*دلوني على شيء أنتقد به إيران!* بقلم المفكر الجزائري د نور الدين أبو لحية
طلب مني بعض الفضلاء المحترمين الحريصين على مصلحتي أن أكتب مقالا ولو قصيرا في نقد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونعتها بالأوصاف التي تعودنا على سماعها من الكثير من الإسلاميين، كوصفها بالصفوية والمجوسية والامبراطورية الفارسية والعمالة لإسرائيل وأمريكا وغيرها من الأوصاف.. ووعدني أني إن فعلت ذلك، فستلغى كل التهم التي أتهم بها، والتي تقف بيني وبين الكثير من مصالحي، وأخبرني ـ وهو في غمرة حماسته ـ أني إن فعلت ذلك، فإن قلمي سيوضع في المزاد العلني، وقد يشتريه بعض الأمراء، وقد أصير حينها صاحب قصر كقصر القرني، أو صاحب ثروة كثروة القرضاوي وحسان وغيرهما.
كان العرض مغريا جدا، تتلهف له النفوس الظائمة، والغرائز التي تبتهل كل فرصة، وتقتنص كل سانحة.. لكني بعد البحث الطويل لم أجد كلمة واحدة يمكنني أن أشتم بها تلك القطعة الكريمة من بلاد الإسلام، والتي كانت في كل تاريخها رمزا للحضارة والرقي والتواصل الإنساني.
لهذا كتبت هذه الرسالة المفتوحة لكم معشر القراء الكرام عساكم تشاركونني في البحث عن أشياء ذات بال يمكننا أن ننتقد بها هذه الجمهورية، وتنالوا لذلك مني الثناء الجميل مع بعض العطاء الذي قد يصلني عندما يوضع قلمي في المزاد العلني.
وأرجو فقط ألا تذكروا لي ذلك الوصف الذي مججناه، وهو وصفها بـ [المجوسية]، والذي لا يقبله إلا العقول المغرر بها، فأنتم تعلمون أن فارس منذ دخلت الإسلام لم تخرج منه، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بذلك، بل أخبر أن (الإيمان لو كان عند الثريا لتناوله رجال من فارس)([106]).. ولو أننا قلنا بذلك، فستصبح أكثر ثروتنا في التفسير والحديث والفقه واللغة وغيرها مصادر مجوسية مشكوك فيها، لأن أكثر العلماء كانوا فرسا، أو لهم علاقة بالفرس.
وأرجو ألا تذكروا لي كذلك وصفها بالامبراطورية الفارسية، فأنتم تعلمون أن الكثير من الدول التي حكمت إيران كانت دولا عربية ابتداء من بني أمية وبني العباس، وقد حكمهم في فترات كثيرة إلى العصر الحالي رجال من ذوي أصول عربية، ولم يستكبروا عليهم، ولم يطالبوا برحيلهم، ولم يطالبوا بعودة كسرى، ولا أبناء كسرى.
وأرجو ألا تذكروا لي كذلك وصفها بـ [الصفوية]، فالدولة الصفوية كانت مملكة، وإيران الحالية جمهورية، والصفوية كانت تخضع لحكم الفرد، وإيران الحالية تخضع لحكم المؤسسات، والصفوية كانت مرحلة تاريخية، وإيران الحالية واقع نراه ونسمع عنه.. ولو أننا طبقنا هذا الوصف، لوصفنا تركيا بالعثمانية، ووصفنا مصر بالفاطمية والمماليك، ووصفنا الشام بالأيوبيين والأمويين.. وهكذا لن نترك بلادا إلا ونجد في تاريخها ما يقبل، وما يرفض.
وأرجو ألا تذكرو لي أيضا ما يسمونه بتصدير الثورة، فأنتم تعلمون أن العالم مفتوح، وأن كل ثورة ناجحة تصدر، رضي أصحاب الثورة أو لم يرضوا.. فثورة تشي جيفارا صدرت ولا تزال تصدر.. وثورة تونس وحرق البوعزيزي نفسه صدر.. وصار الكل يحرقون أنفسهم.. ولذلك لا داعي لهذا الوصف، واتهام إيران به.. فهي لم تفعل سوى أن خرجت من عباءة الشاه الذي كان عبدا لأمريكا، وكان لذلك تأثيره الكبير في الشعوب التي لا تزال تخضع لعبودية الشاهنشاهات.
ولا تذكروا لي كذلك التمدد الشيعي.. فأنتم تعلمون أن الكل يتمدد.. فهناك قنوات تنشر المسيحية، وأخرى تنسر الماركسية، وأخرى تنشر الوجودية.. حتى عبدة الشياطين لهم وسائلهم التي ينشرون بها أفكارهم.. وحتى أنتم أيضا تنشرون كل ما تفكرون فيه، ولا تدعونه حبيس عقولكم؛ فلا تلوموهم على شيء أنتم تفعلون مثله.
ولا تذكروا لي عدم وجود مساجد للسنة في طهران.. تلك الأيقونة التي تردد كثيرا، فأنتم تعلمون أن المساجد لله، وأنه لا يصح أن توضع مساجد خاصة بكل مذهب، وتعلمون أيضا أن المساجد الإسلامية في كل البلاد لا تفرق بين مرتاديها، وإلا عدنا لزمن التعصب الذي كانت تقام فيه أربعة محاريب، لكل مذهب محرابه الخاص به.
ولا تذكروا لي كذلك وصفها بالانحلال الأخلاقي، فأنتم تعلمون أن الدولة الوحيدة في العالم التي تفرض الحجاب على كل من دخلها مسلمة وغير مسلمة هي هذه الجمهورية، وأتحداكم أن تجدوا صورا عارية في محلاتها وشوارعها، أو تجدوا مشاهد خادشة للحياء في أفلامها ومسلسلاتها، وقارنوا ذلك إن شئتم بنظيراتها من المسلسلات والأفلام التركية التي تعتبرونها نموذجا للدولة الإسلامية السنية.
ولا تذكرو لي كذلك العمالة لأمريكا و”إسرائيل”، فأنتم تعلمون الحقد الأمريكي والإسرائيلي على إيران.. وتعلمون أن ذلك الحقد لم يبق حبيس الصدور، وإنما خرج إلى الواقع عبر الحرب التي فرضت عليها لثمان سنوات كاملة، وبعدها ذلك الحصار المجحف، والذي لا يزال مستمرا إلى اليوم.. ولذلك لا يمكنني أن أكذب عيني، وأصدق أوهامكم وخيالاتكم وظنونكم.
ولا تذكروا لي تدخلها في سورية، فأنتم تعلمون أنها حليف قديم لها، وقفت بجانبها أيام الحرب العربية والأمريكية المفروضة عليها، وأنها لم تذهب لمساندة سوريا وشعبها إلا بعد أن اجتمعت كل جيوش العالم ومرتزقتها على حربها، وأنها لم تفعل ذلك إلا بناء على طلب من الحكومة الشرعية المعترف بها عالميا.. وأنها مع ذلك كله لم ترسل سوى خبراء، ومتطوعين محدودين، ولو أنها أرسلت جيشها أو حرسها الثوري لما بقي الآن إرهابي واحد في سورية.
لذلك دعونا من كل هذه الأوصاف.. فقد بحثت فيها جميعا، وابحثوا لي عن غيرها، وأعدكم أن بعض الريع الذي يصلني سيصلكم.. لكن فقط احذروا أن تكونوا من الذين يبيعون ريع الآخرة بريع الدنيا، ويتثاقلون إلى ضيق الأرض، وينسون سعة السماء.