هل حقاً رحلت ياعبد الله..؟ بين صعوبة استيعاب الفاجعة وحقيقة حدوثها، واقتدار النفس على احتمال وطأتها ومرارتها.. البون شاسع.. هل فقدناك حقا؟ فمَن لصباحات إذاعة صنعاء وأثيرها الصمودي،وقد انتُزع روحها، وغادرها بارق الحياة ونبض الحيوية، والقلبُ الكبير الذي يستوعب نقاط ضعفنا وهفواتنا نحن الزملاء والزميلات الذين حملتَ مسؤولية الإشراف على عملهم فيها ؟ كنتَ لهذه الصباحات في وسْمها التليد(يمن الصمود) الألقَ المشع والوقود المحرك..ولنا نحن المفجوعين بفقدك سحرَ الندى المترقرق من ثنايا محياك الودود الباسم وضحكتك الطفولية الآسرة.. عبد الله يابن محمد السوسوة..أيها الأخ والزميل والصديق وصنو الروح.. ياقوس قزح، الذي لطالما تُوجت لحظاتنا، بجنبك، بأجمل معاني الزمالة والمودة وحميمية التعالق المهني والأخوي.. من أين أبدأ العزاء والتأسي فيك..وكيف؟ من أسرتك الكريمة..أشقائك الأعزاء..أولادك وذويك الحميمين..؟من نفسي وأنا الذي انتزع فقدُك فؤادي من بين جنبيّ؟ من زملائنا في إذاعة صنعاء الذين كانوا يستروحون أنفاسَك العطرة بوديتها وجديتها ومرحها وطهرها في كل لحظة من لحظات العمل التي جمعتك بهم عبر سنيّها ومداها الزمني الطويل..؟ هل نعزي أسرتنا الإعلامية اليمنية التي فقدت واحداً من أبرّ أبنائها وأصدقهم وأخلصهم وأوفاهم وأنبلهم؟ أم نطلق العزاء والأسى غيمةً مبسوطة الجناح على سماء وطننا الصامد الصابر بأكملها؟ فليكن العزاء منا جميعاً ..لنا جميعاً.. دون تفصيل أو استثناء..؛ ففاجعة رحيلك متشعبة الأبعاد والامتدادات إلى أقصى حدود المعنى الوطني والإنساني، الذي كنتَ في فضائه الشاسع ذلك النموذجَ المشرق بأنقى القيم وأسمى السجايا.. لكن العزاء، مهما كان حجمه، عاجز عن إطفاء حرارة السؤال عمن سيعوضنا عن ذلك الحضور العملي العاطر والبهي في جنبات إذاعتنا إذاعة صنعاء، بعدك؟ من سيقنع ذرات أثير(يمن الصمود)أن عنفوان فوحها الرسالي الجهادي والجِدي والعملي سيبقى ممكناً بعد رحيلك؟ من سيطل علينا بين فينة وأخرى في صباحات عملنا في ظلال أثير وطني تمازجت في موجاته عزائمُنا وأحلامنا وحروفنا وشهيقنا وزفيرنا ومعاناتنا، في ظل العدوان والحصار، باثَّاً فينا رذاذ أُلفته ومحبته وجديته العملية ومرحه، وكلِّ المزيج الإنساني العملي والمهني والتعاملي الذي كنتَ فيه نسيجَ وحدِك.. عزاؤنا الحقيقي في إذاعة صنعاء، أن النجوم وإن غادرت أماكنها في المجرة يبقى ضوؤها،وأن شجرة العطاء تعيد إنتاج رحيق واخضرار وحياة كل غصن أدركه الرحيل من أغصانها.. وأنت، أيها الفقيد الغالي، الشاهد الجديد الحي على تلك النجومية التي لايغمض لها جفن والاخضرار الذي لا يموت! تغشتك رحمات الله الواسعة ياعبد الله، وأفرغ الله علينا مزيد الصبر والسلوان. “إنا لله وإنا إليه راجعون”