دماء هنية توحّد كل التيارات الإيرانية واليمن يؤكد.. ادخلوا عليهم الباب
بدأت مرحلة جديدة من مراحل الصراع قد تكون هي المرحلة التاريخية الممهدة لكسر شوكة العلو الصهيوني، وبداية لنصر معمد بدماء مؤسسين وقادة من الرعيل الأول.
تطورات متسارعة تشهدها كلّ الساحات، ومتغيرات جديدة خلال المرحلة المقبلة، وبعد تجاوز لكل الخطوط، وفصل جديد قد يكون قاسياً على المحور، ولكنه سيكون حتماً أقسى على خصومه وأعدائه.
النار التي يشعلها نتنياهو بشكل متسارع تدلّ على إرادة صهيونية فوق الإرادة الأميركية. وليس صحيحاً أن واشنطن هي من تؤثر في الكيان، بل العكس تماماً. هكذا تقرأ الأحداث في اليمن.
اغتيالات وخرق للقوانين واستهداف متواصل وعالٍ في اليمن ولبنان وإيران، وتوجيه رسائل بفوهة البندقية والحديد والنار يراها اليمن محطات مهمة تأخرت من الكيان الإسرائيلي، وتربطها صنعاء بأنها متغيرات إلهية تتسارع في مصلحة الأحرار وحاملي السلاح، وهي أيضاً من أجل الدم الفلسطيني.
لقد بدأت مرحلة جديدة من مراحل الصراع قد تكون هي المرحلة التاريخية الممهدة لكسر شوكة العلو الصهيوني، وبداية لنصر معمد بدماء مؤسسين وقادة من الرعيل الأول.
إنّ ما يمكن قوله في أسلوب نتنياهو الأخير واغتيال الشهيد إسماعيل هنية هو مؤشر واضح إلى فشل “إسرائيل” في حسم معركة غزة، فضلاً عن كونه استنزافاً لجيشه الذي لم يتوقع أن يقتل بالقذيفة والكمائن والقناصة، كما أنه يعود إلى عدم قدرته على تحقيق أهدافه.
في المقابل، حولت عملية الاغتيال الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان -من بدا مصدوماً في بداية فترته- إلى خصم عنيد أكثر قناعة وصلابة من كل رؤساء إيران، والإيمان بحتمية العداء مع الكيان ومع واشنطن ومع كل أسير لسياسة الصهيونية، بل ومع أوروبا أيضاً.
لقد وحَّد اغتيال هنية الشارع الإيراني في نظرته إلى أميركا والغرب، وأفشل مشروعاً غربياً في الداخل الإيراني، نفذت من خلاله القوة الناعمة إلى مجتمع إيران وعبر مراحل تاريخية طويلة، كما أنَّ هذا الاغتيال وحَّد السنة والشيعة، ووحَّد محور المقاومة أكثر، ووحَّد قرار الرد القادم الذي سيكون مختلفاً في أسلوبه وفي أثره وفي قدرته، كما دفع اغتيال القائد هنية إلى خسارة ممتدة للكيان تركها نتنياهو لمن خلفه كعبءٍ ثقيلٍ لا يمكن حمله، كما أنه لا يمكن تركه بلا ثمن.
إنَّ ما يحدث اليوم يسجله محور المقاومة مدرسة جيدة له، فالعدو بأساليب كهذه، يدفع المحور إلى إعادة التفكير مجدداً بتقوية نفسه تكنولوجياً وعسكرياً واقتصادياً وسياسياً وأمنياً، وفي كل المجالات، فالمحور اليوم هو محور فلسطين ومحور القدس، وخصومه اليوم قد يرتكبون أي أخطاء في المستقبل، والحل كما يراه القادة هو في تقوية الجميع وبمختلف الإمكانات المتاحة.
