطي منعةً لشعوب المنطقة من عودة الاحتلال والدخول في أتون الهيمنة الخارجية والسيطرة الخارجية على البلاد والعباد”..
أما التداعيات التي أسفرت عن هذا الضعف فنجدها في ثنايا هذا الخطاب وبشكل مقتضَبٍ مقتصرة على تراجع حالة التحرّر وهشاشة ثقافة الاستقلال والحرية وسيطرة حالة التبلد تجاه الغزاة وأطماعهم وُصُولاً إلى تقديمِ المجتمعات فريسة سهلة للعدوّ وبين افتقاد اليمن للاستقلال الحقيقي والكامل وغياب الاستراتيجية الشاملة تجاه عدونا وواقعنا حملت السنونَ أخطرَ تداعيات ذلك ومع تعاقبه ولّدت أطرافاً لديها ليس فقط قابلية بالمحتلّ وسيطرته ونهبه للثروة واحتلاله للأرض، وإذلاله للبشر، بل والاصطفاف بصفه والتبرير لاحتلاله و”تقديمه عاملا للحضارة”.. والتعبير المتهكم والساخر للسيد القائد..
الخونةُ دعامةُ الغزو..
بعد هذا الاستطراد في هذا الخطاب السيد القائد، يُعتبَرُ الخونة دعامةً من دعائم الغزو الأجنبي، فدائماً ما كانوا على مدى التاريخ عاملا مساعدا على غزو بلدانهم بل وعبرَهم أمّن ويؤمّنُ الاستعمار عمراً أطولَ له، وهذا ما يراه الشعب اليمني ماثلاً ويشهده مذ خمس سنوات من العدوان الأمريكي السعودي، وهو ما يفصل الحديث عنه السيد القائد ولكن في خطاب ذكرى استشهاد الإمام زيد 1439 وذكرى الرابع عشر من أكتوبر 2017م.
هنا يلتقطُ السيد القائد العاملَ الأهم والأخطر من العوامل التي استند إليها المستعمر البريطاني في إطالة عمر احتلاله لجنوب اليمن لقرابة 129 عاماً وهو وجود “أطراف آنذاك وفي كُـلّ تلك المراحل، ممن ارتبط بالمحتلّ وقاتل لحسابه وبرر تواجده، وتجند لحسابه ومارس صنوف التعذيب البشعة بحق الثوار الأحرار في مراحل متفاوتة وُصُولاً إلى الاشتراك مع المحتلّ في جرائم إبادة جماعية جرائم قتل، جرائم تنكيل بحق الأهالي، في مناطق متعددة، وفي مراحل متعددة من تاريخ الاحتلال البريطاني”..
وهو ما يتورط فيه اليوم الخونة الجُدُدُ وطابورُ العملاء للعدوان الأمريكي السعودي بعد أن فتح غياب الاستراتيجية الشاملة التي يبنى عليها واقع البلد في المناهج التعليمية والثقافة والإعلام، فتح الباب واسعا أمام ما يشهده اليمن -برأي السيد القائد- من “حالة استقطابية واسعة، من توجّـه لقوى سياسية كثيرة في هذا البلد، من توجّـه لكثير من الناس في صف الأجنبي، ومناصرة الأجنبي الذي يحتل بوضوح بلدنا في الجنوب وفي مناطق كثيرة”..
وفي التعليل المؤكّـد لهذه الحقيقة المُرّة يقول في ذات الخطاب: “كان من المفترض أن يشكّلَ ما حدث من الاحتلال البريطاني ولمدة طويلة من الزمن لأكثرَ من 100 عام في عدنَ والجنوبِ، عاملاً مهمًّا جِـدًّا في كُـلّ واقعنا في البلد، إضافة إلى ما سبقه من استهداف لبلدنا في كُـلّ المراحل التاريخية، لتعزيز الثقافة التي تحفظ لنا في بلدنا الوعي، وتحفظ لنا روحيةَ التحرّر والاستقلال والممانعة، والتصدي لأي احتلال أجنبي”.
وفي سياقِ مقارنةِ اهتمام اليمن بتجاربه التاريخية مع الاستعمار والغزاة من جهة ودول وشعوب أُخرى يؤكّـد أن لا مقارنةَ ويصدّر ذلك بيمين يقول: “يا إخوة واللهِ لم يشهد بلدُنا من الاهتمام بهذه المسألة بقدر ما لدى الصينيين أَو ما لدى بعض البلدان الأُخرى تجاه أقوام استعمرتهم، كان ذلك عاملاً لهم -مثلاً- على مستوى الاستراتيجية الشاملة، مثلاً: السياسَة التي يبنون عليها واقعَهم الاقتصادي، كيف يكونون أمةً قويةً عصية على أولئك الذين غزوها في ما مضى، واحتلوا أرضها، ونهبوا ثروتها، وأذلوا شعبها، أن يكونوا أقوياء حتى لا يتكرّر ذلك، أن يكونوا عصيين أمام أي احتلال جديد، أمام أي غزو أجنبي جديد”..
ونستخلص من حديث السيد عَبدالملك الحوثي في الخطابين المذكورين أن ذكرى ثورة الرابع عشر من أكتوبر تستوقفنا جميعاً عند مهام عدة منها:
أولاً: تعزيز ثقافة الحرية والاستقلال والروح الوطنية المسؤولة، وتعميم حالة التحرّر كضرورة وطنية ومبدأ إنساني وقبل هذا وذاك مَعْلَم إسلامي
ثانياً: الوعي تجاه خطورة الأجنبي وأطماعه وأهدافه وما يترتب عليه وما يقترفه من جرائمَ كما هو الحال مع المستعمر البريطاني وانتهاكاته بدءاً من الاختطافات للمواطنين والثوار قبلهم وإخضاعهم لأنواع التعذيب مروراً بجرائم القتل والإبادة للمزارعين ولسكان المدن، وما فعله سواء في هجماته الجوية أَو البرية، وغير ذلك..
ثالثاً: الحذر من التقصير والتنصّل عن المسؤولية والأخذ بعين الاعتبار كارثيةَ التنصل عن سبل دفع الهوان والإذلال والاستعباد والقهر والظلم وصنوف الاضطهاد الذي يمارسه المستعمر..
رابعاً: الإفادة من تاريخنا من رموزنا العظام، من منهجنا، من ديننا، من قيمنا، من مبادئنا، والأحداث المعاصرة..
وعلى أن يكونَ ذلك على مستوىً عامٍّ في الثقافة العامة في الاستراتيجية التي ننطلق منها في هذا البلد كشعب يمني في كُـلّ شأننا؛ باعتبار ذلك تجربة مهمةً نستفيدُ منها اليوم في مواجهة الاحتلال والاستعمار الجديد..