دمج الأجهزة الأمنية في عدن: ورقة واشنطن لمواجهة صنعاء
يبدو أن مواقف الأطراف الموالية للتحالف السعودي – الإماراتي، من خطوات “أنصار الله” في البحر الأحمر، والتي تستهدف الملاحة الإسرائيلية، بدأت تُترجم على الأرض، وفق الإمكانات المتاحة لدى تلك الأطراف، بعد انسداد الأفق في ما يتعلّق باتخاذ قرارات استراتيجية لتغيير المعادلة القائمة ما بين صنعاء من جهة، والقوى المحسوبة على الرياض وأبو ظبي من جهة أخرى. صحيح أن الخيار العسكري سقط بالنسبة إلى تلك الجهات، وهو في تراجع بالنسبة إلى الولايات المتحدة نفسها، أو على الأقل يتموضع في دائرة الدفاع، وليس الهجوم. غير أن الأوراق الأخرى، السياسية منها والأمنية، فُعّلت مجدداً على وقع التسخين العسكري في البحر الأحمر.ويفسِّر لجوء الولايات المتحدة إلى الورقة الأمنية في المحافظات الواقعة تحت سيطرة السعودية والإمارات، حجم المعضلة الحقيقية التي تعانيها الأطراف الموالية لهاتين الأخيرتين، عسكرياً خصوصاً. وجاء قرار التحالف السعودي – الإماراتي، ضمّ التشكيلات والأجهزة الأمنية في إطار جهاز واحد، في ظل تصاعد الدعوات من قبل “المجلس الرئاسي”، و”المجلس الانتقالي الجنوبي”، للتحالف البحري الأميركي، من أجل تجهيز هذه القوات بقطع بحرية، للمشاركة في الحرب ضد صنعاء في البحر الأحمر. لكن واشنطن ذهبت، برأي محللين، إلى الخطوات الأكثر واقعية، والتي تقول، من وجهة نظرها، إن فتح معارك عسكرية ضد طرف متماسك تنظيمياً وعسكرياً، من قبل ميليشيات متعددة، لن يحقّق الأهداف المرجوّة. وعليه، أتت قرارات رئيس “المجلس الرئاسي”، رشاد العليمي، بدمج الأجهزة الأمنية المنقسمة والمزدوجة الولاء ما بين الرياض وأبو ظبي، في إطار “الجهاز المركزي لأمن الدولة”، بحيث ينصهر كل من الجهاز المركزي للأمن السياسي وجهاز الأمن القومي والكيانات الاستخبارية الأخرى التابعة لـ”المجلس الانتقالي الجنوبي”، و”قوات حراس الجمهورية” التي يقودها طارق صالح، و”ألوية العمالقة” السلفية، التي يقودها عضو “المجلس الرئاسي”، أبو زرعة المحرمي.
اللجوء إلى الخيار الأمني جاء بعد فشل إمكانية فتح جبهتَي مأرب وتعز
ولعل إخضاع تلك الأجهزة، للعليمي، الذي يُوصف بأنه رجل الولايات المتحدة الأمني الأول في اليمن، يكشف عن توجّه لدى واشنطن للحضور أمنياً في المحافظات الجنوبية، وانتفاء حاجتها إلى الاختباء خلف الدور الذي تلعبه السعودية والإمارات، إذ حسمت واشنطن الخلاف سريعاً حول دمج الأجهزة المشار إليها، والذي كشفت مصادر مطلعة، لـ”الأخبار”، أنه كان قد احتدم داخل أروقة “المجلس الرئاسي”، وبين أبو ظبي وواشنطن، وخصوصاً حول من يترأس جهاز مكافحة الإرهاب. وحتى قبيل صدور القرارات، كانت الإمارات تدعم عمار صالح لترؤس الجهاز، غير أن الولايات المتحدة اختارت شلال علي شائع، رغم عدم موافقة جميع أعضاء “الرئاسي” عليه. هكذا، وعلى غرار عملية الهيكلة التي طاولت القوات العسكرية منذ ما يقارب العامين، جاء قرار دمج الأجهزة الأمنية، علماً أن الأولى ظلّت وفق تركيبتها السابقة ولم تُدمج فعلياً، إلا ضمن غرفة التنسيق المشترك.
ومهما يكن مفعول القرارات الأخيرة على الأرض، تبقى ثمة أسئلة بلا أجوبة: هل ستستطيع واشنطن تحقيق إنجاز، سواء في ما يتعلّق بترتيب الأوراق عسكرياً وأمنياً في المحافظات الواقعة تحت سلطة الرياض وأبو ظبي، أو في ما يتعلّق بمواجهة صنعاء؟ وهل لدى الولايات المتحدة متسع من الوقت لحصد مكاسب ميدانية ضد “أنصار الله” بالتزامن مع استمرار المواجهة في البحر الأحمر؟ لا إجابات واضحة إلى الآن، لكن الأكيد أن اللجوء إلى الخيار الأمني جاء بعد فشل إمكانية فتح جبهتي مأرب وتعز، وذلك خلال الأيام الأولى من استهداف صنعاء للسفن المتّجهة إلى إسرائيل. كما أنه أتى في ظل تذبذب موقف الولايات المتحدة بخصوص توجيه ضربات مباشرة إلى أهداف في اليمن.