وفي ما يخصّ الضاحية الجنوبية الحزينة، فإن واشنطن و”تل أبيب” ارتكبتا خطأ مركباً، وذلك باغتيال فؤاد شكر القائد العسكري الذي يعشقه عشرات الآلاف من المقاتلين الذين تحولوا إلى كتلة متفجرة في ميدان المواجهة، وإلى قوة فاعلة وغير مسبوقة تدفع ثمنها يافا وحيفا وما بينهما، فضلاً عن أن هذا الخطأ الاستراتيجي باغتيال قائد عسكري واستهداف الضاحية قد قدّم لنصر الله وحزبه هدية بدت واضحة من ثبات الأمين العام في خطابه، وذلك بتوحيد لبنان وتهيئة المجتمع وتحوله إلى كتلة واحدة في مواجهة صلف العدو الأول للبنان.
إن حلفاء فرنسا في الداخل اللبناني لن يستطيعوا تقديم حل أو اتخاذ أسلوب جديد من أساليب الضغط بعد ما أقدم عليه نتنياهو. ويبدو أن مختلف القيادات اللبنانية حسمت أمرها بمساندة المقاومة أو على أقل تقدير تبرير موقفها العسكري القادم. وبهذا، تهيأت الساحة للتصعيد عملياتياً والانتقال، كما قال نصر الله، من مرحلة المساندة إلى مرحلة الدخول كلياً في الحرب.
لقد دفع نتنياهو ومن خلفه واشنطن كل أوراقهم، وأحرقوا بعضها قبل استخدامها جيداً، وهم اليوم يترقبون الرد من طهران والضاحية وصنعاء وبغداد، وخصوصاً بعد قطع الطريق أمام المؤسسات الدولية وأوروبا في محاولة إنقاذ الكيان، والتي لم تعد قابلة للتناول أو النقاش.
لقد امتلأت أيدي محور المقاومة بالمبررات للدخول كلياً في المعركة أكثر من أي وقت مضى. هذه الأيادي أصبحت متحدة بشكل غير مسبوق وقوية أيضاً، وهي تستطيع صفع عدوها وخدش وجهه المليء بالتجاعيد وكسر أيدي نتنياهو ومن معه ممن تسيل دماء أطفال فلسطين من بين فتحات أصابعهم، واليمن قد يعد شاهداً من شواهد القوة التي بإمكانها هزيمة الأساطيل، والذي أعاد حقيقة أنه أكبر من الحسابات، وليس العكس.
نعم، إيران تقصف عدوها يومياً، فكل طلقة أو قناصة أو قذيفة في غزة هي بمساهمة واضحة من إيران، وكل صاروخ أو قذيفة أو هاون ينطلق من جنوب لبنان هو بدعم من إيران، وكل ضربة يتلقّاها العدو الإسرائيلي هي بمباركة من السواعد الإيرانية، ولكن ذلك لا يعني إعادة هيبة الحضارة الإيرانية، والتي ينتظرها العالم كل يوم وكل ثانية وكل ساعة.
إنه العلو الكبير والأخير، كما يراه البعض، ويراه اليمن صراعاً يجب أن يستمر وأن يتصاعد بلا توقف. لذا، قال قائد اليمن إن يافا لم تعد آمنة، فهو يدرك تماماً أن يافا هي غرفة العمليات العسكرية، وهي البنك الاقتصادي، وهي المكان الآمن لكلّ الخبراء من كل الدول التي تستنفر لإنقاذ حليفها.
لذا، يقول اليمن إن من الذكاء أن تصبح يافا والقواعد الإسرائيلية وكل مكان في فلسطين المحتلة غير آمنة، وأن يتم رسم معادلة مستمرة يُبنى على أساسها التمهيد لتحرير فلسطين، ويُنتزع ملف القدس من أيدي دول عربية خانت وتواطأت وحاولت الالتفاف على هذه القضية بتجزئتها وتمييعها.
من المؤكد أن سيناريو الرد اليوم بالنسبة إلى اليمن سيكون متزامناً مع المحور، ولكن سيستمر التصعيد، وسيستمر استهداف يافا. وقد تنتقل صنعاء إلى خطوات أكثر دقة وحدة في مستقبل الصراع.
اليمن اليوم يقول للعالم إنَّ الرد آتٍ، وهو رد يتناسب مع الجرأة وخرق القوانين، ويليق بالدم الذي سال، ويقول أيضاً للمحور إذا لم تكن التحركات والوساطات لمصلحتك، فهي حتماً لمصلحة عدوك، فلندخل عليهم الباب، فإذا دخلناه فحتماً إننا غالبون.